خطاب محمد بن زايد يبعث رسائل الطموح والتحدي..سلام ونماء وأصالة وانفتاح لشعب الإمارات
الدار/ تحليل
على الرغم من كلّ ما بلغته دولة الإمارات العربية المتحدة من تقدم وتنمية ورخاء على جميع الأصعدة، فإن قيادة البلاد تلحّ باستمرار على رفع سقف الطموحات ومجابهة كل التحديات. هذه النهج القائم بين طموح لا حدود له وتحدٍّ يقهر كل الإكراهات والظروف هو الذي يعود رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان اليوم إلى التأكيد عليه في خطابه إلى الشعب الإماراتي والمقيمين فيها من كل الجنسيات. خطاب تتجسد من خلال معانيه العلاقة الإنسانية الراسخة التي تربط بين قائد ملهم عركته التجارب والخبرات وشعب طموح يبحث باستمرار عن وضع بلاده في مصاف الأمم المتقدمة والسباقة. ولأن الشيخ محمد بن زايد يدرك أن الثروة الحقيقية للإمارات العربية المتحدة هي أبناءها فقد كان تأكيده على رأس المال الذي يمثله الإنسان الإماراتي نقطة مفصلية في هذا الخطاب.
هذا الإنسان الذي استطاع أن يخلق من الإمارات العربية المتحدة نموذجا متميزا في النماء والتقدم وتحقيق الأهداف الاقتصادية الكبرى هو نفسه الذي يجب أن ينظر إلى المستقبل باستمرار، لكن انطلاقا من “تاريخنا وهويتنا وموروثنا الثقافي” يقول الشيخ محمد بن زايد. إن الإشارة إلى مسألة الإرث والهوية في مخاطبة شعب الإمارات والمقيمين بها ليس مجرد عنوان فرعي أو عابر بل هو تذكير بالخط الذي أسسه الأجداد بدء من الشيخ زايد الأب مرورا بالشيخ خليفة وصولا اليوم إلى رئيس الدولة محمد بن زايد. فالإمارات العربية المتحدة تمثل نموذجا رائدا في القدرة على المزج بين التشبث بالأصالة والانفتاح على المعاصرة، وهو رهان قلّما نجحت فيه الكثير من الشعوب والدول، لما ينطوي عليه من صعوبات وصراعات قد تكون أحيانا مدمرة للذات وللآخرين.
وإذا كانت دولة الإمارات قد نجحت في خلق هذه التركيبة الناجحة فإن الاستمرارية التي أشار إليها الشيخ محمد بن زايد في خطابه بالحفاظ على إرث الأجداد ونهجهم ورؤيتهم ضرورة سياسية واستراتيجية لا محيد عنها. من غير المعقول أن يحيد بلد أو قيادة عن خطط ناجعة تم ترسيخها على مدى عقود من الزمن وأظهرت فعاليتها في تحقيق المبتغى وبلوغ المنشود ووضعت هذا البلد الشاب والفتي على سكة الريادة العالمية في العديد من المجالات. ومن أهم الأسس التي تقوم عليها هذه الرؤية تمكين شعب الإمارات إذ “سيظل منهج / راحة المواطن وسعادته ورعايته / الأساس في كل خططنا نحو المستقبل بإذن الله تعالى” يضيف الشيخ محمد بن زايد.
إن هذه الرؤية الإماراتية ترتكز إذن وبالأساس على وضع المواطن في صلب اهتماماتها، إنها رؤية نابعة منه وقائمة به وراجعة إليه. وتنطلق هذه الرؤية من اعتبار “سيادة دولة الإمارات وأمنها مبدأ أساسيا لا يمكن التنازل عنه أو التهاون فيه”، مع انفتاح إيجابي على العالم دون حدود أو شروط أو قيود وهذا ما لخّصه رئيس الدولة وهو يوجه ما يشبه النداء قائلا: “نمد يد الصداقة إلى كل دول المنطقة والعالم التي تشاركنا قيم التعايش والاحترام المتبادل لتحقيق التقدم والازدهار لنا ولهم”. لقد افتتح محمد بن زايد خطابه بالتأكيد على أهمية الرأسمال البشري الإماراتي لكنه عاد هنا وهو يتحدث عن السيادة إلى تذكير شعبه والمقيمين بأن لهذا البلد قيما وهوية مشتركة ينبغي احترامها والارتكاز عليها مهما علت الطموحات الفردية وامتلكت من الشرعية.
