غير مصنف

وقفات مع خطاب الإسلاموية.. أعطاب استراتيجية في مواجهة الإسلاميين

د. منتصر حمادة

ــ منصور إسكوديرو، أو منصور عبد السلام إسكوديرو، طبيب نفسي إسباني وناشط اعتنق الإسلام، عضو مؤسس ورئيس الاتحاد الأسباني للكيانات الدينية الإسلامية‏ بين 1990 ــ 2003 والأمين العام للمجلس الإسلامي في إسبانيا بين 1991 إلى 2006. كان مختصاً في الطب النفسي العصبي، وناشطاً في حركة معارضة الطب النفسي التقليدي، ومناهضاً لدكتاتورية فرانكو، وقيادي في تشكيل إسلام تقدمي في إسبانيا، بعد اعتناقه الإسلام في نهاية السبعينيات، حيث لعبَ دوراً نوعياً في الدعوة الإسلامية، موازاة مساعدة المسلمين في النسيج السياسي والديني والاجتماعي في إسبانيا. (توفي رحمه الله في 3 أكتوبر 2010)

في سياق تفاعل إسكوديرو مع التهديد الدولي الذي كانت تجسده الظاهرة الإسلامية القتالية ألأو "الجهادية"، كما جسدها حينها تنظيم "القاعدة"، على عهد أسامة بن لادن، اقترح الراحل، على المؤسسات الدينية في العالم الإسلامي، وخاصة المؤسسات الدينية في المنطقة العربية، مبادرة عنوانها تكفير أسامة بن لادن، لعل صدور هذه الفتوى عن هذه المؤسسات، قد يساهم في التقليل من مخاطر الظاهرة.

ــ مصطفى راشد، داعية وباحث مصري، يُقيم في أستراليا، بل يصف نفسه بأنه مفتي أستراليا ونيوزلندا، ولكن ليس هذا موضوعنا الآن، فقد التقينا به مؤخراً، واعترضنا على العديد من مواقفه، على همش حفل مناقشة جمعنا به بمقر المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بالعاصمة الرباط، في لقاء نظمه مركز المركز الأقصى للدراسات والأبحاث بشراكة مع المنظمة ودار التوحيدي للنشر.

نقرأ لمصطفى راشد في كتابه له جاء بعنوان: "تصحيحاً للفقه الإسلامي" (والذي من المنتظر أن يصدر عما قريب عن دار التوحيدي المغربية)، بعض "الفتاوى"، وهي آراء فقهية تخصه أولاً وأخيراً، ولكن هناك في أستراليا من يتعامل معها على أساس أنها فتاوى بمقتض الصفة التي يُروجها، ومن هذه "الفتاوى"، نقرأ أن "واضع القنبلة وداعش كفار"، حيث يُجيب على سؤال في هذا السياق، ما مفادها أن "حكم الإسلام على من يضع القنبلة في الأماكن العامة التي يرتادها الناس وهو يعلم أو يتوقع أنها قد تصيب أحداً من الناس، هو أنه شخص خارج على شرع الله فيكونَ خارجاً عن الإسلام ويُعد كافراً بشرع الله". 

واضح أن هناك بعض القواسم المشتركة، إيجابية أو سلبية تجمع بين مبادرة تفاعل إسكوديرو مع ظاهرة تنظيم "القاعدة" وتفاعل مصطفى راشد مع ظاهرة تنظيم "داعش"، ويمكن أن نتوقع تفاعلات أخرى في السياق ذاته، بما فيها ما كشفت عنه بعض وسائل الإعلام مؤخراً، من أنه السلطات السعودية، قد تتجه إلى إعدام بعض الدعاة هناك، بسبب تورطهم في هذه القضية أو تلك.

والحديث عما روجته بعض وسائل الإعلام مؤخراً، من أن سلطات السعودية قد تتجه إلى إصدار حكم بالإعدام على ثلاثة دعاة بارزين، وتنفيذ الحكم عليهم بعد انقضاء شهر رمضان، ويتعلق الأمر بالشيخ سلمان العودة، والشيخ عوض القرني، والشيخ علي العمري، وهم للتذكير، معتقلون منذ مدة، ضمن حملة على بعض الدعاة وقادة الرأي انطلقت في شتنبر 2017.

تعلمنا من التجربة المصرية، أن مثل هذه الخيارات قد تساهم في التقليل من حجم هذا الخطر أو ذلك، ولكن تبعاتها لاحقاً تكون أخطر ولا تخطر على بال، والإحالة هنا على تبعات إعدام سيد قطب، وهو الإعدام الذي تجمع العديد من القراءات التي اشتغلت على الظاهرة الإسلامية الحركية، في نسختها الجهادية على الخصوص، أنه كان من أهم مسببات ارتفاع أسهم الجهاديين في مصر والمنطقة، ولا نعتقد أن هذه القرارات تغذي مشروع سحب البساط عن الإسلاموية بشكل عام، بل لا نشك قط أن مبادرات الداعية الإسباني والداعي المصري وصناع القرار في السعودية، تساهم عملياً، في تغذية المشروع الإسلامي من حيث لا يدري أهل هذا المشروع، وهذه أ‘طاب نحسبها أعطاباً استراتيجية، ضمن أعطاب أخرى.

بمعنى آخر، أنه حتى افترضنا أن المؤسسات الدينية في المنطقة، ستشرع في إصدار فتاوى تكفر الجهاديين، موازاة مع انخراط المؤسسات الأمنية في إعدام الرموز الإسلامية الحركية، فهذا لا يُفيد بالقطع أننا سنعاني نهاية الظاهرة، بل سنعاين عكس ذلك، كما جسدت ذلك عملياً التجربة المصرية سالفة الذكر، وليس صدفة أن العدد 20 لمجلة "كلمة حق" الصادرة عن الإسلاميين القتاليين أو "الجهاديين" الذين عوضا تنظيم "داعش"، ونتحدث عن عدد شهر مارس الماضي، تضمن في افتتاحيته، مقالة لسيد قطب، بعنوان "شهداء الحق".

ومن سوء حظ شعوب المنطقة، أن هذه القرارات الأحادية حتى لا نتحدث عن قرارات اختزالية، نعاينها في عدة مشاريع ومبادرات، من قبيل الاستغلال المشوه للتديّن الصوفي من أجل مواجهة الخطاب الإسلامي، كما اتضح خلال شهر رمضان لهذه السنة، مع مضامين بعض الأعمال الدرامية التي اشتغلت على التعريف ببعض الصوفية، وبالتحديد الحلاج وابن عربي، حيث جاءت المقاربة اختزالية ومشوهة لمسار هؤلاء المتصوفة. [لاحظ الباحث محمد التهامي في هذه الجزئية أن مضامين مسلسل "مقامات العشق، سيرة سلطان العارفين"، والذي يقدم ببعض القنوات الخليجية خلال شهر رمضان المبارك الجاري، تعج بألوانٍ من "الكذب التاريخي"، مروداً مجموعة ملاحظات نقدية "تُبطلُ كلَّ معالم الصورة العرفانية اللاتاريخية التي قُدِّمَ بها ومن خلالها أبو الشيخ الأكبر في مسلسل "مقامات العاشقين"، وهي صورة تلبسُ الأبَ الحياة الروحية للابن"].

مواجهة الظاهرة الإسلامية الحركية، لم ولن تتم عبر قرارات أحادية وعابرة، وإنما تتطلب نَفَساً معرفياً وإصلاحياً شاملاً ومركباً، تتوزع تفاعلاته على محددات ثقافية ودينية واجتماعية وإعلامية وغيرها، وكما نعاين في الحالة المغربية، فنحن بالكاد شرعنا، منذ أبريل 2004، في إطلاق مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني، موازاة مع إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والرفع من احترافية أداء المؤسسات الأمنية، ومبادرات أخرى موازية، وبالرغم من ذلك، ومع أننا في منتصف 2019، لا زلنا نسمع عن تفكيك خلايا إسلامية حركية، موالية أو محسوبة على المرجعيات الإسلامية القتالية أو "الجهادية"، هذا دون الحديث عن الحضور الكبير للخطاب الإسلامي الحركي في المؤسسات التعليمية والدينية ذاتها، فالأحرى في منظمات المجتمع المدني وحقول أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × ثلاثة =

زر الذهاب إلى الأعلى