أخبار الدارالحكومةسلايدر

كلمة أخنوش في جلسة المساءلة الشهرية بمجلس النواب حول موضوع: “الاستراتيجية الحكومية لتجويد منظومة التعليم العالي والبحث العلمي”

سعيد بالحضور مجددا للجواب عن أسئلة السيدات والسادة النواب المحترمين، استنادا إلى أحكام الفصل 100 من الدستور، وتعزيزا للمقاربة التواصلية التي تنهجها الحكومة في التعاطي مع القضايا التي تكتسي صبغة السياسة العامة.
ولعل ما يميز اليوم هذه الجلسة الدستورية المنعقدة برحاب مجلسكم الموقر، هو اختياركم لمناقشة واحدة من السياسات المحورية ببلادنا، ويتعلق الأمر بتقديم محاور الاستراتيجية الحكومية لتجويد منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، بالنظر لما تؤسس له من مؤشرات انتقالية على كافة المستويات، كمفتاح رئيسي للنهوض بوضعية الرأسمال البشري في كافة القطاعات.
فكما لا يخفى عليكم، يعد الاستثمار الأمثل في اقتصاد المعرفة اليوم، أحد الأوراش التحولية للنهضة الوطنية، فالانتقال نحو مستقبل مشترك لا يمكن تحقيقه دون الارتكاز على أرضية صلبة تضمن في نفس الوقت مبادئ التمكين والإنصاف والابتكار، كالتزام سياسي وتنموي أمام جلالة الملك، وخدمة لتطلعات المغاربة.

حضرات السيدات والسادة،
إن التحولات الكبرى والانتقالية التي يشهدها عالم اليوم، لم نعتبرها داخل الحكومة مجرد أزمة عابرة، بقدر ما مكنتنا من تبني حس استباقي وتشخيص موضوعي لمختلف تداعياتها، وتعبئة الفرص الممكنة للتخفيف من المخاطر الناتجة عنها. وذلك من أجل التوجه نحو تحرير الطاقات، وتعزيز قدرات جل مكونات المجتمع المغربي.

وفي هذا الإطار، شكلت التوجيهات الملكية السامية على الدوام، بوصلة واضحة الأهداف لاعتماد حكامة مؤسسية لقضايا التربية والتكوين، عبر دعوة جلالته المتبصرة كافة الفاعلين المعنيين بقطاع التعليم إلى تجويد السياسات والبرامج المعتمدة، وتوفير خدمات ذات جودة لفائدة الشباب، لتعزيز مسارات التمكين الدراسي والبحث العلمي والابتكار، وضمان الإلتقائية المطلوبة بين إشكالية التشغيل وتأهيل الرأسمال البشري.
حيث سبق أن أكد جلالته بمناسبة المؤتمر الدولي الثالث والثلاثين حول فعالية وتطوير المدارس بتاريخ 7 يناير 2020 بمراكش، على العناية الخاصة التي يوليها جلالته للنهوض بالتعليم، انطلاقا من إيمانه الراسخ بأدواره الحاسمة، كرافعة لتحقيق التنمية المستدامة، في مختلف الميادين الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية.
واعتبر جلالته في نفس الرسالة أن التعليم يشكل: “الركيزة الأساسية لتأهيل الرأسمال البشري، كي يصبح أداة قوية تساهم بفعالية في خلق الثروة، وفي إنتاج الوعي، وفي توليد الفكر الخلاق والمبدع، وفي تكوين المواطن الحريص على ممارسة حقوقه، والمخلص في أداء واجباته، المتشبع بالقيم الكونية المشتركة، وبالإنسانية الموحدة، المتمسك بهويته الغنية بتعدد روافدها، وبمبادئ التعايش مع الآخر، والمتحصن من نزوعات التطرف والغلو والانغلاق”. (انتهى كلام جلالة الملك).
وهي المنطلقات الملكية السديدة التي من شأنها أن تحدد طريق عمل الحكومة، لاسيما فيما يتعلق باسترجاع جاذبية نظامنا التعليمي، وجعله النواة الصلبة للنهوض بواقع الشباب وتقليص نسب البطالة وتعزيز الاندماج في سوق الشغل. بما ينسجم مع أهداف الرؤية الاستراتيجية المحددة في مضامين القانون الإطار 51.17.

