مؤسسات دينية: دار الحديث الحسنية من جبة التوفيق إلى حضن جامعة القرويين
الدار/ المحجوب داسع
مع انطلاق إعادة هيكلة الحقل الديني في المملكة عقب الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء، تمت هيكلة عدد من المؤسسات الدينية، وتحيين اختصاصاتها مع تستوجبه رهانات المرحلة، علاوة على إنشاء أخرى.
وتتوزع هذه المؤسسات بين المنوط بها مهمة الإفتاء، وترشيد المواطنين في أمورهم الدينية، وبين التي يتمثل دورها في التدبير الإداري. الى جانب ذلك تعمل أخرى في الجانب المتصل بتكوين العلماء، وتأهيلهم، وتنشيط البحث الأكاديمي في العلوم الإسلامية.
والملاحظ أن مصطلح "التجربة المغربية في تدبير المجال الديني"، غالبا ما يرتبط بهذه المؤسسات الدينية، التي وان كانت مهامها واختصاصاتها تختلف من مؤسسة إلى أخرى، إلا أنها تصب في منبع واحد، تحت مظلة مؤسسة إمارة المؤمنين.
وسنحاول من خلال هذه السلسلة الرمضانية، تقديم خريطة المؤسسة الفاعلة في الحقل الديني في المملكة، واختصاصاتها وهيكلتها، وكذا بعض الانتقادات التي توجها اليها، على أمل أن تتوضح هذه "الخريطة" في أذهان القراء وعامة المواطنين.
دار الحديث الحسنية
توقفنا في الحلقات الماضية مع مؤسسات فاعلة في الحقل الديني، وهي وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية، المجلس العلمي الأعلى، المجالس العلمية المحلية، والرابطة المحمدية للعلماء في هذه الحلقة سنسلط الضوء على احدى المؤسسات الفاعلة في معادلة تدبير المجال الديني في المملكة، وهي دار الحديث الحسنية للدراسات الاسلامية العليا
دأبا على باقي المؤسسات الدينية، أسست دار الحديث الحسنية في فاتح نونبر 1964م بناء على خطاب ملكي ألقاه الملك الرحال الحسن الثاني في جمع من العلماء المشاركين في الدروس الحسنية، وبمقتضاه صدر المرسوم الملكي المؤسس للدار في 11 جمادى الأولى عام 1388هـ (6 غشت 1968م)، الذي بيّن أن هدف المؤسسة هو تكوين علماء راسخي القدم في الحديث النبوي الشريف وفي العلوم الشرعية عموما استباقا للفراغ العلمي الذي يحدثه رحيل كبار العلماء، وإحساسا بحاجة المجتمع المغربي ومؤسسات الدولة إلى متخصصين أكفاء في العلوم الإسلامية.
واستمرت المؤسسة في أداء دور تخريج علماء متخصصين في الحديث النبوي الشريف، والعلوم الشرعية، الى حين انطلاق اعادة هيكلة الحقل الديني في المملكة، في سياق اتسم برغبة الدولة في ضبط هذا المجال، وتقنين آليات اشتغاله. و بتاريخ 24 غشت 2005 صدر الظهير الشريف 1.05.159 الذي جعل المؤسسة تحت سلطة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وأمر بإعادة تنظيم الدار، التي أصبحت تتيح متابعة الدراسة بها ثلاثة مسالك: التكوين الأساسي المتخصص ويتوَّج بالحصول على شهادة الإجازة، التكوين العالي المعمق- مسلك التأهيل، ثم الدكتوراه.
تنزيل هذا الاصلاح لم يكن ليمر دون أن يثير جدالا كبير، عندما تم استقدام أمريكي لوضع برامج التكوين بالمؤسسة سنة 2005، وهي الخطوة التي أعقبتها انتقادات واسعة انتهت بانسحاب الخبير الامريكي. الانتقالات ستتوصل تجاه المؤسسة، خصوصا بعد أن رشحت أخبار عن "خلافات" بين وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، و مدير دار الحديث الحسنية أحمد الخمليشي، ليطلب من الوزير ألّا يتدخّل في شؤون المؤسسة.
خلافات ستنتهي سنة 2015، باصدار الملك محمد السادس، بصفته أميرا للمؤمنين، لظهيرا حول جامعة القرويين إلى أكبر قطب ديني بالمغرب، يضم عددا من المؤسسات الدينية المنتشرة على تراب المملكة، ومنها مؤسسة «دار الحديث الحسنية.
ومن الانتقادات التي توجه لبرنامج اصلاح هذه المؤسسة العلمية، هي كونها فشلت في تخريج العلماء، اذ غادرها كثيرون بعد سنوات من الدراسة الى اجتياز مباريات التعليم، في الوقت الذي كان يطالب فيه عدد من خريجيها بإدماجهم في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية والمؤسسات الدينية الأخرى، وتقوية برامج التكوين بما يلبي حاجيات سوق الشغل.
أوضاع دفعت بطلبة المؤسسة الى خوض اضرابات سنة2015 للمطالبة بإصلاح الأوضاع، قبل أن يخمد أوارها بعد ذلك، لتظل المؤسسة رغم ذلك تلعب دورا كبيرا في معادلة إصلاح الحقل الديني بالمملكة الى جانب مؤسسات أخرى.