هل منعت إيران حزب الله من المشاركة خوفا من الحرب الإقليمية؟
الدار/ تحليل
يبدو أن الخطاب الذي ألقاه زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله كان بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل من أجل الإمعان في عدوانها الغاشم على قطاع غزة. مباشرة بعد انتهاء الخطاب قصف الطيران الحربي الإسرائيلي محيط مستشفى الشفاء وأصاب سيارات إسعاف كانت تقلّ عددا من الجرحى مما أدى إلى وقوع مجزرة جديدة أودت بحياة العشرات من الفلسطينيين. الغموض الذي شاب مواقف حسن نصر الله والتناقضات التي ظهرت في الكثير من تصريحاته أعطت انطباعا صريحا بأن الحزب لا يريد الانخراط في مغامرة عسكرية ضد إسرائيل خوفا من فداحة الردّ الإسرائيلي والأميركي على الرغم من كلّ التهديدات التي أطلقها زعيم حزب الله خلال هذا الخطاب.
ماذا يعني هذا النوع من المواقف في الوقت الراهن الذي تعرف فيه العملية العسكرية ضد غزة احتداما كبيرا؟ من الواضح أن حزب الله اللبناني وعلى الرغم من كلّ التهديدات التي أطلقها بدأ يفكر مليا في مصلحة لبنان وفي العواقب التي يمكن أن يؤدي إليها الدخول في مواجهة مفتوحة مع إسرائيل. هذه القراءة تفترض أن قرار حزب الله مستقل فعلا ويسمح له بتقدير المصالح والمخاطر واتخاذ الخطوة التي تناسبه وتناسب مستقبل لبنان واستقراره. لقد أصرّ حسن نصر الله خلال الخطاب على تأكيد استقلالية قرار المقاومة بناء على موقف إيران. لكننا نعلم جميعا أن هذا الحزب وغيره من التنظيمات التي تتبع لإيران في المنطقة مثل أنصار الله في اليمن والجماعات العراقية لا تمتلك فعلا سلطة القرار.
تردد حزب الله في إعلان قرار الحرب على إسرائيل ليس مصدره الضاحية الجنوبية لبيروت بل هو قرار قادم من طهران. الحوار السياسي والميداني والدبلوماسي الذي دار بين واشنطن وطهران منذ 7 أكتوبر بطرق مباشرة وأخرى غير معلنة أظهر أن الولايات المتحدة الأميركية كانت حازمة وصارمة عندما حاولت إخراج إيران من دائرة المسؤولية عن عملية طوفان الأقصى، وهي محاولة ذكية للغاية من أجل تحييد الفاعل الإيراني بمختلف أجنحته في المنطقة من هذه المعركة، التي تريد واشنطن أن تظل منحصرة بين إسرائيل وحماس لتجنّب احتمال تلقّي تل أبيب ضربة موجعة أخرى بعد تلك التي تلقتها في بداية هذه الحرب على يد مقاوميّ حركة حماس.
طهران تتخذ إلى حد الساعة موقفا حذرا للغاية وتأخذ تهديدات واشنطن وإسرائيل على محمل الجد، ولا ترغب في دخول مواجهة غير محسوبة العواقب قد تتلقى خلالها ضربة مؤلمة لا سيّما أنها ما تزال حريصة على إخفاء مشروعها النووي في أفق بلوغه أهدافه الرئيسية ونجاحه بشكل نهائي. هذا الموقف المتردد الذي أعلنه حزب الله اليوم قد يمثل منعطفا جديدا في مسار العملية العسكرية الدائرة حاليا في غزة، وقد يعطي دفعة جديدة للقيادة الإسرائيلية التي شعرت قبيل أيام قليلة فقط ببعض الارتباك مع اقتراب موعد خطاب حسن نصر الله، وتأثرت بعض الشيء بالحرب النفسية التي تخوضها حركة حماس ضدها.
لكن قد يكون لقرار حزب الله التريث في دخول المواجهة مع تل أبيب انعكاسات إيجابية مقابلة. فهناك وعي واضح لدى طهران على ما يبدو بأن الدعم الدولي لعملية إسرائيل العسكرية بدأ يتآكل لا سيّما مع تراكم المجازر في حق المدنيين واتساع الرأي العام المناهض للحرب في الكثير من القوى الغربية المساندة لإسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا. ولعلّ إيران ترغب في استثمار هذا الزخم الدبلوماسي الدولي المحرج لإسرائيل وواشنطن من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي الأولي الذي تحدث عنه حسن نصر الله وهو إيقاف العدوان على قطاع غزة، قبل الانتقال إلى الهدف الاستراتيجي الثاني وهو تسجيل انتصار حركة حماس.
أيّاً كانت دوافع حزب الله إذا أو أهدافه الظاهرة إلى هذه المرحلة من المعركة، فمن الواضح أن كل الأطراف تتوخى الحذر من إمكانية انزلاق الصراع نحو حرب إقليمية واسعة، قد تكون لها انعكاسات خطيرة على المدى المتوسط والبعيد. وربّما أدت إلى الدخول الفعلي في مرحلة جديدة من مراحل إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط وتشكيلها. لذا من المتوقع أن تنصب الجهود الدبلوماسية في الأيام القليلة المقبلة على وقف الحرب بناء على اتفاق مرحلي لنزع فتيل احتمال انفجار المنطقة بالكامل.