في الوقت الذي كشفت فيهخلاصات النموذج التنموي الجديد الحاجة المتزايدة لتعزيز الرأسمال البشري كمسألة حاسمة لنجاح مسارات التنمية ببلادنا، وتعزيز قدرة المواطنين على مواجهة المستقبل وتمكين المملكة من تقوية تنافسيتها. مع ما يستلزمه ذلك من ضرورة مراجعة مختلف الارتباكات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين، عبر القيام بتحديث مستمر وفعلي لمؤسسات التعليم العالي العمومية والخاصة، والعمل على الرفع من حسن أدائها، وجعل الطالب في صلب هذه الإصلاحات وتأهيل قدراته العلمية والثقافيةلإنجاح اندماجه في سوق الشغل.

حضرات السيدات والسادة،
تأسيسا على ما سبق، نواصل بإذن الله وقوته، الاستجابة لأولويات المغاربة بشكل واضح وعملي، وذلك وفق رؤية حكومية ستقودنا جميعا نحو رسم ملامح تحول اجتماعي واقتصادي طموح، ينبني على سياسات عمومية وإصلاحات جريئة، وعلى رأسها النهوض بقضايا الرأسمال البشري وتثمينه وخلق قنوات الارتقاء الاجتماعي من خلال تحسين جودة التعليم.
وبالنظر لكون الجامعة المغربية توجد في قلب الدينامية التنموية ببلادنا، فقد أولتها الحكومة عناية خاصة، من خلال مراجعة أهم التحديات التي تطرحها منظومة البحث العلمي والتكوين، وما يستلزمه ذلك من إعادة النظر في مختلف الجوانب التنظيمية والتأطيرية والبشرية المرتبطة بها.
لكن للأسف لازالت مؤسساتنا الجامعية تحيط بها العديد من مظاهر المحدودية المرتبطة أساسا، بمستوى المردودية ونقص الموارد البشرية ناهيك عن بعض التحديات الاستراتيجية والتنظيمية. فعلى سبيل المثال لا الحصر:
– بلغت نسبة الهدر الجامعي بدون الحصول على دبلوم في الفترة الماضية ما يقارب 49%؛
– ارتفاع نسبة البطالة في صفوف خريجي الجامعة بنسبة 18,7% في نظام الاستقطاب المفتوح (8,5% في الاستقطاب المغلق)؛
– سجلت نسبة التأطير البيداغوجي أقل من المؤشرات المتعارف عليها عالميا، بمعدل أستاذ واحد لحوالي 120 طالب في كليات الاستقطاب المفتوح؛
– تدني فاعلية الكليات متعددة التخصصات كنموذج منتقَد دوليا، بحيث أوصى المجلس الأعلى للتربية والتكوين بضرورة مراجعته؛
– تحدي إحالة 2200 من أجود الأطر التدريسية في أفق 2026 إلى التقاعد؛
– انغلاق المنظومة وعدم تماشيها مع أولويات التنمية على المستويين الجهوي والوطني؛
– بالإضافة إلى تدني جودة البحث العلمي، سواء من حيث ضعف الميزانية المخصصة له (1,6 % من الميزانية العامة خلال سنتي 2021 و2022) أو من حيث عدد الباحثين الذي لا يتجاوز 1708 باحث لكل مليون نسمة (مقابل 2916 باحث لكل مليون نسمة بالبرازيل مثلا ).
وهي الإشكاليات التي سنعمل على معالجتها ضمن مضامين التصور الاستراتيجي الذي أعدته الحكومة خلال سنتها الأولى، والذي سيحدد الخطوات اللازمة لبناء جامعة مغربية دامجة ومنسجمة مع الإصلاحات الوطنية، ويضع المغرب في مصاف الدول الرائدة في مجال الابتكار والتميز التكنولوجي.
كما أن وعي الحكومة برهانات هذا القطاع متعددة الامتدادات، دفعها لاعتماد مقاربة تشاركية واسعة النطاق من أجل تعبئة الذكاء الجماعي، من خلال إشراك جميع الأطراف المعنية داخل الجامعة والقوى الحية على المستوى الجهوي والإقليمي، بما في ذلك الجماعات الترابية والفاعلين الاقتصاديين وفعاليات المجتمع المدني، ضمانا لتسريع اندماج المملكة في مجتمع المعرفة.
وهي مقاربة تشاورية، غير مسبوقة، تم في إطارها تنظيم 13 مناظرة جهوية حرصنا من خلالها على تعزيز ومواكبة عملية البناء المشترك لهذا الإصلاح.
وقد شكلت هذه المناظرات محطة أساسية لتبادل وجهات النظر وتقاسم الآراء بالإضافة إلى رصد تطلعات الفاعلين على المستوى الجهوي، بغية إرساء نموذج جامعي جديد يكرس الدور المحوري الذي يجب أن تضطلع به الجامعة المغربية كمنارة للعلم والمعرفة ورافعة للقيم المجتمعية، بالإضافة إلى دورها في إعداد كفاءات الغد.
وقد عرفت هذه المحطات تجاوبا كبيرا من لدن الفاعلين، حيث شهدت تعبئة ما يفوق 35.000 مشارك منهم 1350 فاعلا من الجماعات الترابية و580 فاعلا اقتصاديا و650 فاعلا من المجتمع المدني وأكثر من 400 مشارك من الكفاءات المغربية بالخارج.
كما تمخض عن هذه المناظرات أزيد من 3000 توصية من خلال المنصات الإلكترونية المخصصة للقاءات التشاورية، وإبرام 127 اتفاقية شراكة بين الفاعلين على الصعيد الجهوي، تتعلق بالمجالات ذات الأولوية مثل السكن الجامعي، والمنح المخصصة للحركية الوطنية وكذا مسالك التكوين التي تستجيب لحاجيات القطاعات الإنتاجية.

