كلمة السيد رئيس الحكومة حول “سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والمجالية”
مجلس النواب، الإثنين 15 يوليوز 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
السيد رئيس مجلس النواب المحترم؛
السيدات والسادة الوزراء المحترمون؛
السيدات والسادة النواب المحترمون؛
يطيب لي في هذا الموعد الدستوري الهام الذي يأتي تطبيقا لأحكام الفصل 100 من الدستور، أن أشكر كافة مكونات هذا المجلس الموقر، على اختياركم “سياسة التعمير والسكنى وأثرها على الدينامية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والمجالية“ موضوعا لهذه الجلسة الشهرية.
وهو موضوع له خصوصيته وطابعه الخاص، في سياق التحولات الاقتصادية والاجتماعية والديمغرافية التي تعرفها المملكة، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
ولا تفوتني الفرصة للتأكيد على أن بلادنا راكمت منذ مطلع القرن العشرين، مكتسبات مهمة في مجال السياسات العمومية المرتبطة بالتعمير والإسكان إعداد التراب.
وهو تفوق مغربي نموذجي، يعكس بصدق العناية الخاصة التي يوليها صاحب الجلالة لهذا القطاع الحيوي.
حيث سبق لجلالته أن دعا في مضامين الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال المنتدى الوزاري العربي الثاني للإسكان والتنمية الحضرية المنعقد بالرباط سنة 2017، إلى “بلورة رؤية جماعية مشتركة، حول منظومة متكاملة لإعداد التراب، تقوم على الاستشراف، وتروم ترشيد استغلال المجال والموارد المتاحة، وتساهم في إعادة التوازن للشبكة الحضرية، وتقوية قدراتها على التكيف والتأقلم مع مختلف التحولات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية، مع العمل على تقليص الفجوة بين المجالات الحضرية والأحياء الهامشية والمناطق القروية“ (انتهى مضمون الرسالة الملكية).
ومن جهة أخرى، يلتقي هذا الموضوع مع إحدى الالتزامات الحقوقية التي نص عليها دستور المملكة لسنة 2011، لاسيما في فصله 31 الذي نص على أن “الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، تعمل على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في السكن اللائق…”.
لذلك، عكفت الحكومة منذ توليها المسؤولية على إصلاح القطاع الاستراتيجي للتعمير والإسكان ضمن منظومة الإصلاح الشامل للسياسات العمومية، أملته سياقات وطنية ترتبط بتوفير كل الإمكانات اللازمة لمواكبة التحولات الديمغرافية التي تعيشها بلادنا في السنوات الأخيرة.
والدفع قدما نحو إحداث قطيعة مع كل الاختلالات والنواقص التي كان يعيشها هذا القطاع، وتحمل المسؤولية السياسية الكاملة لإحداث التغيير المنشود في ميدان التعمير والإسكان.
حضرات السيدات والسادة،
إن إيمان الحكومة بأهمية قضايا التعمير والإسكان وأبعادها المتعددة على مسارات النمو الوطني والمجالي، جسد لدينا وعيا راسخا برهانات الانتقال نحو مجالات ترابية ومدن مستدامة، تتيح اغتنام الفرص الاجتماعية والاقتصادية المتاحة مستقبلا.
مع ما يقتضيه هذا التحول العمراني المتجدد، من خلق فضاءات سكنية متجانسة، تكون قادرة على مواجهة التحديات العمرانية الناشئة، وتأمين ولوج الساكنة إلى الخدمات الأساسية وتعزيز استقرارها.
وفي هذا الإطار، سارعت الحكومة إلى إطلاق الحوار الوطني للتعمير والإسكان في شتنبر 2022، من أجل التأسيس لمقاربة موحدة وتشاركية، ترتكز على الرؤية المتبصرة لجلالة الملك حفظه الله، وتدمج مختلف الفاعلين والشركاء.
وذلك بهدف رفع التحديات المطروحة في هذا المجال، مع استشراف إمكانيات التأهيل المجالي والحضري وجعل المجالات السكنية منصات ملائمة للالتقائية القطاعية والتدخلات العمومية، وحافزا لخلق الثروة واستدامة الموارد.
