إضراب هوليوود.. سكوت، لن نصور!
بعد أن بدا أن الاقتصاد الأمريكي يجني ثمار الانتعاش الذي حققته هوليوود في الصيف الماضي، إلا أن إضراب كتاب السيناريو الذي أعقبه إضراب الممثلين قلب الأمور رأسا على عقب.
فقد عادت الإنتاجات السينمائية في هوليوود لتؤثث من جديد فضاءات دور السينما، لاسيما بفضل أفلام مثل “باربي” و”أوبنهايمر”. وتجمع الجمهور أمام دور السينما لمشاهدة العديد من الأفلام الناجحة.
هذا الإقبال الجماهيري كان خبرا سارا بالنسبة لدور السينما التي تعاني من صعوبات، والتي ما تزال ترزح تحت تبعات الأزمة الصحية الناجمة عن فيروس كورونا.
وقد دفع النجاح الذي حققه فيلما “باربي” و”أوبنهايمر” البعض إلى الحديث عن ظاهرة “باربنهايمر”، إذ حقق الفيلمان أكبر إيرادات في أسبوع واحد وذلك في التاريخ الممتد لـ103 أعوام، بحسب موقع “بوكس أوفيس برو”.
فقد تجاوزت إيرادات الشريط السينمائي “باربي”، للمخرجة غريتا غيروينغ، المليار دولار في شباك التذاكر في جميع أنحاء العالم، بعد ثلاثة أسابيع فقط من صدوره، مما يجعله واحدا من أكثر الأفلام ربحية على الإطلاق.
وساهم تدفق الشغوفين بالسينما في تحفيز الاقتصاد الأمريكي، إذ أظهر المستهلكون استعدادهم للإنفاق. وفي الولايات المتحدة، يعد الإنفاق الاستهلاكي محركا رئيسيا للنمو الاقتصادي، حيث يمثل حوالي 68 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
++ الأثر المالي للإضراب يتضح
هذا الانتعاش السينمائي بفضل الأفلام التي يتم إنتاجها في لوس أنجلوس يأتي في وقت مناسب للاقتصاد الأمريكي، إذ أثار ارتفاع أسعار الفائدة والتضخم مخاوف في صفوف المستثمرين بشأن ركود وشيك.
بيد أن الفوائد الكبرى التي جنتها الصناعة خلال الصيف الهوليوودي قابلتها ضربة موجعة وجهها إضراب الكتاب والممثلين.
فإذا كان كتاب السيناريو قد توصلوا إلى اتفاق مع استوديوهات هوليوود قبل شهر تقريبا، فإن الممثلين ما زالوا مضربين، ومنذ منتصف يوليوز، بدعوة من نقابة “SAG-AFTRA” القوية، التي تضم حوالي 160 ألف عضو.
الإضرابان اللذان خيما بظلالهما على سماء هوليوود كانا طويلي الأمد ومكلفين، وتجاوز أثرهما الاقتصادي الـ5 ملايير دولار، بحسب خبراء اقتصاديين. كما استشعرت قطاعات مثل المطاعم وشركات الخدمات ومتاجر الإكسسوارات بآثار الإضرابات واضطرت إلى تقليل عدد مستخدميها نتيجة لذلك.
وفي نيويورك، أدى إغلاق 11 من الإنتاجات الكبرى إلى خسارة بقيمة 1.3 مليار دولار و17 ألف وظيفة، وفقا لشركة “إمباير ستيت دفلومبنت”.
ولم تكن الصناعات في كاليفورنيا الوحيدة التي تأثرت، بل طال التأثير كذلك الصناعات في نيويورك وأتلانتا وألبوكيركي وبيتسبرغ، ومواقع أخرى للإنتاج السينمائي.
ترتب عن ذلك تأخر إطلاق العديد من الأفلام، لاسيما إنتاجات شركة “وورنر براذرز”. كما ساهم إلغاء عدد من العروض والبرامج التابعة ل”أمازون” في استفحال الخسائر.