حضرات السيدات والسادة،
لقد آن الأوان لكي تمتلك بلادنا منظومة حديثة للتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، حتى نتمكن على المدى القريب والمتوسط من الإحاطة بمختلف التحديات التي يعرفها واقعنا الراهن.
لأجل ذلك فقد نجحت الحكومة في صياغة تصور جديد للقطاع، ينبني على حزمة متجانسة من القيم بمقدورها تعبئة جميع الفاعلين ودعم التفافهم حول رؤية مشتركة وموحدة لهذا الإصلاح.
لاسيما عبر تكريس شفافية جميع المسارات والمنظومات الجامعية، وإرساء ميثاق للأخلاقيات يكرس المسؤولية المجتمعية والبيئية للجامعة. فضلا عن وضع منظومة لتقوية التميز الأكاديمي والعلمي والتدبيري، ووضع ميثاق للإنصاف وتكافؤ الفرص في مجال النوع والإدماج الاجتماعي، مع الحرص على الانفتاح المستمر على حاجيات سوق الشغل الوطني.
ولضبط مسار هذا الإصلاح البيداغوجي للجامعة والنهوض بمستوى مواردها البشرية، تم منحه نفسا طويلا من خلال اعتماد أربعة مخططات مديرية ستشكل في مجملها أسسا مرجعية لقيادة تحول المنظومة في أفق 2030، وترتكز على مايلي:
– المخطط المديري للتعليم العالي: ويشمل إعادة النظر في أولويات التكوين وفي الهندسة الجامعية لمؤسسات التعليم العالي الخاص والعام وكذا المؤسسات الأجنبية؛
– المخطط المديري للبحث العلمي: الذي يهدف إلى إعادة تحديد أولويات عروض البحث العلمي وتعزيز مختبرات البحث، مع إعادة النظر في نظام براءات الاختراع العلمي؛
– المخطط المديري للابتكار: ويعمل على تجديد مواضيع الابتكار مع وضع هندسة جديدة للفاعلين المعنيين، لاسيما من خلال تعزيز دور الحاضنات ومراكز التحول التكنولوجي، وتحديث منظومة براءات الاختراع؛
– المخطط المديري للتحول الرقمي: ويستهدف مراجعة وتجويد المسارات الجامعية، لكل من الطالب والأستاذ الباحث وكافة الأطر الإدارية والتقنية، ناهيك عن تحفيز مسار المشاريع الناشئة والمستثمرين وباقي الشركاء.
ومن شأن إرساء هذه المرجعيات الكبرى، التأسيس لنموذج جديد للجامعة المغربية، نسعى من خلاله إلى تحقيق آمال بناتنا وأبنائنا والاستجابة لطموحاتهم.
سواء من خلال إدماج الجامعة في محيطها الترابي والسوسيو -اقتصادي وتمكين المجالات الترابية من لعب دور محوري من حيث الابتكار وخلق القيمة المضافة، أو عبر التأسيس لمنظومة ناجعة للحكامة المؤسسية للقطاع، تقوم على إصلاح بيداغوجي شامل ومندمج وتعزز البحث العلمي.