ولا شك كذلك أن اللقاءات التشاورية على الصعيد الجهوي، شكلت فرصة مهمة لتبادل الآراء والأفكار وفتح النقاش حول مستقبل التخطيط العمراني ببلادنا، وجعل التعمير والإسكان فضاءات حقيقية لكسب الرهان الاجتماعي والاقتصادي في سياق وطني ودولي يعرف تحولات عميقة للمجالات الحضرية والقروية على حد سواء.
كما أبرزت مخرجات اللقاءات الجهوية للتعمير والإسكان ضرورة تحيين منظومة التخطيط الترابي من خلال مراجعة الإطار القانوني المنظم لمسطرة الإعداد والمصادقة على وثائق التعمير.
بالإضافة إلى تعزيز آليات تبسيط مساطر دراسة ومنح مختلف رخص التعمير، واعتماد مخاطب جهوي لمواكبة ورش الجهوية المتقدمة وتفعيل الميثاق الجديد للاستثمار.
حضرات السيدات والسادة،
لا جدال اليوم، في أن شروع الحكومة في اعتماد تصور مبتكر للتعمير وما يرتبط به من قضايا أساسية، سيسمح لنا بتجويد مقاربات التخطيط الحضري وتحسين إطارات العيش والتدبير المستدام للوعاء العقاري، بما يحقق التكامل الاجتماعي والوظيفي للمجالات الترابية.
كما أن هذا التصور الغني من حيث مضامينه وأبعاده الاستراتيجية، ينطلق بدون شك من صلب القناعات الحكومية، التي تهدف إلى تشكيل أقطاب ترابية تنموية حقيقية، كدعامة للتنمية البشرية والارتقاء الاجتماعي وكشريك أساسي للدولة.
سواء من خلال النجاح في وضع رؤية استشرافية وشاملة لإعداد التراب الوطني ودعم المشاريع المندمجة لتنمية العالم القروي، والتأسيس لجيل جديد من وثائق التعمير التي تروم وضع تدبير حضري متجدد.
أو عبر مواكبة الحاجيات الوطنية في مجال السكن، والتي تستهدف تعزيز برامج السكن ومعالجة مجموع الاختلالات التي يعرفها السكن غير اللائق، فضلا عن التنزيل المحكم لبرنامج الدعم المباشر للسكن وفق التوجيهات الملكية السامية.
دون إغفال التدابير المتخذة لإعادة إعمار المناطق المتضررة جراء زلزال الحوز، باعتباره حدثا استثنائيا شهدته بلادنا، والذي تطلب تعبئة استثنائية لجميع القطاعات المعنية خلف جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.
وذلك من أجل تجاوز مخلفات هذه الفاجعة الطبيعية والمساهمة في استرجاع شروط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لفائدة الأسر بالمناطق المتضررة.
إذ بعد انعقاد 10 اجتماعات للجنة البين–وزارية المكلفة ببرنامج إعادة البناء والتأهيل العام للمناطق المتضررة من زلزال الحوز، فقد استفادت أزيد من 56.000 أسرة من الدعم المخصص لإعادة بناء وتأهيل منازلها المتضررة بنسبة إنجاز تبلغ 95%، وبغلاف إجمالي ناهز 1,4 مليار درهم.
في حين بلغ عدد رخص البناء الممنوحة للأسر المستهدفة أزيد من 53.000 رخصة بنسبة 90% من الساكنة التي تم إحصاؤها، بكل من أقاليم الحوز، شيشاوة، مراكش، تارودانت، أزيلال وورزازات.
في سياق متصل، لابد من الإشارة إلى أن قطاع إعداد التراب الوطني يشهد تحولا نوعيا، من خلال تفعيل التخطيط الاستراتيجي الترابي، الذي شمل بشكل رئيسي تقديم الدعم التقني والمالي لإنجاز 12 تصميما جهويا لإعداد التراب، إذ تم الانتهاء من إنجاز 6 تصاميم جهوية ما قبل يونيو 2021 و5 تصاميم جهوية أخرى في السنتين والنصف الأخيرة.
