الدار/ افتتاحية
المناسبات التي حظي فيها أسود الأطلس باستقبال أسطوري بعد العودة من منافسة كروية قارية أو عالمية قليلة ونادرة في التاريخ. كان من أهمها ذلك الاستقبال الذي حظي به جيل 1986 الذي ضمّ بين صفوفه التيمومي وبودربالة وبادو الزاكي، ثم الاستقبال الحافل الذي حظي به جيل 2004 بعد بلوغه نهاية كأس إفريقيا التي كانت منظمة في تونس. وغدا سيصل أول جيل من أجيال الكرة المغربية استطاع أن يحقق إنجازا تاريخيا بكل المقاييس ببلوغ نصف نهاية كأس العالم بقطر واحتلال المرتبة الرابعة من بين 32 منتخبا عالميا شارك في هذه الدورة الثانية والعشرين. لقد عشنا مع الأسود أسابيع من الحلم الذي لم يسبق لنا أن عشناه من قبل.
غدا عندما سيحلّ أسود الأطلس بمطار الرباط سلا سيجدون في استقبالهم آلافا من الجماهير المغربية في مدخل المطار ومئات الآلاف في شوارع العاصمة، والملايين الذين يجلسون وراء الشاشات في بيوتهم يفتحون قلوبهم لوليد الركراكي وأشباله الذين شرّفوا الراية المغربية ورفعوها خفّاقة في سماء قطر، وساهموا في نجاح أول مونديال ينظم على أرض عربية، حتى استحق أن تطلق عليه الصحافة الدولية المونديال المغربي. استقبالنا غدا للأسود سيكون عرفانا وامتنانا وشكرا لكل الفرح والسعادة التي صنعوها في يومياتنا في الأسابيع الأخيرة، ومهما قدّمت الجماهير المغربية لهذا المنتخب الاستثنائي في تاريخ كرة القدم الوطنية فلن نستطيع أبدا أن نوفيه قدره وحقّه.
بالإضافة إلى الإنجاز الكروي والرياضي المُبهر إفريقيا وعربيا، من المهم الانتباه إلى هذا التسويق الراقي الذي قام به أسود الأطلس لصورة المغرب وقيمه ومبادئه وثقافته في محفل كروي يتابعه الملايير من الجماهير في شتى بقاع الأرض. كم يكفينا من ملايين الدولارات إذا أرادت وزارة السياحة أن تروّج للوجهة السياحية المغربية ولثقافتها عبر وسائل الإعلام الدولية؟ هذه الحملات الإشهارية التي تكلّف المليارات وتمتد على مدى شهور طويلة من أجل استقطاب بضعة ملايين أو بضعة مئات الآلاف من السياح، استطاع أسود الأطلس أن يقوموا بها في ظرف أربعة أسابيع وعلى مستوى عالٍ جعل كل وسائل الإعلام الدولية والمشاهير والمؤثرين والقادة والزعماء عبر العالم يغردون ويدونون ويلهجون باسم المغرب وباسم أبطاله بالتهاني والإعجاب.
إيلون ماسك، شاكيرا، بايدن، مدير شركة غوغل، عمدة لندن، رؤساء وملوك وأمراء من كافة الدول العربية، قادة وزعماء من القارات الخمس…كل هؤلاء نطقوا وكتبوا اسم المغرب مرفوقا بعلمه وهم يعبّرون عن إعجابهم بل وفخرهم بأن يكون المغرب أول منتخب يوصل صوت إفريقيا وموهبتها إلى المربع الذهبي بهذا الأسلوب الكروي الراقي. ما قدّمه أسود الأطلس لسمعة المغرب في الخارج يختزل كل الجهود الإعلامية والتواصلية التي يمكن بذلها على مدى سنوات، وسيرى المغاربة قريبا كيف سيتأثر الرواج السياحي ومكانة الجاليات المغربية في الخارج وإقبال المستثمرين بهذا الإنجاز التاريخي لمنتخبنا الوطني.
لأجل هذه الاعتبارات وغيرها، من حقّ الأسود أن يجدوا في استقبالهم جمهورهم الوفيّ الذي كان له أيضا دور حاسم وأساسي في بلوغهم هذا المستوى الذي بلغوه بفضل التشجيع الأسطوري في الملاعب والتلاحم الذي عاشه المغاربة طوال فترات مباريات المنتخب. سنقف جميعا إذن ونرفع القبعة ونلهج بالشعارات الممجّدة وأناشيد الفخر والاعتزاز ونحن نستقبل وليد الركراكي وأشباله ونجري وراء حافلتهم في لحظة تاريخية لم يسبق أن عشناها بهذا الوهج والألق كما سنعيشها غدا. إنه استقبال لا يجب أن يقلّ عن استقبالات المنتصرين العائدين من ميادين العزّة والمجد، وساحات الدفاع عن مكانة الأمة المغربية وثقافتها المتجذرة وتاريخها العريق.