كما يسعى هذا النموذج البيداغوجي الجامعي الجديد، إلى الارتقاء بنظام LMD المتعلق بالإجازة والماستر والدكتوراه، للتأكيد على أن الجامعة ليست فقط فضاء لإعداد خريجين من أجل سوق الشغل، إنما الفضاء الأساسي لإنتاج المعرفة وتطوير مهارات الشباب وذلك من خلال:
– تعزيز مسارات التعلم بمهارات ذاتية وكفاءات أفقية لتعزيز الارتباط بالهوية المغربية وتقوية الرابط الاجتماعي؛
– إضافة إلى إدماج إشهادات في المهارات اللغوية والرقمية؛
– وتطوير إمكانيات التدريس بالتناوب بين الجامعة والمحيط الاقتصادي والاجتماعي؛
– والعمل على تخريج جيل جديد من طلبة الدكتوراه بمعايير دولية قادرين على إنجاز أبحاث مبتكرة في مجالات ذات أولوية وطنية، حيث سيتم في مرحلة أولى إطلاق برنامج لتكوين 1.000 طالب دكتور مدرب سنويا، ما سيمكن من توفير مشتل للكفاءات قادرة على تجديد هيئة الأساتذة الباحثين التي ستعرف خلال السنوات القادمة نسبا مهمة من الإحالة على التقاعد.
وتأسيسا لهذه الرؤية سيتم على صعيد آخر، إطلاق أجرأة هذا الإصلاح فقد تمت، في مرحلة أولى، إعادة النظر في التنظيم البيداغوجي لسلك الإجازة واعتماد عدة مستجدات من شأنها أن تحدث قفزة نوعية من حيث جودة التعلمات وأداء المنظومة ككل، تتجلى في ما يلي:
– تدعيم الوحدات المعرفية وإدراج وحدات ممهننة ‏لملاءمتها مع ‏متطلبات النسيج الاقتصادي. وفي هذا الإطار، تمت مراجعة وتحيين مسالك الجدع المشترك للإجازة التي ظلت على حالها لما يقارب 20 سنة وخلق جدع مشترك للمعلوميات.
– تطوير المهارات اللغوية من خلال التمكن من لغة التدريس وتعزيز الانفتاح على اللغات التي سيتم استعمال منصات رقمية في تدريسها، مع إلزامية الإشهاد في اللغات الأجنبية من أجل الحصول على الدبلوم؛
– تعزيز المهارات الرقمية من خلال تعميم وحدات الرقمنة والذكاء الاصطناعي وكذا إحداث مراكز Code212 مفتوحة في وجه كافة الطلبة، بغض النظر عن تخصصهم الأكاديمي، مع توفير إمكانية الإشهاد في المهارات الرقمية للطلبة الراغبين في ذلك؛
– إدراج وحدات تكوينية في المهارات المعرفية، لاسيما عبر منصات رقمية ودروس مصورة، قصد تعزيز الكفاءات الأفقية والمهارات الذاتية، من بينها التعريف بالموروث التاريخي والثقافي والفني للمغرب وترسيخ قيم المواطنة والحس المدني.
وفي نفس الإطار، سيتم العمل على إحداث جسور مرنة Passerelles بين مختلف الشعب والتخصصات والمؤسسات واعتماد الأرصدة القياسيةValidation de crédits ، من أجل المرونة في التوجيه وتغيير المسارات الدراسية، ستعزز فرص الطلبة لمواصلة مساراتهم الدراسية في حالة تعثرها، مع احتساب الكفايات والمعارف Validation des Acquis التي تم اكتسابها خلال الدراسة الجامعية، وهو ما سيحد من ظاهرة الهدر الجامعي، ويحفز الحركية الوطنية والدولية.
وسيتم تعزيز هذا النموذج البيداغوجي بآليات التوجيه الضرورية وبأنماط جديدة للتعليم، فضلا عن تقوية المهارات اللغوية والرقمية.
هنا أريد ان أؤكد أن الإصلاح سيمكن الطلبة في نهاية مسارهم الجامعي من كل الفرص وأهم القدرات، التي ستجعلهم ناجحين في حياتهم المهنية والاجتماعية. ومن خلال هذه الجسور المحدثة سيكون أمام الطلبة فرصة أولى وثانية وثالثة وأكثر، من أجل عدم مغادرة الجامعة حتى يتمكنوا من اكتساب ما يكفي من الكفايات والمهارات لتحقيق ذاتهم، والقدرة على الاندماج في المحيط الاقتصادي والاجتماعي.
وبموجب هذا النموذج المبتكر، سيتم الارتكاز على بحث علمي يروم تحقيق التفوق الأكاديمي، حيث يرتقب تعبئة حوالي:
– 600 مليون درهم لإطلاق البرنامج الوطني لطلب عروض مشاريع بحثية تنصبّ أساسا حول قضايا السيادة الوطنية وتفتح آفاقا وفرصا للطلبة الدكاترة؛
– 1300 منحة للتنقل لفائدة طلبة سلك الدكتوراه، خاصة على المستوى الدولي والبين -جامعية وبين الجامعة والمقاولات؛
– تعزيز التمويل في إطار البرامج الدولية للبحث العلمي ( PRIMA , HORIZON EUROPE ) وبرامج مثيلة؛
– احتضان حوالي 60 مشروعا في إطار البرنامج الوطني للإنعاش والابتكار إلى غاية سنة 2023، لتصل في مجموعها إلى 100 مشروع محتضن؛
– إيداع حوالي 40 براءة اختراع إضافية من قبل الجامعات بنهاية 2023، ليصل عددها الإجمالي إلى 200 براءة؛
– إحداث وحدتين جديدتين من مدن الابتكار عند نهاية 2023.