أما على مستوى محور التعمير، فإنه ينبغي التنويه بما تحقق في هذا المجال، حيث تم التأسيس لجيل جديد من وثائق التعمير، عبر التمكن من المصادقة على مجموعة من الوثائق التعميرية، تشمل تصاميم التهيئة وتصاميم نمو التكتلات القروية ومخطط توجيه التهيئة العمرانية وبرمجة المناطق الاستراتيجية.
حضرات السيدات والسادة،
إن الملامح العامة لهذا التوجه الحكومي، لا تخلو من أبعاد استراتيجية في مجال السكن وسياسة المدينة، حيث حرصت الحكومة في إطار تنزيل الإرادة الملكية السامية، على تعزيز قدرة المواطنين في الولوج إلى سكن لائق، وضمان فضاءات عيش كريمة لصالح الأسرة المغربية.
فتنفيذا للرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، أطلقت الحكومة مع بداية هذه السنة برنامجا طموحا لدعم السكن وتيسير سبل حصول المواطنين على سكن جيد.
وسيمكن هذا البرنامج الملكي من تسهيل عملية ولوج الطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود والطبقة المتوسطة إلى سكن يلبي حاجياتها المعيشية ويحفظ كرامتها وحقوقها.
كما يروم الرفع من العرض السكني إعطاء دفعة قوية للقطاع الخاص، وتحفيز المقاولات الصغرى والمتوسطة وخلق فرص الشغل.
ولا شك أن هذا البرنامج منذ إطلاقه في بداية هذه السنة حقق نتائج جد مهمة فاقت التوقعات المنتظرة، كما لقي إقبالا كبيرا من طرف المغاربة داخل وخارج أرض الوطن، وهو ما تعكسه بوضوح الحصيلة الإيجابية التي أبان عنها.
فإلى غاية صباح اليوم 15 يوليوز 2024، بلغت عدد الطلبات الواردة على المنصة المخصصة للدعم ما مجموعه 84.500 طلب استفادة. كما استفاد إلى غاية نفس التاريخ أزيد من 17.000 مستفيد، 44% منهم نساء، و22% منهم مغاربة مقيمون بالخارج.
كما بلغت قيمة المساكن التي تم اقتناؤها 6,3 مليار درهم، بمساهمة إجمالية للدولة تصل إلى 1,3 مليار درهم.
وبالموازاة مع هذه الطفرة المحققة، سجل قطاع التعمير والإسكان مؤشرات مهمة منذ انطلاق هذا البرنامج الملكي، حيث ارتفعت عدد المشاريع المرخص لها بنسبة 16%، وارتفاع القيمة المضافة لقطاع البناء بــ 2.5% خلال الربع الأول من سنة 2024، وارتفاع القروض الموجهة للسكن بنسبة 1.5%، والزيادة في القروض الموجهة للمنعشين العقاريين بقيمة 3.8%.
وبالموازاة مع هذا البرنامج الملكي الطموح، تواصل الحكومة تعزيز الأوراش والتدخلات العمومية لمعالجة ظاهرة السكن غير اللائق والتسريع من وتيرة استكمال برنامج “مدن بدون صفيح“. بهدف خلق مجالات حضرية عادلة ومستدامة وتحفيزية، في احترام تام للخصوصيات المعمارية والجمالية للمدن المغربية.
وتعتزم الحكومة تنزيل برنامج خماسي للفترة 2024-2028 لتسريع وتيرة محاربة السكن غير اللائق والقضاء على دور الصفيح بشكل نهائي لفائدة 120.000 أسرة مستهدفة، وهو برنامج يقوم على أساس الدعم المباشر كآلية مالية محفزة لمعالجة السكن الصفيحي، ومواصلة العمل بمقاربة إعادة الإسكان وتعبئة الوحدات العقارية في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وتجدر الإشارة إلى أن برنامج “مدن بدون صفيح“، الذي كلف خزينة الدولة ميزانية إجمالية تناهز 45,7 مليار درهم، ساهم منذ انطلاقه في تحسين ظروف عيش أكثر من 347.000 أسرة بنسبة معالجة بلغت 75%.
