العدوان على غزة.. دماء ودمار يعيدان الحياة إلى شرايين القضية الفلسطينية
الدار/ افتتاحية
من الواضح أن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة سيطول كثيرا، وقد يفضي إلى المزيد من الخسائر البشرية والمادية الكبيرة للأسف. ومن المؤكد أن استمرار الدعم الغربي لحكومة نتنياهو مؤشر قاطع على أن الأسابيع المقبلة قد تشهد تطورات خطيرة ميدانيا لا سيّما أن إسرائيل تخطط رسميا لاجتياح برّي للقطاع من أجل استئصال حركة حماس. يبدو هذا الهدف مستحيلا تماما إذا علمنا أن حركة حماس ليست حزبا سياسيا علنيا بمؤسسات وأجهزة واضحة ومعروفة للجميع بالإمكان تصفية أفرادها أو اعتقالهم أو تحييدهم بأي شكل كان. طبيعة حركة حماس أنها تنظيم يغلب عليه طابع السرية ومن الصعب تماما التحقق من نهايته أو تفكيكه.
وإسرائيل خاسرة تماما في هذه الحرب الغاشمة بل من المؤكد أن المكاسب التي سيحققها الشعب الفلسطيني من وراء هذا العدوان قد تكون غير مسبوقة على صعيد الرصيد السياسي والمعنوي بالخصوص. نقصد هنا بالرصيد السياسي والمعنوي هذا الزخم الجديد الذي تعيشه القضية الفلسطينية سواء في الداخل الفلسطيني نفسه أو في العالم العربي والإسلامي أو حتّى في الدول الغربية، التي بدأ رأيها العام يتململ ويعبر عن رفضه واحتجاجه على المجازر التي تُرتكب في القطاع باسم الحرب على الإرهاب. لقد كانت القضية الفلسطينية تسير في اتجاه تصفية نهائية من خلال تثبيت الوضع القائم: قطاع غزة المعزول المنفصل عن الداخل الفلسطيني، وضفة غربية تحت حكم صوري وشكلي للسلطة الفلسطينية، وتوسع غير مسبوق للمستوطنات لقضم المزيد من الأراضي، وحصر القضية في الأبعاد الإنسانية لا أقل ولا أكثر.
توقفت عملية السلام والمفاوضات ولم يعد هناك من يرفع صوته للمطالبة بإقرار بنود اتفاق أوسلو التي على رأسها ترسيم الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا لقرارات الشرعية الدولية على حدود 1967 المتعارف عليها دوليا وضمان حق العودة للنازحين واللاجئين وتفكيك المستوطنات. هذه المطالب التي يرفعها الفلسطينيون منذ عقود لم تعد من أولويات الأمم المتحدة أو شأنا سياسيا يشغل بال المنتظم الدولي أو حتى الفرقاء الفلسطينيين الذين غرقوا في صراعاتهم الداخلية الضيقة حول السلطة والهيمنة. لكن ما يحدث اليوم في أعقاب طوفان الأقصى يحيِي من جديد آمال تحقيق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا ما ورد على لسان العديد من رؤساء الدول والقادة السياسيين والهيئات الأممية منذ 7 أكتوبر الجاري.
بمعنى آخر إن هذا العدوان المدمر الذي تتعرض له غزة، وعلى الرغم من كلفته البشرية والإنسانية الباهظة، إلا أنه سيعيد مطالب الحق الفلسطيني إلى الواجهة أمام أنظار العرب والعالم. والأهم من هذا وذاك أن العدوان على غزة يربي الأجيال الجديدة على تاريخ القضية الفلسطينية وشرعيتها. الكثير من أبناء الأجيال الشابة والصاعدة لم ينشؤوا على صور الانتفاضة ونضال ياسر عرفات واجتياح لبنان وغيرها من الأحداث الكبرى التي عرفها تاريخ النضال الفلسطيني، لكنهم يدركون اليوم في كافة أقطار العالم العربي وفي الضفة الغربية وحتّى في الدول الغربية أن هناك حيفا طال أكثر من اللازم منذ 1948 وأن هناك حقا فلسطينيا راسخا لا ينبغي التفريط فيه.
وفي مقابل هذا المكسب المعنوي الهام جدا الذي يحققه الفلسطينيون على الرغم من كلفته الباهظة تخسر إسرائيل المزيد من رصيدها المعنوي والسياسي في الساحة الدولية بسبب جرائم الحرب التي ترتكبها، من قبيل مجزرة مستشفى المعمداني. صورة إسرائيل في أوساط الرأي العام الغربي على الخصوص تلطخت بصور قتل الأطفال والنساء وتدمير المستشفيات، على الرغم من المقاربة المتحيزة التي ما يزال الإعلام الغربي يصر عليها. ومع ذلك تتعرض صورة إسرائيل وسمعتها إلى ضربات موجعة سيكون لها ما بعدها في المديين القريب والمتوسط. عندما يخرج نشطاء حركة الصوت اليهودي من أجل السلام بالمئات في واشنطن ويقتحمون مبنى الكونغريس للتعبير عن رفضهم ممارسات إسرائيل والمطالبة بالوقف الفوري للحرب، فهذا يعني أن الرأي العام الدولي والغربي على الخصوص قد أصبح أكثر وعيا بحقيقة النزاع وطبيعة التوجه الإسرائيلي.