حضرات السيدات والسادة،

وفيما يتعلق بتوطيد أسس الحكامة الجيدة داخل الجامعة، سنعمل على إبرام عقود متعددة السنوات بين الدولة والجامعة، تستجيب لمعايير أداء واضحة ومدعومة بنظام للإدارة ومراقبة الأداء. ستؤدي في مجملها إلى جعل الجامعة فضاء مفتوحا أمام محيطه من خلال شراكات متجددة مع الدولة والجهات، تساهم في الإعداد التشاركي لتخصصات التكوين مع كل الفاعلين في المنظومة الاقتصادية الترابية بتعاون وثيق مع فعاليات المجتمع المدني.
فضلا عن تقوية مجالات انفتاح الجامعة على الصرح الدولي، من خلال تنويع حركية الطلبة الباحثين والأطر الإدارية داخل البرامج الدولية، والعمل على إدماج الكفاءات المغربية بالخارج.
وبطبيعة الحال، فإن الشروع في أجرأة مختلف مكونات هذا التحول النوعي الذي سيشهده القطاع مستقبلا، لابد أن تواكبه العديد من الرافعات التقنية والتنظيمية لتسريع وتيرته الانتقالية نحو تحقيق أهدافه المبتغاة.
خاصة ما يتعلق منها بضرورة تفعيل التحول الرقمي للإدارة الجامعية ومراجعة عميقة لإطاره القانوني وتنزيل نصوصه التطبيقية.

إن حجم الانتظارات الوطنية من هذا الإصلاح المرتقب، يقاس بمدى قدرتها على مواكبة التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة والانسجام مع أهداف ورش الدولة الاجتماعية. وهو ما جعله في مقدمة الأولويات وفي خدمة باقي الأجندات التي تقودها الحكومة. حيث أطلقت الحكومة برامج تعاقدية للتكوين تكرس الدور التنموي للجامعة من أجل مواكبة حاجيات الاستراتيجيات القطاعية من حيث الرأسمال البشري.

فعلى مستوى ورش تأهيل قطاع الصحة: تراهن الحكومة اليوم على كليات التعليم العالي في مهن الطب، للرفع من أعداد الأطر الصحية في أفق سنة 2030 ليصل إلى ثلاثة أضعاف العدد الحالي.

