أخبار الدارسلايدر

الحليمي يتوقع أن يستمر النشاط الاقتصادي في التباطؤ مسجلا زيادة محدودة سنة 2023

الدار/ هيام بحراوي

توقع أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط، خلال الندوة الصحفية المنعقدة اليوم 12 يناير 2023 بالرباط، والتي تخص تقديم الميزانية الاقتصادية التوقعية، أن يستمر النشاط الاقتصادي في التباطؤ، مسجلا زيادة محدودة بنسبة +2.7% سنة 2023. ويرجع ذلك على وجه الخصوص إلى تبديد آثار الاستدراك/ اللحاق الميكانيكي لخدمات السياحة والنقل على العرض، وتباطؤ الطلب الأجنبي على الصناعات التصديرية وإلى سياسة نقدية قليلة المرونة.

وأوضح المندوب السامي للتخطيط ، أنه من المتوقع أن تشهد القيمة المضافة للقطاع الأولي ارتفاعا بنسبة 9% سنة 2023، مع افتراض تطور يتوافق مع موسم فلاحي متوسط، لا سيما خلال فصلي الشتاء والربيع.

وأشار، أن مخاطر عودة شبح الجفاف بعد هطول أمطار غزيرة نسبيا خلال شهر دجنبر 2022 محتملة. وأن القطاع الفلاحي تواجهه عدة تحديات تقتضي صياغة استراتيجيته تنموية من أجل تعزيز السيادة الغذائية والحفاظ على البيئة وتحسين دخل المزارعين المتأثرين بشدة بتوالي سنوات الجفاف.

وبشكل عام، ومع مراعاة انتعاش الأنشطة الفلاحية، سيظهر الاقتصاد الوطني ارتفاعا بنسبة 3.3% سنة 2023 حسب توقعات المندوبية السامية للتخطيط، مع إمكانية التأثر المرتبط بشكل خاص بتطور الحرب في أوكرانيا، وتطور أسعار الفائدة، والمخاطر الوبائية والمناخية.

وسيظل الطلب الداخلي هو المحرك الرئيسي لهذا النمو، بزيادة قدرها 3.2%.

وتوقع الحليمي، أن يتسارع استهلاك الأسر بشكل طفيف، بفضل الزيادة المتوقعة في مداخيل القطاع الفلاحي والمستوى المستدام لتحويلات مغاربة العالم. و أن يظل إجمالي الاستثمار معتدلا ولن تتجاوز حصته في الناتج الداخلي الإجمالي 31.5%. ومن شأن التغييرات الجديدة في تحصيل الضرائب على الشركات، وتوسيع الوعاء الضريبي، واستمرار سياسة التشديد النقدي، أن تدفع الشركات إلى تخفيف عمليات التخزين والاستثمار في سنة 2023.

وبخصوص الطلب الخارجي، فمن المتوقع أن يواصل مساهمته السلبية في النمو الاقتصادي عند – 0.2 نقطة. وأن يستقر العجز التجاري في حدود 20% من الناتج الداخلي الإجمالي، مسجلا تراجعا مقارنة بسنة 2021. كما يتوقع المصدر ذاته، أن يستمر عجز الموارد في التراجع، ليستقر عند -13.3% من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2023، باعتبار التباطؤ في المبادلات الصافية للخدمات بعد الانتعاش المسجل في 2022.

وفي شأن الإدخار الداخلي، يتوقع أن ينكمش ليبلغ 20.9% من الناتج الداخلي الإجمالي عوض 22.3% في المتوسط خلال الفترة 2017-2021. ومن شأن الإيرادات الخارجية، التي تمثل 6.5% من الناتج الداخلي الإجمالي، أن ترفع الادخار الوطني إلى 27.4% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023. مع الأخذ في الاعتبار مستوى الاستثمار البالغ 31.5% من الناتج الداخلي الإجمالي، من المتوقع أن تشهد الحاجة لتمويل الاقتصاد الوطني انخفاضا لتصل إلى 4.1% من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2023.

