بعد تعثر الجيش الروسي وسلاحه في أوكرانيا.. قلق في أوساط الكابرانات من مستقبل عتاد الجيش الجزائري
الدار/ تحليل
كيف ينظر نظام شنقريحة اليوم ساعة بساعة إلى التراجعات التي يسجلها الجيش الروسي على أرض المعركة في أوكرانيا؟ في الأيام القليلة الماضية فقط استرجع الجيش الأوكراني مناطق واسعة كان الجيش الروسي قد احتلها، كما شهدت المعارك مجزرة حقيقية للدبابات الروسية في بعض المناطق. وتبين أن الموقف الروسي في هذا الحرب بدأ نوعا ما يتزحزح عن دائرة الهيمنة والنفوذ. وبغض النظر عن مآلات الأمور فيما سيأتي من باقي معارك هذه الحرب، فمن الظاهر أن ما حدث قبل أيام قليلة يعتبر محطة حاسمة في هذه الحرب، خصوصا مع تصاعد أصوات من داخل التحالف الروسي تنتقد الأخطاء التي ترتكبها القيادة العسكرية في الميدان.
وحده نظام الكابرانات لا يزال يمجّد فيما يحدث في أوكرانيا على اعتبار أنه استرجاع لروسيا القيصرية لنفوذها ولربما لإعادة اقتسام العالم من جديد بين الشرق والغرب على طريقة الحرب الباردة. وبالمناسبة فالنظام الجزائري الحالي لا يزال أصلا يعيش على أوهام الحرب الباردة، وكأنه لا يعلم أن جدار برلين قد انهار منذ عقود طويلة. ولعلّ أكبر تذكير لنظام الكابرانات بالتداعيات المحتملة لأي انقلاب في موازين نتائج الحرب الأوكرانية هو تلك الدعوة التي وجهها السيناتور الأمريكي ماركو روبيو قبل أيام قليلة من أجل فرض عقوبات على الجزائر باعتبارها من أكثر زبائن ومُشتري منتجات الصناعة الدفاعية والعسكرية الروسية، وواحدة من أقرب حلفاء وزبائن موسكو في المنطقة، مشددا على أن ذلك يهدد بشكل متزايد الأمن والاستقرار العالمي.
من المؤكد أن الكابرانات يتوسلون اليوم ويدعون دون توقف من أجل تخرج موسكو من الحرب الأوكرانية منتصرة أو على الأقل غير مهزومة. لكن هناك خسارة أخرى استراتيجية لا تقل أهمية في هذا الملف عن خسارة الحليف الرئيسي لقوته ونفوذه. إنها الخسارة المتعلقة بسمعة السلاح الروسي ونجاعته وفعاليته. لقد كان من بين أكبر رهانات الحرب الروسية الأوكرانية التي وضعتها الدول الغربية نُصب عينيها ونجحت في تحقيقها إثبات تقادم وضعف العتاد العسكري الروسي. وقد برز ذلك ميدانيا في الكثير من المعارك. فالمنظومة الدفاعية الصاروخية الروسية الشهيرة تبين أنها مجرد فقاعة مبالغ في قوتها، كما أن الدبابات الروسية التي كانت تقدّم على أنها وحوش زاحفة مدمرة أظهرت أيضا ضعفها أمام المضادات التي قدمتها الدول الغربية للجيش الأوكراني.
بعبارة أخرى فالسلاح الروسي الذي قد يصبح محظورا بالنسبة للعديد من الدول بسبب تعطل عمليات الإنتاج والعقوبات الاقتصادية، يفقد اليوم أيضا في ظل ما يجري سمعته التي كانت له في السابق، ويتراجع على مستوى سلاح الدولية. وعندما نتذكر أن جيش الكابرانات يعيش بالأساس في تسلّحه على العتاد الروسي ندرك أن ورطة شنقريحة ورجاله كبيرة جدا ولا يمكن حتى توقع تداعياتها في المستقبل على الجيش الجزائري. وبالمناسبة فإن هذا الأمر كان دائما اختيارا جزائريا خالصا، لا أحد أجبر نظام الكابرانات على الارتباط بالعقيدة العسكرية الروسية وبالتسليح الروسي إلا ذلك العناد التاريخي في معاكسة توجهات المغرب الليبرالية باعتباره دولة تؤمن بالتعددية وتمارسها منذ الاستقلال.
من هنا نحن نكاد نتوقع توقعا يقينيا بأن الجيش الجزائري اليوم يعرف جدلا كبيرا في أوساط قيادته حول مستقبل تحصينه بما يلزم من أسلحة وذخائر وعتاد يستطيع من خلاله تحقيق أهدافه، خصوصا في زمن تغيرت فيه قواعد الحرب الميدانية تغيرا جذريا. نحن اليوم لسنا في زمن الحروب التي تعتمد على المدفعية والطائرات النفاثة الهجومية، بل في زمن أصبحت فيه الحروب تدار عن بعد بفضل الطائرات المسيّرة التي تمثل أخطر سلاحه تمتلك الجيوش اليوم وتستطيع من خلالها قلب كل موازين المعارك التي تدخل فيها. بعبارة أخرى إن “التبندير” الذي رأيناه رأي العين في حدودنا الشرقية على ثخوم صحرائنا الأبيّة وهو يقرع رؤوس من يتجرؤون على تجاوز الحدود وانتهاكها هو السلاح الاستراتيجي الذي سيقول اليوم وغدا كلمته الفصل.