قصار القامة.. مريم تتحدث للدار عن صراع لإثباب الوجود
الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز
كثيرة هي الحالات الإنسانية التي تعيش بالمغرب، والتي تشكو عدم القدرة على تغطية التكاليف اليومية لانشغالات الحياة، أكثر من ذلك فهم يشكون غياب الولوجيات التي بوسعها أن تمكنهم من الحصول على الحقوق الأساسية، غير أن الأمر يشتد ضيقا ويصبح أدهى بكثير حينما يتعلق الأمر بذوي الاحتياجات الخاصة، خصوصا المرأة حيث تحتد الصعاب ويصبح من الصعب مسايرة الحياة. موقع "الدار" يقربكم من قصة مريم التي تحكي عن معاناتها مع الإعاقة.
مريمة أشخيشخ من مواليد 1989 تشكو إعاقة خلقية، كونها تعاني من قصر القامة، ومن ثم فإن الكرسي المتحرك هو الزاد الذي تعتد به أينما حلت وارتحلت، بل وتعتبره الرفيق في دربها الذي تصفه ب"المسدود وضيق الأفق".
عن طفولتها الاستثنائية تحدثنا مريم، وتقول إنها ملئية بالإكراهات التي لا يمكن إحصاؤها،خصوصا وأنها لم تدرس منذ المرحلة الابتدائية في مدرسة عادية إنما انضمت لتلك التي تخص الأطفال في وضعية إعاقة بمدينة الخميسات مسقط رأس مريم.
تقول مريم بكثير من الألم والحسرة، أنها في البداية لم تكن تفقه معنى يذكر لمفهوم الإعاقة، خصوصا وأنها لم تدرس إلى جانب الأطفال الذين يتمتعون بصحة جيدة، الأمر الذي جعل الإعاقة تترسخ في ذهنها على أنها الوضع الأصلي، أما الحالة الطبيعية فربما هو المبعث على الاستغراب والتساؤل.
غير أن الفترة التي وصفتها مريم بالعصيبة والعصية على النسيان، هي حينما تجاوزت المرحلة الابتدائية وانتقلت للمرحلة الإعدادية، حيث كانت مكرهة على مخالطة الناس الأصحاء، الأمر الذي كان بالنسبة لها في قمة الصعوبة، خصوصا وأنها لم تتمكن من الاندماج معهم لأنها ترعرعت في وسط مختلف، وفي هذه المرحلة بالذات، أدركت مريم أنها مجبرة على تقديم العديد من التنازلات حتى تسلم من الإكراهات، مشيرة أنها لم تضع في الحسبان يوما أنها ستضطر إلى التخلي عن دراستها لتظل سجينة البيت في انتظار المجهول، بعد أن كانت تحلم كباقي الفتيات بتكوين أسرة والحصول على وظيفة شريفة تعيل بها عائلتها وتحفظ بها كرامتها من سؤال الناس.
تقول مريم أن الاندماج مع التلاميذ لم يكن هو التحدي الذي حال دون متابعتها الدراسة، إنما المعاملة التي وصفتها بغير الإنسانية لأحد الأساتذة ما دفعها إلى اتخاذ قرار مغادرة الإعدادية، كونه أساء معاملتها في العديد من المرات فترك انطباعا سلبيا لديها، الأمر الذي انعكس على وضعيتها النفسية، وأثار استياء كبيرا في وسطها العائلي.
لحظة مغادرتها الإعدادية بعد حصولها على الشهادة الإعدادية، أدركت مريم أن الإنسان في وضعية صعبة لا يساوي شيئا في المجتمع المغربي، أكثر من ذلك يعتبر الحلقة الأضعف في النسيج الداخلي للمجتمع، كون النظرة الموجهة له تظل في جميع حالاتها سلبية وغير إنسانية، ما يحول دون مواكبة المخططات التي يرسمها الفرد الذي يعاني إكراها بدنيا في حياته في حياته.
المعاناة التي ألمت بها بلغت الخيال المنفلت عن الواقع، كونها تستعين بالمحسنين في سبيل سد الاحتياجات اليومية، مشيرة إلى أن تكاليف العلاج المكلفة وكذلك ثمن الكرسي المتحرك كان مساهمة من المحسنين الذين يمدون لها يد العون.
حاولت مريم مرارا البحث عن وظيفة لكن لا مستجيب لمطلبها، أكثر من ذلك ظلت معلقة الآمال على إنجاز مشروعها الخاص، غير أن الأمر كان يتطلب وجود رأسمال تنطلق به، لتجد نفسها مستسلمة للأمر الواقع، كما أنها حاولت تأسيس جمعية خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة، غير أن الأمر وكالعادة كان في حاجة للدعم والمساندة فلم يكلل بالنجاح… لتبقى المعاناة وتبقى مرم عنوانا عريضا لمعاناة أمثالها في مجتمعنا ويسائل القائمين على شؤون ذوي الإعاقة.