يريد الشيخ محمد بن زايد من خلال هذا المعطى أن يؤكد على الوعي الجارف بالشعور الوطني الإماراتي وأهميته في الحفاظ على المكتسبات وتعزيزها بالمزيد من المنجزات. هذه المكتسبات التي ينسبها الشيخ محمد بن زايد بكل تواضع إلى سلفيه، الشيخ الأب والأخ، اللذان مكّنا البلاد من “منظومة تنموية متطورة ومتكاملة ومستدامة .. أصبحت مصدر الهام وأمل لشعوب المنطقة والعالم”، متعهدا بأنها “ستبقى وتتطور بجهود أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها”. وليس هذه المكتسبات مجرد امتيازات ينعم بها مواطنو دولة الإمارات العربية المتحدة والمقيمون بها بل هي أساسا مكانة دولية وتميز عالمي جعل البلاد تقف في مقدمة دول العالم وتنافس على المراتب المتقدمة إذ أصبح “اقتصاد دولة الإمارات يعد اليوم ضمن أكثر الاقتصادات قوةً ونمواً “.
لكن الحديث عن المكتسبات لا يكتمل إلا بالتطرق إلى الطموحات والتحديات الكبرى التي تضعها قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة نصب عينيها. ولأنها قيادة طموحة جدا فقد رسم الشيخ محمد بن زايد في خطابه اليوم ملامح خارطة طريق يتعين العمل على تنفيذها في المستقبل على المدى المتوسط والبعيد، ومن أهم أهدافها كما جاء في الخطاب تنوع اقتصاد الإمارات الذي أضحى “ضرورة إستراتيجية أساسية ضمن خططنا للتنمية .. لذا من الضروري تسريع جهود التنمية الاقتصادية لبناء اقتصاد نشيط ورائد عالمياً، وسوف نستمر في تعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية لدولة الإمارات وتحقيق أفضل المؤشرات العالمية في هذا المجال”. لا يتحدث الشيخ محمد زايد هنا عن مشاريع على الورق أو قيد التخطيط، بل يتحدث في الحقيقة عن نهج بدأته الإمارات العربية المتحدة منذ فترة طويلة وأصبحت اليوم تجني ثماره، بخروجها من الارتهان للاقتصاد الريعي القائم على موارد النفط ومصادر الطاقة إلى اقتصاد متعدد المجالات يشمل الخدمات والسياحة والصناعة وغيرها من الأنشطة المربحة.
ولأن الإمارات العربية المتحدة لا تكتفي بالمنافسة فقط بل تطمح أيضا إلى السبق، دأبت قيادة الدولة باستمرار على التأكيد على أهمية التطوير في مجالات التكنولوجيا والعلوم. ولذلك عاد الشيخ محمد بن زايد مجددا إلى هذا الملف العزيز على قلوب الإماراتيين وهو يؤكد أن من أهم أولويات البلاد تنمية القدرات في “مجال العلوم والتكنولوجيا وتطويرها .. لتحقيق فوائد لجميع قطاعات الاقتصاد والمجتمع ..”، مشيرا إلى “أن دور القطاع الخاص محوري ويجب تنشيطه وزيادة مساهمته في تنمية الاقتصاد”.
لقد حققت قيادة دولة الإمارات العربية المتحدة الكثير من المكتسبات لصالح أبنائها والمقيمين فيها، لكنها اليوم وبفضل المكانة التي أصبحت البلاد تحتلها على الصعيد الدولي والإقليمي تحمل الكثير من الخير والفضل للعالم من الأصدقاء والشركاء بل وحتى إلى غيرهم. ومن هنا يعود الشيخ محمد بن زايد في خطابه إلى ثابت من ثوابت نهج الإمارات وهو هذا الكرم الإنساني الكبير الذي ميزها باستمرار لمساعدة ومد يد العون إلى كل “المجتمعات في جميع أنحاء العالم دون النظر إلى دين أو عرق أو لون”. ولا تخلو هذه النقطة من أهمية بالغة نظرا لما تمثله الإمارات من استثناء حقيقي على المستوى الإقليمي، وهي التي تقع في منطقة ملتهبة مليئة بالصراعات التي لا تكاد تنتهي، لكنها تحافظ في الوقت ذاته على هذا العطاء الذي لا ينصب. هذا العطاء ينبع من النهج الراسخ الداعم للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم وهو ما لم يفت الشيخ محمد بن زايد أن يذكر به في خطابه وبشكل عملي عندما تطرّق إلى التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بترسيخ مكانتها باعتبارها “مزوداً موثوقاً للطاقة، وداعماً لأمن الطاقة العالمي كونه العمود الفقري لتمكين النمو والتطور الاقتصادي العالمي”. وكم هي بالغة وبليغة هذه الرسالة الأخيرة التي تتزامن مع زيارة مرتقبة للرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة وفي ظرفية عالمية تطبعها الأزمة الاقتصادية والظروف الأمنية الحرجة. وهذا دأب قيادة الإمارات، بعث رسائل الأمن والاطمئنان من قلب الظروف الحالكة واليأس الموهن.