في أعقاب الإضرابات، سارعت منصات البث إلى تعبئة شبكات برامجها بإنتاجات لا تتصل بالإضراب، من قبيل برامج تلفزيون الواقع والمسلسلات الدولية، وفي بعض الحالات، التظاهرات الرياضية والبث المباشر للأخبار.
وفي غياب اتفاق، فمن غير المرجح أن يتم استئناف إنتاج معظم الأفلام والبرامج التلفزيونية قبل نهاية العام.
هذا التأخير يمكن أن يكون له تأثير كبير على الصناعة بأكملها، مما يسائل جدوى عروض توزيع جوائز الربيع وإصدارات الأفلام في عام 2024.
العديد من الاستوديوهات شرعت، بالفعل، في سحب الأفلام من مواعيد إصدارات 2023 وفي تأخير باقي الإصدارات المبرمجة برسم سنة 2024.
++ زيادات الأجور، منصات البث، والذكاء الاصطناعي.. في صلب المفاوضات
يطالب الممثلون بزيادات في أجورهم، التي تراجعت في زمن منصات البث. كما يطالبون بمزيد من الشفافية من طرف هذه المنصات، التي لا تدفع لهم مقابلا، وبضمانات بشأن استخدام الذكاء الاصطناعي.
فنقطة الخلاف الرئيسية بين النقابة واستوديوهات هوليوود تتمثل في المبلغ الذي يجب أن يتقاضاه الممثلون عندما يتم تقديم عروضهم وأفلامهم عبر خدمات منصات البث المباشر.
كما أدى صعود “نتفليكس” وغيرها من شركات البث المباشر إلى تغيير الممارسات التجارية التي دامت لعقود، مما دفع بالعاملين في القطاع إلى التساؤل حول مدى تأقلم النموذج الهوليودي الحالي مع الوضع الراهن.
كما اتضح أن البث المباشر أقل ربحية بكثير مما كان متوقعا، مما دفع المستثمرين إلى تقليص الإنفاق. هذا الوضع تسبب في تزايد الضغط على العاملين، فيما يحتفظ الرؤساء التنفيذيون برواتب ضخمة.
كما تسبب النمو السريع لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي في حالة من الذعر بين كتاب السيناريو والممثلين، بشأن إمكانية استبدال أعمالهم أو نسخها بواسطة الآلات.
لا تقتصر نقابة ممثلي الشاشة- اتحاد فناني التلفزيون والإذاعة الأمريكيين على تمثيل ممثلي السينما والتلفزيون، بل تضم صحفيي التلفزيون وفناني الأداء المسرحي وفناني الأداء والعارضين والشخصيات الإذاعية وعارضي الأزياء.
++ مفاوضات معلقة
تسبب إعلان نقابة الممثلين واستوديوهات هوليوود، مؤخرا، عن تعليق المفاوضات، في تبديد الآمال بشأن التوصل قريبا إلى اتفاق بين الجانبين.
إذ اتهمت “SAG-AFTRA”، في بيان، استوديوهات هوليوود باستخدام “تكتيكات التخويف” في مفاوضاتها.
من جهته، أعلن تحالف منتجي السينما والتلفزيون تعليق المحادثات، معتبرا أن المفاوضات لم تعد تسير في اتجاه “مثمر”.
وقد حاولت استوديوهات هوليوود الصمود في وجه مطالب الممثلين، ولم تبد استعدادات لتقديم تنازلات.
++ بارقة أمل
لكن في مواجهة موجة التضامن التي أظهرها الممثلون، انتهى الأمر بتحالف منتجي السينما والتلفزيون إلى الإذعان والموافقة على استئناف المناقشات اليوم الثلاثاء.
وأبرزت نقابة الممثلين “بينما نحتفل بمرور 100 يوم على إضرابنا، يسعدنا أن نؤكد أن رؤساء الشركة طلبوا منا العودة إلى طاولة المفاوضات”.
وأضافت النقابة، في رسالة نشرتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أنه “سيتم استئناف المفاوضات الرسمية”.
الأضواء مسلطة على هذه الجولة الجديدة من المفاوضات، على أمل التوصل إلى اتفاق ينهي الإضراب. بارقة أمل بالنسبة للشغوفين بالفن السابع وللصناعة السينمائية.