![](https://aldar.ma/wp-content/uploads/2022/12/ما-معنى-أن-نواجه-منتخب-فرنسا9-780x470.jpg)
الدار/ افتتاحية
المواجهة التي ستجري بين المنتخب الوطني لكرة القدم ونظيره الفرنسي يوم الأربعاء المقبل بمناسبة نصف نهائي كأس العالم الجارية بقطر حدث قد لا يتكرر أبدا في المستقبل. إنه يمثّل لحظة تاريخية استثنائية بكل المقاييس، ليس فقط على لأن المغرب أول بلد عربي وأفريقي يصل إلى المربّع الذهبي، وإنما أيضا نظرا لطبيعة الخصم الذي سنواجهه. إنه منتخب الديكة، الحائز على كأس العالم الأخيرة المقامة في روسيا سنة 2018، ويمثّل أيضا بالنسبة لنا كمغاربة خصما من نوع خاص، لا تجتمع فيه فقط الخصومة الكروية، بل يحمل أيضا معه جذور مواجهات ثقافية وتاريخية قديمة ومتجددة.
بعبارة أخرى هذه المباراة ستدور أيضا خارج الملعب في الأذهان والنفسيات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي وفي اللاوعي الجمعي المشترك للمغاربة. فرنسا والمغرب بلدان تجمعهما علاقات تاريخية راسخة بحكم التجربة التي مثلها فرض نظام الحماية على المغرب في النصف الأول من القرن العشرين. هناك تراكم تاريخي خلّفته هذه التجربة الاستعمارية في ثقافة وذهنية المغاربة، ومن ثمّة فإن الوقوف في مواجهة منتخب فرنسا بتاريخها الكروي الكبير يبدو من جهة أخرى تحديا لا يخلو من شذرات السياسة وعوالق الثقافة ورواسب التاريخ، خصوصا أن للفرنسيين دور كبير في إرساء أسس رياضة كرة القدم ببلادنا، وكانوا إلى عهد قريب قبيل تعيين الإطار الوطني وليد الركراكي المصدر الرئيس للأطر والمدرّبين المشرفين على كرة القدم الوطنية.
وصول أسود الأطلس إذن إلى هذه المباراة دليل على أن التقدّم الذي حققته كرة القدم الوطنية أضحى يتيح لها قدرا كبيرا من الاستقلالية عن الإرث الإداري التقني الفرنسي للكرة المغربية، بفضل هذا الجيل الكبير من اللاعبين والمدربين والأطر الذين استفادوا فعلا من الخبرات الفرنسية في الماضي، لكنهم أصبحوا اليوم بمثابة التلميذ الذي سيتجاوز أستاذه ويبرع ويتفوق عليه. ولذلك فإن هذه المباراة تحمل حساسية كبيرة باعتبارها الفرصة الأظهر من أجل إثبات هذه الندّية والاستقلالية والقدرة على فرض النموذج الكروي المغربي الخاص، بعد أن ظلت منتخباتنا الوطنية ولعقود طويلة مرتبطة بالمدرسة الكروية الفرنسية وأطرها وفلسفتها.
نحن اليوم على مشارف ميلاد مدرسة كروية مغربية خالصة يقودها هذا المدرّب الشاب وتحت إمرته هؤلاء الأشبال الذين تخرّج عدد كبير منهم من أكاديمية محمد السادس لكرة القدم ومن البطولة الوطنية، وتم تعزيزهم بعناصر من أبناء الجالية المغربية الوفية للراية الوطنية والانتماء لهذه الأرض على الرغم من المغريات الكبيرة التي تتعرّض لها في دول الاستقبال. الانتصار على فرنسا والتأهل لمباراة النهاية سيكون إذن إيذانا بميلاد هذه المدرسة بشكل رسمي. وإذا كانت أكاديمية محمد السادس لكرة القدم قد نجحت في تخريج جيل واسع وصل منه إلى المنتخب خمسة أو ستة عناصر من مستوى احترافي عالي، فإن مستقبل هذا التكوين ببلادنا يبشّر بتطور نوعي وكمّي بفضل هذا الانتصار الباهر الذي سيغير العقلية السائدة في ثقافة كرة القدم ببلادنا.
لا يجب أن ننسى أيضا أن انتصار المنتخب سيكون أيضا انتصارا لروح الانتماء الكبيرة التي يتمتع بها اللاعبون المغاربة المغتربون. بين صفوف النخبة الوطنية هناك عناصر ولدت أو نشأت في الديار الفرنسية كسفيان بوفال وغانم سايس، وفي الماضي لعب الكثير من النجوم المغاربة المزدادين بفرنسا للمنتخب الوطني وكان من أشهرهم مصطفى ويوسف حجي، ولعلّ هذا الانتماء المزدوج بين الجذور المغربية والمنشأ الفرنسي سيمثل حافزا قويا لهؤلاء اللاعبين الذين اختاروا اللعب لبلدهم الأم والقيام برهان كان من الممكن أن يكون خاسرا. عندما اختار اللاعب حكيم زيّاش على سبيل المثال اللعب للمنتخب المغربي تعرّض لنقد شديد من الصحافة الهولندية لكنه كان مصرّا على اختياره لأنه لم يكن من منطلق طموح شخصي سعيا وراء الألقاب والإنجازات بقدر ما كان تحقيقا للذات ورغبة في تعزيز هذا الانتماء الذي لا يموت حتى ولو طالت المسافة أو تباعد الزمن.