من أزمة “كورونا” إلى زلزال الحوز….رؤية ملكية مستنيرة في تدبير الأزمات
الدار- المحجوب داسع
من أزمة جائحة كورونا إلى أزمة زلزال الحوز، يكتب المغرب فصلا جديدا من فصول تدبيره للأزمات الطارئة بحكمة وتبصر تحت القيادة السامية لجلالة الملك محمد السادس.
و إذا كان الارتباك و التخبط، هما اللذان يطبعان عادة مرحلة ما بعد وقوع الكوارث الطبيعية، فإن المغرب على عكس بلدان أخرى يقوم بالاستجابة للكوارث الطبيعية و للأزمات بحس عال من الحرفية و المهنية؛ وصل صداهما إلى كبريات وسائل الإعلام الدولية، ومنها الفرنسية التي دابت على الإشادة بالاستراتيجية المغربية في تدبير أزمة كورونا.
و اليوم أظهرت المملكة المغربية مجددا قدرتها على الصمود، من خلال وضع مقاربة ناجعة في تدبير أزمة زلزال الحوز؛ وهي المقاربة التي تتأسس على عدة أسس.
أولى هذه الاسس، نزول مختلف المصالح المدنية و العسكرية للميدان، بتعليمات ملكية سامية، لإنتشال جثثت الضحايا من تحت الأنقاض، و إنقاذ الجرحى من تحت الأنقاض؛ وهي العملية التي تمت بسرعة و بنجاعة، بمشاركة جميع المصالح العسكرية و الأمنية و الترابية.
التعاطي مع أزمة الزلزال، كان لابد أن يؤطر برؤية ملكية سامية وضعت الخطوط العريضة لعملية التدخل، و للأولويات التي يتعين الإنكباب عليها، حيث ترأس جلالة الملك محمد السادس، جلسة عمل، السبت الماضي بعد أقل من 24 ساعة من حدوث أعنف زلزال عاشته المملكة المغربية؛ تمخضت عنها قرارات و إجراءات عملية ملموسة، من أهمها إطلاق صندوق خاص للتضامن مع منكوبي الزلزال، و إعطاء تعليمات لإطلاق برنامج استعجالي لإيواء المنكوبين، و أسرهم.
الأسس الثاني للمقاربة المغربية لتدبير أزمة زلزال الحوز، كان مهما للغاية، حيث نزل الجالس على العرش بكل مشروعيته الدينية و الدستورية و التاريخية و ثقله الرمزي لتفقد أحوال رعاياه الأوفياء، فكانت زيارة جلالة الملك، مساء الثلاثاء الفارط، إلى المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بمدينة مراكش، قصد تفقد الحالة الصحية للمصابين، قبل تبرعه بالدم في بادرة إنسانية والتفاتة كريمة؛ شكلت البلسم الشافي للمصابين و ذويهم.
و كانت اللحظات العفوية التي ميزت الزيارة الملكية إلى المستشفى الجامعي بمدينة مراكش، مؤثرة من ملك مواطن، أبى الا أن يشاطر الشعب المغربي أحزانه، حيث تبادل جلالته مع المصابين في المستشفى العناق، و أحاديث عفوية، وصل صداها إلى كبريات الصحف الدولية؛ كصحيفة “الغارديان” البريطانية، التي خصصت مقالا تحدثت فيه عن هذه الزيارة بحمولتها الرمزية و الإنسانية.
الأسس الثالث لهذه المقاربة المغربية المتميزة، رسمت معالمها في الميدان، حيث استنفرت كل المصالح العسكرية و المدنية اطقمها في نكران للذات، فنصبت مستشفيات طبية عسكرية في الميدان؛ و حلقت مروحيات الجيش و الدرك في سماء إقليم الحوز و تارودانت بحثا عن ناجين محتملين، أو جرحى يحتاجون للاسعاف و الرعاية الطبية.
بالموازاة مع عمل المصالح العسكرية و المدنية، شدت قوافل محملة بالمساعدات الغذائية الرحال صوب المناطق المتضررة من الزلزال؛ في خطوة ابان فيها كل المغاربة من طنجة إلى الكويرة عن روح “تمغربيت” الحقيقية، مجسدة في قيم التضامن و التآزر التي ابانوا عنها، و التي تجاوزت حدود الوطن؛ بشكل قطع الطريق أمام أعداء الوطن.
المتابعة الشخصية لجلالة الملك محمد السادس لأوضاع ضحايا زلزال الحوز، ستتاكد بقوة، حيث عاد جلالته ليترأس، أمس الخميس، من جديد جلسة عمل لمتابعة عمل الحكومة فيما يخص التنزيل الفعلي لتعليمات جلالته المتعلقة ب”إطلاق البرنامج الاستعجالي لإعادة إيواء المتضررين من الزلزال و التكفل بالفئات الأكثر تضررا من هذه الفاجعة”.
جلسة عمل تمخضت عن إجراءات ملموسة و استباقية؛ عكست الرعاية الملكية السامية برعاياه الأوفياء من منكوبي زلزال الحوز، حيث أعطى جلالته تعليماته السامية لوضع صيغ إيواء ملائمة في عين المكان وفي بنيات مقاومة للبرد وللاضطرابات الجوية، أو في فضاءات استقبال مهيأة وتتوفر على كل المرافق الضرورية، وكذا منح مساعدة استعجالية بقيمة 30000 درهم للأسر المعنية.
كما أعطى جلالته تعليماته السامية لتقديم مساعدة مالية مباشرة بقيمة 140 ألف درهم للمساكن التي انهارت بشكل تام، و80 ألف درهم لتغطية أشغال إعادة تأهيل المساكن التي انهارت جزئيا.
و تجسيدا للعناية الملكية السامية، التي ما فتىء يوليها جلالته لفئة الأطفال، أعطى جلالة الملك تعليماته قصد
التكفل الفوري بالأطفال اليتامى، الذين فقدوا أسرهم وأضحوا بدون موارد، ومنحهم وضعية قانونية هي” صفة مكفولي الأمة”؛ و الهدف هو انتشالهم من هذه المحنة وحمايتهم من جميع المخاطر وجميع أشكال الهشاشة التي قد يتعرضون لها للأسف بعد هذه الكارثة الطبيعية.
هي إذن مقاربة مغربية خالصة وضع أسسها جلالة الملك محمد السادس برؤيته المتبصرة، انخرطت في تنفيذها جميع المصالح العسكرية و الأمنية و المدنية، و الإعلامية و المجتمعية و الشعبية بحس وطني عال، مما يؤكد أن المملكة المغربية “قلعة محصنة” عصية عن الاختراق من أي جهة كانت؛ خاصة من بعد الدول الأوربية التي لم تستوعب بعد أن مغرب اليوم ليس مغرب الأمس.