وبخصوص النهوض بجودة المدرسة العمومية: تباشر الحكومة، تنزيل خارطة الطريق 2021-2026 بميزانية تفوق 4 مليارات درهم، بهدف إرساء هندسة جديدة للتكوين الأساسي الخاص بسلك الإجازة في التربية وجعله مسارا للتميز. ويروم هذا البرنامج، الذي كان موضوع اتفاقية موقعة بين قطاعات المالية والتربية الوطنية والتعليم العالي، تلبية الحاجيات الآنية والمستقبلية من الأساتذة بمختلف تخصصات سلكي التعليم الابتدائي والثانوي، وجعل مسالك الإجازة في التربية رافدا أساسيا لولوج مهن التدريس، من خلال الرفع من طاقتها الاستيعابية وجعلها أكثر جاذبية، ما سيمكن من تسجيل حوالي 20.000 طالب سنويا.

أما فيما يتعلق بتعزيز جاذبية التكوين المهني: فقد حرصت الحكومة على تطويره ليتماشى مع حاجيات المقاولات من الموارد البشرية المؤهلة لتحسين الفرص المتاحة للخريجين الجدد والاستجابة لحاجيات سوق الشغل. عبر الالتزام بإيلاء العناية اللازمة للدور المحوري والتكميلي الذي يجب أن يلعبه التكوين المهني، إلى جانب التكوين الجامعي، في إعداد الكفاءات الضرورية لمواكبة احتياجات مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية وتوفير آفاق الشغل للشباب.
كما تشكل الشراكة بين الجامعة والمقاولة حلقة محورية ضمن مسلسل الإنعاش الاقتصادي لبلادنا، وفي هذا الإطار، تسعى الحكومة إلى تذليل الصعوبات التي تعترض ولوجية سوق الشغل. من خلال توفير الأطر والكفاءات المتخصصة لدعم تنافسية القطاعات الإنتاجية والرفع من القدرة على جذب الاستثمارات الخارجية.
فعلى مستوى القطاع الصناعي: تم إحداث مسالك جديدة للتكوين في مجال الطيران وتصنيع السيارات بغية تكوين 100.000 خريج من المهندسين والأطر المتوسطة والتقنيين الممتازين في أفق 2026.
وفي قطاع الانتقال الرقمي: تم إعداد برنامج جديد للتكوين في الميدان الرقمي بغية مضاعفة عدد الخريجين والاستجابة للحاجيات الآنية والمستقبلية في هذا المجال، للوصول إلى 22.000 خريج في أفق 2026، و50.000 خريج في أفق 2030.
في حين سيعرف قطاع العمل الاجتماعي: تكوين 10.000 متخصص ومتخصصة في هذا المجال في أفق 2030.
وصولا إلى إشراك الكفاءات المغربية بالخارج في مهام التدريس والبحث، ضمن مهام رئاسة الجامعات ومؤسسات التعليم العالي، وإعادة النظر في برنامج “فينكم”، من خلال إدراج مقتضيات تنظيمية في النظام الأساسي الجديد للأساتذة-الباحثين، ما من شأنها الرفع من جاذبية منظومة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار بالنسبة لهذه الكفاءات.