الجفاف والتضخم

 

أوضح المندوب السامي للتخطيط، أن النمو الاقتصادي تحت تأثير الجفاف والتضخم خلال سنة 2022، عرف تباطؤا، إذ اتسمت سنة 2022 بعجز في التساقطات المطرية بمقدار النصف تقريبا مقارنة بالموسم الفلاحي العادي، الأمر الذي من شأنه، أن يؤثر حسب المصدر ذاته، على مردودية المحاصيل ويضعف قدرة السلاسل الحيوانية على الصمود، على خلفية ارتفاع تكاليف الطاقة والأسمدة وأعلاف الماشية. حيث أكد الحليمي أن الأنشطة الفلاحية تراجعت بنسبة 15.2%، بعد زيادة بنسبة 17.8%سنة 2021.

فبعد عامين اتسما بالأزمة الصحية وانتعاش مابعد الأزمة، شهد الاقتصاد الوطني، حسب المندوب السامي للتخطيط، تراجعا في وتيرة نموه في سنة 2022، تحت تأثير صدمات الجفاف والتضخم. وكان المحيط الدولي اقل مواتاة في 2022 مع تزايد حدة التوترات الجيوسياسية.

وقد سبق وأكد الحليمي، بمناسبة كل ميزانية اقتصادية على التفكك المتزايد للعولمة وتصاعد النزعة الحمائية.

ويواجه العالم اليوم، انقساما غير مسبوق بدأ في الولايات المتحدة مع توجه “أمريكا أولاً” ومؤخرا في 2022 مع اعتماد قانون الحد من التضخم. ويعرف هذا الانقسام اليوم توسعا حقيقيًا، ويؤدي إلى خلق المزيد من النزاعات التجارية المحتدمة، على خلفية تجدد الحرب الباردة دون ذكر اسمها والتعدد في هذا السياق للحروب الساخنة الحقيقية في أوروبا والشرق الأوسط وآسيا.

إن تداعيات هذا الانقسام، وبعد أن زجت بالاقتصادات المتقدمة في حقب جديدة من التضخم والمؤدية إلى الركود الاقتصادي، ستنعكس حسب الحليمي ، على الدول النامية التي ستعاني من الآثار الجانبية لارتفاع تكلفة التمويل بسبب ارتفاع معدلات الفائدة.

وفي هذا الإطار، سيخسر الدولار أكثر وستنخفض أسعار المواد الأولية. كما ستتلاشى آمال الإقلاع والتعافي على المستوى الدولي بالنظر لتباطئ التجارة العالمية وانتشار الركود. وبذلك، يضيف الحليمي ” سنعاني نحن أيضا من انعكاسات هذا المحيط إلى جانب صدمات أخرى خاصة باقتصادنا الوطني”.

المقاولات في وضعية صعبة

باستثناء قطاع الفلاحة، واجهت المقاولات صعوبات أثرت بشكل كبير على أنشطتها. وبلغت نسبة المقاولات الصناعية التي واجهت مشاكل التزود، حسب نتائج البحوث المنجزة من طرف المندوبية السامية للتخطيط، حوالي 65.4% في منتصف سنة 2022، عوض 15% سنة 2019. كما أصبح ضعف الطلب أكثر حدة ابتداء من الفصل الثالث لسنة 2022، وخاصة بالنسبة لصناعات المعادن والبناء وخدمات الإعلام والاتصالات. وظل النشاط في القطاع الثانوي بطيئا، مسجلا شبه ركود مقارنة بسنة 2021 (+ 0.4%). في المقابل حافظ قطاع الخدمات على نمو مستدام لنشاطه، على الرغم من انخفاضه قليلاً مقارنة بسنة 2021 (+ 5.3%، بعد + 6.4%)، مدعومًا برفع قيود التنقل. إجمالاً، كان من الممكن أن يصل النمو الاقتصادي باستثناء الفلاحة إلى 3.4% سنة 2022، بدلاً من 6.8% سنة 2021.

في هذا السياق المتسم بتباطؤ النمو الاقتصادي، وفي أعقاب تراجع معدل النشاط ومناصب الشغل التي تحدثها أنشطة القطاع الثالث، التي كان من شأنها أن تعوض الخسائر المسجلة في قطاعي البناء والأشغال العمومية والفلاحة، فإن معدل البطالة على المستوى الوطني قد انخفض بشكل طفيف ليصل إلى 11.6% سنة 2022.

