أخبار دوليةسلايدر

هل تؤكد سياسة الأرض المحروقة تخوّف إسرائيل من المواجهة البرية؟

الدار/ افتتاحية

أكثر من 2000 قتيل من الأطفال و3000 قتيل جلهم من النساء والشيوخ، هذه هي حصيلة العدوان الإسرائيلي على غزة الذي انطلق منذ 7 أكتوبر انتقاما لضحايا عملية طوفان الأقصى التي خططت لها ونفذتها حركة حماس. هذه الحصيلة الثقيلة جدا تؤكد بالملموس أن إسرائيل لا تمتلك في الوقت الراهن أيّ هامش للمناورة في صراعها مع حماس غير سياسة المجازر ضد المدنيين التي تسعى من خلالها إلى إثارة نقمة السكان في قطاع غزة ضد حركة حماس، وربما دفعهم نحو الثورة عليها ومحاولة التخلص من قياداتها للتخفيف من هول الحرب والحصار والتجويع الذي يتعرضون له.

سياسة الأرض المحروقة التي نهجتها الكثير من الأنظمة في مواجهة حركات المقاومة في فيتنام أو الصين أو أفغانستان تظهر بالملموس حالة العجز الكامل التي يعانيها الجيش الإسرائيلي في مواجهة المقاومين الفلسطينيين. وهي أيضا حالة ارتباك وتخوف واضحة من المواجهة البرية التي لا بد منها إذا أرادت إسرائيل فعلا أن تحقق أهدافها المتمثلة في استئصال حركة حماس وبنياتها وقياداتها. والذي يؤكد هذا الارتباك الإسرائيلي هو الحاجة الملحة إلى الدعم والتدخل الأمريكي. لقد أرسلت واشنطن بالأمس جنرالا وضباطا من الجيش لتقديم المشورة للقوات الإسرائيلية، كما قررت أن تعزز حضورها العسكري في الشرق الأوسط ترقبا لأي حاجة عاجلة لإسناد الجيش الإسرائيلي خلال العملية البرية التي يعتزم القيام بها.

والمجازر التي تُرتكب يوميا هي الإنجاز الوحيد الذي تريد من خلال حكومة نتنياهو إقناع الشارع الإسرائيلي أنها قادرة على سحق حماس والانتقام للقتلى وتحرير الأسرى. القيادة العسكرية الإسرائيلية تقول إن عمليات القصف المتواصلة تستهدف مراكز وتجمعات حركة حماس تمهيدا لعملية الاجتياح البري، لكن الحصيلة التي تسجلها المستشفيات في غزة تقتصر في الغالب على القتلى من المدنيين لا سيّما من الأطفال والنساء. في الوقت الراهن تحظى هذه المجازر بغطاء سياسي من القوى الغربية، لكن الرأي العام في هذه الدول بدأ يتململ والنقاش الدائر في وسائل الإعلام وبعض الأوساط الأكاديمية هناك بدأ يكشف ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الأنظمة الغربية مع القضية الفلسطينية.

صحيح أن الخسائر البشرية المسجلة كل يوم في غزة فادحة وتدمي القلوب، لكن هناك خسارة معنوية صارخة تحصدها إسرائيل كل يوم مع وفاة كل ضحية جديدة من المدنيين. صورة إسرائيل وسط الرأي العام العالمي والغربي على الخصوص تلطخت بصور الجرائم التي ترتكبها في هذا العدوان، والمبررات التي قُدمت في بداية هذا العدوان وحاولت تقديم حماس باعتبارها حركة شبيهة بتنظيم داعش سرعان ما فقدت فاعليتها الإعلامية بعد أن تجاوز الرد الإسرائيلي كل المستويات المعقولة. وسياسة الأرض المحروقة تحوّلت أيضا إلى سمعة محروقة قد تستهل إسرائيل مدى تأثيرها في الوقت الراهن، لكنّها من المؤكد أنها ستؤثر في موقعها وهامش تحركها ومناورتها الدولية في المستقبل.

وثمة عنصر آخر لا يقل أهمية يؤكد هذا التخوف الظاهر من مغامرة الاجتياح البري. إنه حالة التشتت المعنوي التي تخترق الجبهة الداخلية. لقد فقدت قيادة الجيش ثقتها في رئيس الحكومة بينيامين نتنياهو، ويبدو قرار الحرب الذي اتخذ بشراكة بين الفاعل السياسي والفاعل العسكري غير واضح الأبعاد والآفاق، وينعكس هذا الأمر بقوة على معنويات الجنود الإسرائيليين الذين سيُطلب منهم دخول مغامرة برية غير مأمونة العواقب في مواجهة مقاتلين يتدربون منذ سنوات من أجل هذه اللحظة. بعبارة أخرى تبدو الكفة المعنوية في الوقت الراهن لصالح حركة حماس على الرغم من كل ما فعلته إسرائيل منذ 7 أكتوبر على مستوى تمهيد ميدان العمليات العسكرية.

زر الذهاب إلى الأعلى