كيف يمكن أن يؤثر عدّاد القتلى الإسرائيليين في مستقبل العدوان؟
الدار/ افتتاحية
من الواضح أن إسرائيل ما تزال واقعة تحت هوس الانتقام منذ أن دشنت عدوانها في 7 أكتوبر ردا على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة حماس. كل ما أنجزه الجيش الإسرائيلي إلى حد الساعة هو مئات المجازر التي استهدفت المدنيين الفلسطينيين، لا سيّما من الأطفال والنساء، وتدمير آلاف المباني والمربعات السكنية والمنشآت الحيوية. لم تستطع إسرائيل لحد الساعة لا توقيف قياديين من الصف الأول في حركة حماس أو اغتيالهم ولا أن تحرر الأسرى الذين تحتفظ بهم الحركة ولا أن توقف عمليات إطلاق الصواريخ التي تستهدف المدن الإسرائيلية. هذه الأهداف التي تعتبر جوهرية لتحقيق الهدف المعلن رسميا وهو القضاء على حركة حماس.
فاتورة الدماء الفلسطينية باهظة جدا بعد أن تجاوزت أعداد القتلى 8 آلاف. الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثي أيضا وينذر بالمزيد من المعاناة والخسائر البشرية. لكن على الرغم من هذا الضغط الرهيب الذي يعيشه سكان القطاع إلا أن الالتفاف حول المقاومة ما يزال شيئا يقض مضجع الإسرائيليين والأميركيين في الوقت نفسه. كيف يعقل أن يواصل سكان القطاع الإعلان عن صمودهم ومساندتهم للمقاومة حتى بعد فقدان الأطفال والآباء والأمهات وعائلات بأكملها؟ لقد كانت إسرائيل تراهن على دفع الغزاويين إلى الانقلاب على حماس بفعل هذا القصف المدمر الذي سيحول حياتهم إلى جحيم. لكن يبدو أن معركة كسر العظام متواصلة وأن الأثمان الباهظة التي يدفعها الفلسطينيون تقابلها أثمان أخرى لا تقل فداحة يدفعها الطرف الإسرائيلي في هذه المواجهة.
هذا يعني أن الصراع يتعلق أساسا بالقدرة على الصمود. من يستطيع من الطرفين أن يحافظ على صموده حتّى آخر لحظة من لحظات الحرب دون أن يعلن استسلامه؟ على هذا الصعيد تبدو خبرة الفلسطينيين وتجاربهم التاريخية مع الحروب والاعتداءات الإسرائيلية في صالحهم إلى حدود اللحظة. لكن بالنسبة إلى دولة قوية وغنية مثل إسرائيل تعوّد شعبها على العيش في مستويات عالية من الرخاء والرفاهية فإن الحرب بدمائها وتضحياتها وقتلاها وخسائرها البشرية والاقتصادية تعد اختبارا مؤلما للغاية. صحيح أن إسرائيل تعودت منذ زمن طويل أيضا على الصراعات مع الفلسطينيين ومع الجيران، ولها تجارب طويلة في هذا الميدان. لكن الوضع اليوم مختلف تماما. هذه حرب من نوع خاص. إنها ليست في مواجهة جيش نظامي على رقعة مفتوحة، بل هي ضد تنظيم مسلح يتقن فن الضرب ثم الاختفاء.
المجتمع الإسرائيلي الذي لم يلملم بعد جراح 7 أكتوبر ولم يستطع أن يستسيغ الهزيمة والخسارة الكبيرة التي تعرّض لها في ذلك اليوم، يتلقى الأنباء القادمة من جبهة غزة بمزيد من التوجس والحزن وربما اليأس أو الانهيار في مرحلة لاحقة. إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي اليوم عن مقتل 15 جنديا في المواجهات مع حماس في قطاع غزة يمثل صدمة جديدة للإسرائيليين تنضاف إلى صدمة 7 أكتوبر. وإذا كانت عائلات الأسرى تضغط على حكومة نتنياهو من أجل الإسراع إلى عقد صفقة تبادل حتى لو تطلب الأمر وقف إطلاق النار والإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين، فإن كل يوم إضافي يتورط فيه الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب سيزيد من هذه الضغوط بفعل تزايد أعداد القتلى.
سيكون إذاً لعدّاد القتلى الإسرائيليين دور أساسي في تحديد مدى استعداد إسرائيل السير قدما إلى أبعد الحدود في مواجهة حماس. فالنزيف البشري يمثل نقطة الضعف الكبيرة التي يمكن أن تشتت وحدة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لا سيّما أن الخلافات السياسية القائمة بين مكونات حكومة الحرب الحالية لا تحتاج إلا إلى قشة كي تفجر هذا التحالف الدموي. كلّما أعلنت القيادة الحربية الإسرائيلية عن قائمة القتلى من صفوف الجنود الإسرائيليين سيشكل ذلك طعنة جديدة فيما تبقى من قدرة المجتمع الإسرائيلي على المواجهة والصمود ومساندة استمرار خيار الحرب.