النظام الجزائري في مأزق دولي بعد أن أضحى متابعا بارتكاب جرائم ضد الإنسانية
الدار/خاص
يواصل نظام العسكر في الجزائر يوما بعد يوم تأكيد توجهه الشمولي والاستبدادي القائم على تغوّل المؤسسة العسكرية وانفرادها بالقرارات والتنفيذ والتفسير السياسي لكل اختيارات الدولة في شتى المجالات. هذا ما ظهر بشكل فجّ في مضامين المكالمة الهاتفية التي دارت بين وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف ونظيره السويسي إينياسيو كاسيس عندما اتهم الأول القضاء السويسري بـ “الرجعية” في الوقت الذي ما يزال فيه الكثير من أسر المفقودين والمختطفين الجزائريين من ضحايا العشرية السوداء يطالبون بكشف حقيقة ما جرى في تلك المرحلة ومعرفة مصير أبنائهم. هذا التوجيه يأتي في سياق توجيه القضاء السويسري للجنرال خالد نزار تهما بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال التسعينيات إبان توليه مسؤولية وزارة الدفاع.
دفاع نظام الكابرانات عن خالد نزار الذي تطوقه الاتهامات من كل جانب وتطارده الجمعيات الحقوقية الجزائرية في أوربا والعالم من أجل تقديم الحساب والكشف عن مصير الضحايا يؤكد أن هذا النظام يدرك جيدا أن الباب الذي فتحه القضاء السويسري لن يتوقف عند حدود الجنرال المذكور، بل سيمتد مع تقدم المدعي العام السويسري في التحقيقات إلى رؤوس أخرى من قيادات العسكر التي كانت مسؤولة عن العمليات الميدانية إبان هذه الفترة السوداء من تاريخ البلاد. ومن المؤكد أن استمرار التعتيم والتضليل فيما يخص تفاصيل وحقائق ما جرى سيفتح الباب أمام المزيد من الملفات القضائية الأخرى التي يقف وراءها الضحايا وأسرهم.
يحاول نظام الكابرانات تبرير ما جرى من انتهاكات وخروقات ضد الإنسانية بمحاربة الإرهاب مثلما جاء في المكالمة الهاتفية التي دارت بين وزير الخارجية الجزائري ونظيره السويسري. لكن السؤال الذي يحرج الكابرانات اليوم، هو إذا كانت هذه الممارسات التي كان يقف وراءها الجنرال خالد نزار تدخل في نطاق عمليات الحرب على الإرهاب فلماذا لم ينجح النظام في اجتثاث هذه الظاهرة التي ما تزال إلى يومنا هذا تهدد استقرار وأمن البلاد؟ إذ لا تتوقف قيادة الجيش عن إعلان توقيف المزيد من المسلحين في مناطق مختلفة من البلاد ومصادرة الأسلحة والعتاد بانتظام. هذا يعني أن كل العمليات التي استهدفت القضاء على الإرهابيين ويعتبرها النظام “سياسات أمنية مستقلة” ذهبت في النهاية سدى ولم تفض إلى أي نتيجة.
وهذا يعني أيضا أن هذا النظام إذا لم يحاسب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان فيجب أن يحاسب على الأقل على تفريطه في مسؤولياته لحماية الشعب الجزائري من جرائم الإرهاب ومجازر الإرهابيين. كما أن ما ورد على لسان وزير الخارجية أحمد عطاف يؤكد ألّا شيء تغيّر في الجزائر، وأن شعار “الجزائر الجديدة” مجرد وهم سوّقه النظام لأغراض انتخابية لا أقل ولا أكثر. إذا كانت الجزائر قد انتقلت فعلا إلى مرحلة جديدة فلماذا يدافع وزير خارجيتها عن جنرال محسوب على “نظام سابق”؟ السبب الحقيقي هو أنه لا يوجد نظام سابق ونظام لاحق أو جديد. ما دامت المؤسسة العسكرية مستمرة في فرض نفوذها وتقوية صلاحياتها في إدارة البلاد على كافة المستويات والأصعدة.
إذا كان القضاء السويسري الذي يُعرف بخبرته الطويلة في مقاربة قضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية “رجعيا” على حد وصف أحمد عطاف، فبماذا يمكن وصف القضاء الجزائري الذي تغاضى عن كلّ ما حدث من انتهاكات ورفض النظر في أيّ ملف من الملفات التي حاولت الجمعيات الحقوقية المحلية عرضها عليه؟ العذر دائما أقبح من الزلة في خطابات المسؤولين الجزائريين. وما صدر عن وزير الخارجية من تصريحات يكشف بجلاء أن نظام الكابرانات مصرّ على حجب الجرائم الشنعاء التي ارتكبها على مدار عقود طويلة. لكنه ينسى أو يتناسى أن عالم اليوم أصبح أكثر شفافية وأن الأسرار التي كان بالإمكان سترها والتغطية عليها في الماضي لا يمكن بتاتا أن تظل كذلك في زمن العولمة والإنترنت.