تحليل إخباري: لهذا إقرار الخدمة العسكرية منعطف اجتماعي هام في المغرب
الدار/ رشيد عفيف
بعيد أيام قليلة من استعراض خارطة الطريق الخاصة بتطوير التكوين المهني وإحداث "مدن المهن والكفاءات" أطلقت وزارة الداخلية عملية الإحصاء المتعلق بالخدمة العسكرية برسم سنة 2019، والتي انطلقت يوم الثلاثاء 9 أبريل 2019، وتنتهي يوم الجمعة 7 يونيو 2019.
وكشف وزير الداخلية لعلم الشباب، البالغ من العمر ما بين 19 و25 سنة، أن قوائم الأشخاص المدعوين لملء استمارة الإحصاء تم حصرها من طرف اللجنة المركزية المختصة، خلال الاجتماع الذي عقدته لهذه الغاية، يوم الثلاثاء 2 أبريل 2019، برئاسة نائب الرئيس الأول لمحكمة النقض ورئيس غرفة بالمحكمة المذكورة.
ويأتي هذا الإعلان لتفعيل أول موسم من مواسم خدمة التجنيد الإجباري التي تم إقرارها في يناير الماضي بعد المصادقة على القانون رقم 44.18 المتعلق بالخدمة العسكرية. ويرتقب أن تشمل هذه الخدمة العسكرية الشباب الذين ليس لديهم أعذار قانونية تبيح لهم الاستفادة من الاستثناء كالمرض أو إعالة الأسرة.
ويعد إقرار التجنيد الإجباري منعطفا اجتماعيا هاما في المغرب الذي عاش لعقود طويلة حالة من الاستقرار السياسي والأمني لم تفرض عليه اللجوء إلى تفعيل حقيقي لهذه الخدمة كما هو الحال بالنسبة لكثير من دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط. فرغم حالة الحرب التي عاشتها البلاد إبان سنوات السبعينيات والثمانينيات دفاعا عن الأقاليم الجنوبية إلا أن تفعيل التجنيد الإجباري كان دائما مسألة استثنائية جدا.
فالخدمة العسكرية التي تم إقرارها لأول مرة سنة 1966 وتم إلغاؤها رسميا في 2006 لم تؤد خلال هذه الحقبة الأدوار المنوطة بها في تأهيل المواطن وزرع روح الوطنية والانتماء فيه، وظلت طوال هذه الفترة مجرد ورقة ضغط تستعملها السلطات العمومية في حملات موسمية عابرة. لكن في أكتوبر من العام الماضي اتخذ النقاش حول جدوى الخدمة العسكرية الإجبارية منحى آخر بعد أن خصص الملك محمد السادس لهذه القضية جزء هاما من خطاب افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة. فقد تطرق الملك إلى مشروع قانون الخدمة العسكرية آنذاك في سياق جدل سياسي وإعلامي واسع حول الغاية من هذا القانون وأهدافه الحقيقية، موضحا في خطابه أن الخدمة العسكرية "تقوي روح الانتماء للوطن، كما تمكن من الحصول على تكوين وتدريب يفتح فرص الاندماج المهني والاجتماعي أمام المجندين الذين يبرزون مؤهلاتهم، وروح المسؤولية والالتزام".
وبينما تعالت بعض الأصوات لوضع قانون الخدمة العسكرية في سياق الإجراءات الردعية التي لجأت إليها الدولة من أجل تضييق الخناق على روح الاحتجاجات التي اجتاحت شريحة الشباب منذ اندلاع أحداث الريف، بدا جليا أن خدمة التجنيد الإجباري ليست سوى جزء من كل. واتضح ذلك من خلال التنصيص في تفاصيل تفعيل هذه الخدمة على البعد الاجتماعي والمهني لها بعيدا عن الأبعاد العسكرية والأمنية. ويظهر هذا التركيز أيضا في الوصلة الإعلانية التي أطلقتها السلطات العسكرية للترويج لخدمة التجنيد وحث الشباب على الانخراط فيها حيث يتم التركيز على الفرصة التي يمثلها التجنيد بالنسبة للشباب لتعميق وتطوير خبراتهم ومهاراتهم خاصة في مجالات مهنية أو تقنية تمكنهم من تعزيز شروط الاندماج في الحياة العامة.
ويشكل هذا الموسم الأول لخدمة التجنيد الإجباري تحديا كبيرا أمام السلطات العمومية والعسكرية من أجل إنجاح عمليات التعبئة والإحصاء ثم التسجيل والالتحاق والتكوين. ويظهر هذا التحدي أكثر في مجال إقرار تكافؤ الفرص أمام إجبارية الخدمة العسكرية. فكثير من المشككين في أبعاد هذه الخدمة وأهدافها يركزون انتقاداتهم أساسا على هذا الجانب المتعلق بالاستثناءات التي يمكن أن يستفيد منها أبناء بعض الشرائح الاجتماعية الميسورة مقابل استدعاء أبناء الطبقات الاجتماعية الدنيا. وقد استبق الخطاب الملكي في أكتوبر 2018 هذه المخاوف عندما أكد الملك على أن جميع المغاربة المعنيين، دون استثناء، سواسية في أداء الخدمة العسكرية، بمختلف فئاتهم وانتماءاتهم الاجتماعية وشواهدهم ومستوياتهم التعليمية.
ورغم أنه من الاستحالة أن تشمل الخدمة العسكرية الإجبارية كل فئة الشباب المعنية والتي تشكل حوالي 4 ملايين نسمة إلا أنه من المعول أن تلعب دورا في تعزيز ثقافة الانتماء وروح الوطنية خصوصا في ظل فشل مؤسسات التنشئة الاجتماعية كالأسرة والمنظومة التعليمية في تحقيق ذلك.