تباطؤ النمو الاقتصادي

حسب المندوبية السامية للتخطيط، فالطلب الداخلي قد عرف انخفاضًا في معدل نموه ليصل إلى + 2.3%سنة 2022، بدلاً من + 9.1%سنة 2021. وأن القوة الشرائية للأسر قد عرفت من جهتها هبوطا بنسبة 1.9%، في ظل التأثير المشترك للانخفاض في الدخل الفلاحي والزيادة في التضخم. وللحفاظ على استهلاكها، توقعت المندوبية أن تكون الأسر قد اضطرت إلى الاعتماد جزئياً على مدخراتها والرفع من استدانتها. وهكذا، انخفضت الودائع لأجل في البنوك بنسبة 7.7% في نهاية نونبر 2022، بدلاً من زيادة بنسبة 4.6%في العام السابق، وزادت قروض الاستهلاك بنسبة 3.8% خلال نفس الفترة. بشكل عام، لن تتجاوز الزيادة المتوقعة في استهلاك الأسر حوالي + 2.2%سنة 2022، عوض 8.2% في العام السابق.

كما من الراجح ان يكون إجمالي الاستثمار قد سجل بدوره تباطؤا في سنة 2022، مسجلاً زيادة بنسبة 0.6%، بدلاً من 13.3% في سنة 2021. وأثر تقلص النشاط وارتفاع فاتورة الاستهلاك الوسيط، بسبب ارتفاع الأسعار، على الأداء المالي للمقاولات، خاصة في الفروع غير المصدرة الملزمة بالحفاظ على استقرار أسعار بيعها. كان من شأن تعزيز مدفوعات الأرباح والزيادة في رسوم الفائدة أن يخفض معدل مدخراتهم إلى حوالي 33% في سنة 2022، بدلاً من 36% في سنة 2021. ونتيجة لذلك، فإن معدل الاستثمار للمقاولات التي تضمن حوالي الربع سيعرف تراجعا، على الرغم من تعزيز حركة إعادة بناء المخزون في النصف الثاني من سنة 2022.

 

تعزيز الحاجة إلى التمويل

 

أوضح الحليمي أنه خلال سنة 2022 لم يكن صافي الطلب الخارجي ملائما للنشاط ، لمساهمته السلبية في النمو الاقتصادي التي قد تكون بلغت -1.3 نقطة.

وأشار المصدر ذاته، إلى أن الصادرات كانت مزدهرة بشكل خاص، لكن الزيادة في الواردات كانت أكثر قوة، مدفوعة بمنتجات الطاقة والغذاء والمواد الكيماوية. ونتيجة لذلك، من الراجح أن يكون العجز التجاري قد تفاقم ليبلغ -22.7% من الناتج الداخلي الإجمالي. ومع ذلك، كان من شأن تعزيز المبادلات في الخدمات أن يحد من ذلك في الموارد إلى -15%، لكن عجز الحساب الجاري قد يكون قد تفاقم، ليستقر عند -4.9% من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2022.

في ظل هذه الظروف، شهد الاقتصاد الوطني تباطؤا في وتيرة نموه يصل إلى 1.3% في سنة 2022، بدلا من متوسط ​​زيادة قدرها 3.2% سنويا تم تسجيلها بين 2015 و2019.

وكان من الراجح أن ينخفض ​​معدل الادخار الوطني إلى 27.8% من الناتج الداخلي الإجمالي بدلاً من 28.8% في العام السابق، بالإضافة إلى رفع متطلبات تمويل الاقتصاد الوطني لتصل إلى أعلى مستوى لها خلال الخمس سنوات الماضية، أي 4.9% من الناتج الداخلي الإجمالي في سنة 2022.

تداعيات الأزمات

أفاد أحمد الحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط أن الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد المغربي، على الرغم من مرونته النسبية، تسبب أضرارا أكثر استمرارية على الموارد الاقتصادية ورأس المال الإنتاجي والبشري.