حضرات السيدات والسادة،
إن استعجالية الإجابة عن قضايا التعليم العالي والبحث العلمي، وحرص الحكومة على بروز جيل جديد من الجامعات المغربية، التي تشتغل بمعايير التميز وبنماذج متجددة للحكامة. تستلزم مواكبتها وتعزيزها بالإمكانيات الملائمة للقيام بالمهام المنوطة بها.
لذلك عملت الحكومة منذ توليها المسؤولية على تعبئة وإطلاق سلسلة من المبادرات التي تروم تحسين الحكامة المؤسسية لقطاع التعليم العالي والرفع من نجاعته، وإيجاد الأرضية اللازمة لتثبيت دعائم هذا الإصلاح الجديد، بشكل يلائم كل مكونات وأهداف المنظومة.
وفي هذا السياق، تمكنت الحكومة من التوقيع على اتفاق اجتماعي مع النقابة الوطنية للتعليم العالي، في إطار تعزيز الحوار الاجتماعي بتاريخ 20 أكتوبر 2022، يهدف بشكل رئيسي إلى رد الاعتبار لمهنة الأستاذ الباحث وتعزيز جاذبيتها، مع الانفتاح على الكفاءات المغربية بالخارج، وضمان ظروف اشتغال أفضل لفائدة هذه الفئة، وتثمين مجهوداتهم في مجالات التدريس والبحث والتأطير، وتقوية مكانة الجامعات وتأهيلها لاستقطاب الكفاءات.
وترتكز أهم محاور هذا الاتفاق الاجتماعي على تحسين آليات الحكامة عبر مراجعة المنظومة التشريعية للقطاع، فضلا عن وضع نظام أساسي جديد خاص بهيئة الأساتذة الباحثين يكرس الاستحقاق والكفاءة، مع الشروع في تحسين الوضعية المادية لهيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي وبمؤسسات تكوين الأطر العليا، ومراجعة نظام التعويضات المخول لها. بالإضافة إلى أجرأة الإصلاح البيداغوجي الشامل مع بداية الموسم الجامعي 2024 -2023، من خلال فتح وتشجيع مسالك تكوين تستجيب لأولويات القطاعات الإنتاجية وخصوصيات المجالات الترابية.
وتثمينا للمجهودات المبذولة في مؤسسات التعليم العالي، توفقت الحكومة في بلوغ حصيلة مشرفة خلال السنة الأولى، إضافة إلى الرفع التدريجي لميزانية القطاع لتصل سنة 2023 إلى ما يناهز 15 مليار و 215 مليون درهم، بارتفاع قدره 8% مقارنة بميزانية سنة 2022، والزيادة في عدد المناصب المالية المخصصة للقطاع بإحداث 2.349 منصب مالي جديد، ستمكننا من تحسين ولوجية الجامعات الوطنية وتعزيز طاقتها الاستيعابية، فضلا عن الرفع من المسالك المعتمدة خاصة الممهننة منها التي بلغت حوالي 54 % في الموسم الجامعي المنصرم.
في حين تم رفع عدد الأطر البيداغوجية والأطر الإدارية والتقنية بنسبة 3% لكل منهما، دون إغفال النتائج المحققة على مستوى تحسين جودة الدعم الاجتماعي الموجه لفائدة الطلبة، والتي ساهمت في توسيع هامش التغطية من المنحة الجامعية والسكن الجامعي لتبلغ الخريطة الحالية 23 حيا جامعيا على المستوى الوطني، واستكمال مشاريع أخرى بمجموعة من المدن مع توسيع شبكة المراكز الصحية، والرفع من عدد الطلبة المستفيدين من نظام التأمين الصحي الإجباري عن المرض.
كما همت هذه التدابير كذلك، تعزيز البنية التحتية للبحث العلمي والابتكار، وبالأخص ما يتعلق منها بإرساء نظام معلوماتي شامل ومندمج حول المنظومة، والتي ستساهم في توفير الأمن المعلوماتي.
هذا، وسيولي المخطط الوطني الجديد أولوية كبرى لتعزيز الإدماج الاجتماعي للطلبة، في انسجام تام مع مبادئ الدولة الاجتماعية التي كرسها البرنامج الحكومي، وذلك من خلال:
– توسيع قاعدة المستفيدين من المنح الجامعية، بحيث ارتفع عدد الطلبة الممنوحين من 385.000 سنة 2021 إلى 421.000 سنة 2023.
– تطوير عرض السكن الجامعي، عبر تسريع استكمال مشاريع التوسعة بعدة مدن جامعية وتحفيز الشراكة مع القطاع الخاص.

حضرات السيدات والسادة،
لابد في الختام، أن نؤكد بأن مختلف المجهودات التي بذلها المغرب لبناء جامعة وطنية رائدة في مجال البحث العلمي والابتكار، يعود الفضل فيها بشكل أساسي، بعد التوجيهات المولوية لصاحب الجلالة، إلى التعبئة العالية والأدوار الطلائعية التي تقودها هيئات الأساتذة الباحثين ومجموع الأطر الإدارية والتقنية، التي تسهر جميعا على مواكبة الطلبة في مختلف التخصصات وتوفير الإرشادات العلمية والبيداغوجية اللازمة لهم، لتمكينهم من استكمال مساراتهم الدراسية في أفضل الظروف.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

زر الذهاب إلى الأعلى