إسلاميات.. إشارات إيجابية وسلبية من وحي قضية الواعظ والشيخة
الدار/ منتصر حمادة
هذه بعض الإشارات من وحي النقاش المجتمعي الرقمي الذي أثير في منتصف شهر رمضان المعظم على هامش ترويج رأي واعظ سلفي بخصوص مضامين أحد الأعمال الفنية، مع الإشارة الضرورية هنا إلى أن هذه الإشارات تأتي بعد هدوء النقاش/ الزوبعة، وتراجع الخوض فيها من طرف أغلب المنخرطين، أياً كانت مواقفهم مما اصطلح عليه بـ”قضية الشيخ والشيخة”، وهذا عنوان يتطلب التدقيق، كما سنتطرق إلى ذلك في المقالة.
تأسيساً على ما سبق، نزعم أن هذا النقاش، يحتمل عدة قراءات في باب النتائج والخلاصات، ويمكن تصنيف تلك الإشارات في خانتين: اتجاه إيجابي يبعث على التفاؤل، وآخر سلبي يبعث على التشاؤم، أو على الأقل يتطلب التأمل النظري والكد البحثي من طرف المعنيين.
نبدأ بالشق الإيجابي في القضية، ويمكن حصره في النقاط التالية:
ــ كان النقاش مناسبة لتسليط الضوء على تراث فني مغربي أصيل، له ما له وعليه ما عليه، أي تراث فن العيطة، والفوارق الكبيرة التي نجدها في إنتاجات وماضي هذا التراث، إلى درجة أنه تمّ استحضار تفاعل بعض رموز هذا التراث مع المستعمر والدور الذي قاموا به في سياق طرده من المغرب، ضمن جوانب أخرى فيها ما هو إيجابي وما هو سلبي، ولكن الأهم، أن الخوض في الموضوع أضفى بعض أو كثير نسبية في معرض مواجهة توزيع أحكام القيمة التي ميزت الخيط الناظم للواعظ المعني، لأنه اختزال الأمر بشكل تلقائي في شق سلبي صرف، وهذا تعميم غير سوي علمياً وأخلاقياً، وإن كان تعميماً متوقعاً أخذاً بعين الاعتبار المرجعية الدينية الإيديولوجية للمعني، أي المرجعية السلفية الوهابية، التي لديها مشاكل بنيوية أساساً مع قضايا المرأة والفن والجمال.. إلخ.
ــ مما أفرزته تلك النقاشات أيضاً، انخراط بعض الأسماء البحثية في تنوير الرأي العام على قدر المستطاع، لأن الخوض في الضجة كان إشكالياً وحساساً من فرط حدة الاستقطاب ودخول الخطاب الإيديولوجي (الإسلاموي واليساري على الخصوص)، رغم أن هذه الإيديولوجيات كانت ولا وزالت أقلية مجتمعية، ولكنها حاضرة في العالم الرقمي، لذلك كان مهماً حضور بعض الأسماء البحثية في سياق تذكير الرأي العام ببعض الثوابت الدينية لهذه الأرض الطيبة، ونذكر مثالاً في هذا السياق للباحث سعيد جفر، الذي نشر تدوينة في صفحته على موقع “فيسبوك”، استعرض فيها سبع نقاط، منها، على سبيل المثال أن “المسؤول الأول عن السلطة الدينية بالمغرب هو أمير المؤمنين، ويتكلف المجلس العلمي الأعلى والمجالس المحلية ووزارة الأوقاف بتصريف الفلسفة الدينية للدولة دعوة ًوأمناً روحياً وفتوى، ولا حاجة لأي جهة أخرى لتقوم بأي من هذه الأدوار”؛ أو أننا “لا نتبنى في المغرب نظرية المرشد الديني، والمغرب بخصوصياته التاريخية قطع مع هذا الانتحال الفارسي والمشرقي الذي لا يُناسب الخصوصية الدينية المبدعة للمغرب”، وأخيراً وليس آخراً، “يتبنى المغرب جمعاً بين السياسة والدين على مستوى رئيس الدولة أمير المؤمنين (الفصلان 41 و42) من الدستور، ويُمنعُ كل جمع بينهما في باقي المستويات فيما يُشبه علمانية مرنة، ولهذا لا حاجة لأن يمارس أحدهم الدين إيديولوجيا”.
ــ بخلاف ما عاينا في حقبة ما بعد اندلاع أحداث “الربيع العربي” أو “الفوضى الخلاقة”، حيث كانت المواقع الرقمية تعج بخطاب الإسلاموية، وخاصة مع ظاهرة الكتائب الإلكترونية التي تدربت على ذلك، وساهمت في تزييف وعي ومخيال نسبة من المغاربة، عاينا حضور الإسلاموية أيضاً خلال الضجة أعلاه، لكن ثمة فوارق كبيرة مقارنة مع سنوات الماضي، لاعتبارات عدة، منها التراجع المرحلي لدور الإسلاموية، والذي زكته نتائج الانتخابات التشريعية السابقة أو دلالات انخراط جزء من أتباع الإسلاموية في مراجعات إيديولوجية، ونعتقد أن انفتاح هذه النسبة على قضايا الرياضة والفن والتصوف والجمال، يصب في هذا الاتجاه، ولكنه انخراط نسبي لأن الأغلبية على الأرجح لا زالت مؤدلجة إسلاموياً.
نأتي الآن للشق السلبي في القضية، ويمكن حصره في النقاط التالية:
ــ هناك سوء تأويل للقب الشيخ الذي أطلِق على الواعظ المعني، لأن هذا اللقب لا يُطلق على كل من هب ودب، على غرار إطلاق ألقاب العلامة، الفقيه، المرشد الديني. إلخ، بمقتضى وجود صرامة علمية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار في معرض ترويج هذه الألقاب، وإن كان متوقعاً أن تصدر هذه الألقاب عن المعجبين والأتباع، فليس مقبولاً أن تصدر عن الباحثين والمتتبعين عن قرب لمعالم ومميزات التديّن الإسلامي هنا في المغرب.
ــ عطفاً على الملاحظة نفسها، وإن كانت الملاحظة الثانية ثانوية لكنها لا تقل أهمية، ومفادها أن مصطلح “الداعية” غريب عن المجال التداولي الإسلامي المغربي، لأنه مصطلح مشرقي الأصل، بينما في المغرب نتحدث عن الواعظ، بصرف النظر عن طبيعة مقام الوعظ، سواء في المؤسسات الدينية الرسمية أو لدى بعض الفاعلين الإسلاميين، من التيار السلفي الوهابي [الذي ينتمي إليه الواعظ المعني] أو التيار الإخواني [نموذج حركة “التوحيد والإصلاح”] أو التيار التبليغي، في إحالة على جماعة “الدعوة والتبليغ”.
ــ نزعم أنه كانت هناك عدة قضايا وملفات كانت تستحق الخوض والنقاش والتفاعل عوض الخوض في القضية أعلاه، أقلها موضوع ارتفاع الأسعار والجدل المؤسساتي القائم بين الحكومة والمعارضة في مجلس النواب، فالأحرى الجدل الدائر في مواقع أخرى، منها العالم الرقمي، وقلة قليلة من المتتبعين من تفطن لهذه الجزئية، والتي كانت حاضرة في التفاعلات الرقمية، لكنها كانت نادرة في مقالات الرأي التي صدرت حينها، ومن بين هذه المقالات، نذكر على الخصوص مقالة يونس التايب صدرت هنا في موقع “الدار” بتاريخ 22 أبريل 2022، تحت عنوان دال جاء فيه” “أيهم أولى، نقاش مواجهة الغلاء أم سجال الشيخ والشيخة؟”، ومما جاء فيه لأهميته: “لم أجد في سجال “الشيخ والشيخة” أي فائدة مؤكدة، بالنظر إلى غياب تأطيره بالضوابط المنهجية اللازمة والهدوء الواجب. وقناعتي هي أن الظرف الحالي، لا يجب أن يعلو فيه أي سجال على النقاش العمومي الرصين حول سبل حماية القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والمحدودة الدخل، وضرورة الترافع لدى الحكومة من أجل بلورة حلول لأزمة ضاغطة، والانخراط في إنجاح عدد من البرامج الجديدة التي تهدف إلى تعزيز الإدماج الاقتصادي للشباب وخلق فرص شغل، وحماية المقاولات المغربية، حتى نخرج جميعا من عنق الزجاجة”.
ــ من السلبيات أيضاً، تكريس ما يُشبه حالة احتقان رقمي بخصوص تناول موضوع إشكالي وصعب اختزال قراءته في متابعات ومواكبات إيديولوجية، وإن كان فتح باب الحوار والاختلاف والأخذ والرد هاماً للجميع، ومكسباً للنسيج المجتمع المغربي متعدد المرجعيات، لكن ثمة انزلاقات صاحبت هذا النقاش، جعلتنا في لحظة ما نستحضر بعض القلاقل التي ميزت تفاعل المغاربة مع مشروع “الخطة الوطنية لإدماج المرأة في التنمية”، ومرة أخرى، تكمن وتتضح هنا في الحالة المغربية أهمية ومرجعية مؤسسة إمارة المؤمنين في ضبط هذه الانزلاقات.
صحيح أن ضجة الواعظ والشيخة لا تتطلب تدخل المؤسسة، وكان كافياً الإبقاء على معالم تفاعلها في الساحة الرقمية، إلا أن متتبعي الضجة وخاصة الرأي العام الذي مرّ مما يُشبه حالة تيه مفاهيمي بخصوص التموقف من الضجة، والدفاع عن هذا التيار أو الآخر، أخذ علماً بأن وجود مؤسسة إمارة المؤمنين، يساهم في صيانة هذا التعدد الثقافي، ويحمي المغاربة من انزلاقات هذا التيار أو غيره، على غرار ما عاينا فعلاُ مع نتائج ومخارج “مدونة الأسرة”.