وأشار أنه خلال العقد 2010، ونتيجة لصدمة الأزمة المالية الدولية، فقد المغرب 75 ألف منصب شغل من إمكاناته لخلق فرص العمل، وانخفضت دينامية نمو مخزونه من رأس المال المادي بمقدار 0.7 نقطة. في سنة 2022،حيث يقول قاربت الخسائر حوالي 22 ألف وظيفة في أعقاب الأزمة الصحية لكوفيد-19، واستقرت في -1.3 نقطة من حيث دينامية نمو مخزون رأس المال.

وأكد المتحدث أن سنة 2023 ستنتهي بعودة النمو إلى مسار تطور أقل استدامة مقارنة بفترة ما قبل الأزمة، مع مكاسب صغيرة على مستوى اختلالات الاقتصاد الكلي ومخاطر غلاء كلفة التمويل.

كما أن زيادة التهديدات حول تطور مردودية المقاولات تزيد حسب الحليمي، من خطر إضعاف أكبر للإنتاجية والنمو المحتمل، في سياق ارتفاع تكاليف التمويل.

وأشار الحليمي، أن معدل النمو المحتمل قد انخفض تدريجيا من حوالي + 4.8% في المتوسط ​​السنوي خلال الفترة 2000-2009 إلى ما يقرب من 3.4% خلال الفترة 2010-2019.

كما أوضح المصدر ذاته، أن الجهد الاستثماري، الموجه نحو الانخفاض والذي تدهور عائده، وفقا لقياس المعامل الهامشي لرأس المال (ICOR)، على مدى العقد الماضي 2010-2019 ليستقر في 9.2، لن يمكن من استرجاع الخسائر في نقاط النمو أو الوظائف المسجلة على مدى السنوات الثلاث الماضية. كما أن استعادة مستويات ما قبل الأزمة فيما يتعلق بمكافحة الفقر والتفاوتات الاجتماعية ستكون أبطأ، خاصة مع استمرار سياسات عمومية أقل ملائمة.

الفاعلين في الاستثمار

 

لتجنب تفاقم ضعف النمو الاقتصادي، أكد المندوب السامي للتخطيط، أنه من الضروري تعزيز الاستثمارات الإنتاجية. فعلى عكس ما هو متعارف عليه سابقا، ستلعب المقاولات الخاصة والأسر دورًا حاسمًا في إنعاش رأس المال المادي، حسب الحليمي، إذ أنها تؤمن 66℅ من إجمالي تكوين رأس المال الثابت الإجمالي، على عكس الجماعات الترابية التي يسجل فيها المعامل الهامشي لرأس المال (ICOR) مردودية جد منخفضة. كما ينبغي أن يشكل الاستثمار العمومي في نهاية المطاف عاملاً للنمو من خلال التشجيع على زيادة الاستثمار الخاص بشكل أكبر وأكثر فعالية.

المقاربة الاستشرافية للنمو

 

وقد صرح المندوب السامي للتخطيط خلال الندوة الصحفية، أن المندوبية بدأت في تقييم الجهود التي يتعين بذلها لإعادة آفاق النمو الاقتصادي إلى مسار نمو أكثر استدامة وشمولية ومرونة، في إطار 3 سيناريوهات، سيتم تقديم خطوطها الرئيسية .

وستخضع لنقاش أكثر تعمقًا خلال ندوة مستقبلية مخصصة لهذا الموضوع، لم يعلن الحليمي عن توقيتها.

ويستشرف السيناريو الأول، وهو من النوع “الاتجاهي”، آفاق النمو بحلول سنة 2035 من خلال الاعتماد على الخصائص البنيوية للاقتصاد الوطني كما تمت معاينتها خلال السنوات الأخيرة. ويقيم السيناريو الثاني، الذي يسمى “NMD”، الجهود التي يجب بذلها لتحقيق الأهداف التي حددها النموذج التنموي الجديد. فيما تمت محاكاة السيناريو الثالث، ويسمى “قابل للتحقيق”، من أجل تقييم الجهود التي يجب بذلها والقيام بها، مع الأخذ بعين الاعتبار القدرات التمويلية الممكنة للاقتصاد المغربي، لزيادة النمو وتحسين مستويات تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى