أخبار الدارسلايدر

احترام السيادة والوحدة الترابية عائق تاريخي أمام مشاريع الوحدة العربية

الكلمة التي ألقاها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة خلال أعمال مجلس الجامعة العربية بالقاهرة وضعت الأصبع على الداء وشخّصت الواقع العربي تشخيصا دقيقا بالاستناد إلى الرؤية الملكية القائمة على تعزيز الوحدة العربية ليس بالشعارات والأماني فقط ولكن من خلال الشراكات وتعزيز التعاون في شتى المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية. وفي صميم هذه الكلمة كانت الدعوة المباشرة والصريحة إلى ضرورة الالتزام الفعلي بمبادئ احترام حسن الجوار والسيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية. وهذه العبارة تعدّ في الحقيقة بؤرة الخطاب الوحدوي العربي الذي كان على مدى عقود يبحث عن مشروعه الناجح والواقعي دون جدوى.

لقد عاشت الدول العربية منذ انطلاق موجة الاستقلال ابتداء من الأربعينيات مشاريع وبرامج قومية لا حصر لها حاولت أن تبني المشروع العربي الوحدوي المشترك، لكنّها فشلت جميعها للأسف بل وأدت في كثير من التجارب إلى تعميق الخلافات العربية وإلى المزيد من الفرقة والشتات. كان من بينها المشروع الناصري والمشروع البعثي ومشروع القذافي الإفريقي وغيرها من المشاريع التي لم يكتب لها النجاح وظلت مجرد شعارات أو تحوّلت مع مرور الوقت إلى مشاريع دول استبدادية وبوليسية لا تؤمن بالحريات وحقوق الإنسان وكرامته. لكن الآفة التي ظلت تطارد هذه المشاريع كلّها لم تخرج عن دائرة هذه العبارة التي أشار إليها وزير الخارجية ناصر بوريطة.

“احترام حسن الجوار والسيادة الوطنية للدول ووحدتها الترابية”. عدم تطبيق هذا المبدأ هو الذي أفشل الوحدة المصرية السورية في الستينيات، وهو الذي أدى إلى الصراع الذي لا ينتهي في لبنان بين مختلف المتدخلين من الدول العربية، وهو نفسه الذي دمّر علاقة العراق بجيرانه في الخليج العربي في أعقاب غزو الكويت إلى غير ذلك من حالات الفشل التاريخي العربي. ونحن في المغرب العربي نعيش منذ عقود على إيقاع نموذج مشابه من الفشل النابع من عدم احترام حسن الجوار والسيادة الوطنية والوحدة الترابية. سعي الجزائر الدائم إلى تشتيت الوحدة الترابية للمغرب منذ افتعال نزاع الصحراء المغربية وعملها الدؤوب ليل نهار على استنبات الدويلة الوهمية المزعومة وتمويلها وتسليحها نشاط يتعارض تماما مع هذا المبدأ الذي تحدّث عنه الوزير وسط نظرائه العرب بالقاهرة.

لذا سيظل الحديث عن أيّ رؤية عربية مشتركة أو مشروع وحدوي أو تكامل اقتصادي أو سياسي مجرد شعارات للاستهلاك المحلّي ما لم تؤمن الدول العربية أولا وقبل كل شيء بضرورة احترام السيادة الكاملة للدول الأعضاء في الجامعة العربية، وأن يكون هذا الاحترام متبادلا ودائما ومبنيا على قناعة راسخة. والمغرب يمتلك وفقاً لما جاء في كلمة وزير الخارجية رؤية تسعى بصدق إلى خلق فرص حقيقية للشراكة والتعاون الإقليميين، وتعبئة طاقات البلدان العربية الخلاقة لرفع تحديات تنميتها المشتركة والشاملة. لكنّه يؤكد ويحذر أيضا أن هذه الرؤية الطموحة جدا، والتي تحقق اليوم بالمناسبة نجاحات باهرة على مستوى علاقات المغرب مع الدول الإفريقية، لا يمكنها أن تؤتي ثمارها بعيدا عن المبدأ الأساسي الأول القائم على احترام الوحدة الترابية.

من المستحيل تماما أن يتحقق التكامل مثلا بين بلدين كالمغرب والجزائر إذا كانت هذه الأخيرة مصرّة على الكيد باستمرار لاستقرار المغرب ووحدته، وتبذل قصارى جهودها وأثمن ما تملكه من مقدّرات وفوائض مالية من أجل ذلك. لقد كان المغرب وما يزال يحمل أمل وحدة المغرب العربي الذي كان من المفترض أن يؤسس تكتلا اقتصاديا وسياسيا ضخما مؤثرا في المحيط الإقليمي. الدول الخمس التي تشكل المغرب العربي تمتلك مزايا جغرافية وبشرية واقتصادية هائلة قد تقلب الموازين في منطقة البحر المتوسط لو تحقّق هذا الاتحاد. لكنّه ظل حبرا على ورق للأسف بسبب عدم احترام هذا المبدأ الذي نبّه إليه وزير الخارجية المغربي في كلمته بالقاهرة.

Aldar: خاص

زر الذهاب إلى الأعلى