كما ينبغي التأكيد هنا، على أن 61 مدينة مغربية أصبحت بدون صفيح، كل ذلك بفضل اعتماد مقاربة منسجمة، أثبتت فعاليتها في القضاء على المدن الصفيحية في عدد من الحواضر الكبرى.
ولا تفوتني الفرصة للتأكيد على المجهودات المضاعفة التي تبذلها الحكومة، لتنزيل الآثار المنتظرة من هذا البرنامج الملكي ذي الأبعاد الاجتماعية، حيث عملنا خلال هذه الولاية على تسريع وتيرة تحسين ظروف سكن حوالي 44.000 أسرة.
حيث ارتفع المعدل السنوي للإنجاز من 6.200 أسرة مستهدفة في الفترة 2018-2021، إلى أكثر من 18.000 أسرة سنويا خلال السنتين الماضيتين أي بحوالي ثلاثة أضعاف، مع مضاعفة وتيرة الإنجاز خاصة بالمناطق والتجمعات الحضرية الكبرى كالدار البيضاء، مراكش، تمارة الصخيرات وسلا.
وذلك بالموازاة مع مضاعفة التدخلات الهادفة للحد من ظاهرة تزايد دور الصفيح، والتي تراجعت وتيرة انتشارها خلال السنتين ونصف الماضيتين بنسبة -48%، حيث انتقل معدل التزايد من 10.400 أسرة سنويا ما بين 2012-2021 إلى أقل من 6.500 أسرة سنويا خلال الولاية الحكومية الحالية.
وأغتنم فرصة المرور أمامكم حضرات السيدات والسادة، للتنويه بالمجهودات المبذولة من طرف مصالح وزارة الداخلية والإدارة الترابية، وعلى رأسهم السادة الولاة والعمال، للحد من هذه الظاهرة، وكبح كل مظاهر الهشاشة والفقر داخل المجالات الحضرية والقروية.
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
في إطار العناية المولوية السامية التي يوليها صاحب الجلالة للمدن العتيقة، باعتبارها تراثا ماديا وإنسانيا للمملكة، عملت الحكومة على مواصلة وتسريع إنجاز برامج تثمين ورد الاعتبار للمدن العتيقة، وذلك للحفاظ على النسيج العمراني العتيق، ومعالجة الاختلالات الهيكلية.
وفي هذا الصدد، فقد تم التدخل على مستوى 21 مدينة عتيقة بالمملكة بكلفة إجمالية تقدر بحوالي 7.9 مليار درهم.
ومن جهة أخرى تمت مواصلة تنزيل برنامج التثمين المستدام للقصبات والقصور، حيث تميزت سنة 2023 باتخاذ مجموعة من الإجراءات ذات الأثر المباشر على حماية القصور والقصبات في المناطق المستهدفة من خلال إتمام أشغال الترميم ورد الاعتبار داخل 4 قصور، ليصل مجموع القصور المرممة 18 قصر من أصل 22، لفائدة قرابة 18.500 نسمة.
وفي نفس السياق، تواصل الحكومة هذه الرؤية الوطنية الطموحة، عبر تفعيل برنامج عمل سنة 2024 الذي يتضمن بالأساس إتمام أشغال الترميم ورد الاعتبار داخل القصور النموذجية المتبقية، والبلورة الفعلية لبرنامج التثمين المستدام للقصور والقصبات على امتداد سنوات 2024-2028، من خلال التوقيع على أولى اتفاقيات الشراكة مع مختلف الفاعلين المعنيين، وتزويده بإطار قانوني يتلاءم والطبيعة الخاصة لعمليات الترميم والبناء باستعمال المواد المحلية.
كما لا يخفى عليكم حجم المشاكل التي تطرحها إشكالية المباني الآيلة للسقوط داخل المدن العتيقة، والتي أصبحت تهدد النسيج العمراني وجمالية المشهد الحضري وتمس في نفس الوقت بأمن وسلامة المواطنين.
فمنذ إنجاز الإحصاء الرسمي للدور الآيلة للسقوط سنة 2012، تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات التي تهدف إلى معالجة وضعية ما يقارب 43.000 بناية، يقطنها أزيد من 75.600 أسرة، بكلفة إجمالية ناهزت 8,11 مليار درهم، منها 2,2 مليار درهم كمساهمة للدولة.
وإلى نهاية سنة 2023 تمت معالجة ما يفوق 18.000 بناية، وتحسين ظروف سكن ما يقارب 47.000 أسرة من أصل أزيد من 75.000 أسرة معنية، بنسبة إنجاز بلغت 62%.
وللمزيد من الفعالية في مواجهة هذه الظاهرة، يجدر التنويه بالإمكانيات المادية والبشرية التي رصدتها الوزارة المعنية للوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط، لتمكينها من مواصلة عمليات تفعيل النظام المعلوماتي–الجغرافي لقاعدة بيانات الرصد والمراقبة على الصعيد الوطني، حيث تمكنت من خلاله سنة 2023 من جرد أزيد من 57.000 بناية مهددة بالانهيار، وإنجاز الخبرة التقنية لأزيد من 47.000 بناية خاصة في المدن المغربية العتيقة.
حضرات السيدات والسادة،
إن التصور العام للمجال الحضري في شموليته يتطلب تظافر جهود جميع الأطراف المعنية، بغية هيكلة سياسة واضحة للمدينة المغربية، كهندسة ترابية تهدف إلى تحقيق تنمية متوازنة للمجالات الحضرية وتنمية ضواحيها.
وفي هذا الصدد، قامت الحكومة باستكمال ورش سياسة المدينة ودعم التنمية المجالية بأهدافه الاستراتيجية عبر مضاعفة الجهود في الوسط القروي لتصل نسبة الالتزامات المخصصة لتهيئة وتنمية المراكز القروية إلى 36% من مجموع الاستثمار الذي تمت تعبئته من طرف الوزارة الوصية خلال الولاية الحكومية الحالية.
حيث تم استهداف 324 جماعة ترابية ذات طابع قروي عبر التراب الوطني ستمكن من فك العزلة عن هذه المجالات، وتحسين الولوج للمرافق الأساسية والخدمات الأولية والتنقل لفائدة المواطنين القاطنين بها.
وفيما يخص الوسط الحضري، فقد بلغ حجم الاستثمار الإجمالي، خلال نفس الفترة، أكثر من 11 مليار درهم، موجه لتأهيل 37 مدينة، وإدماج الأحياء ناقصة التجهيز والهامشية في نسيجها الحضري.
السيدات والسادة النواب المحترمون،
إن تطلعات الرؤية الحكومية في مجال التعمير الذي نحن بصدد مناقشته اليوم، تتوخى في جوهرها تحسين العرض الترابي الموجه للاستثمار، وجعله بمثابة قاعدة اقتصادية متعددة الوظائف وبأرضيات استثمارية مهمة.
حيث أن السياسات العمومية الكبرى، المرتبطة بقضايا الاستثمار وورش الدولة الاجتماعية وتقليص التفاوتات المجالية، وإنجاح التظاهرات الدولية المستقبلية التي تعتزم بلادنا تنظيمها على غرار كأس العالم 2030، تحتاج تملكا مسبقا لمخططات مبتكرة لإعداد التراب.
لذلك أسست الحكومة منذ الشهور الأولى لهذه الولاية، مقاربة تدبيرية وإصلاحية واضحة المعالم، أولت من خلالها اهتماما غير مسبوق لقضايا العقار، عبر إدماجه بشكل إيجابي ضمن الأبعاد الرئيسية لمنظومة إنعاش الاقتصاد الوطني باعتباره لبنة أساسية.
وفي هذا الصدد، عملت الحكومة على التأسيس لجيل جديد من وثائق التعمير، حيث تم رفع حصة العروض العقارية الموجهة للاستثمار، عبر إصدار 26 مخطط توجيه التهيئة العمرانية، و07 مخططات تمت إحالتها لمرحلة التأشير.
كما نتشرف اليوم بالوتيرة غير المسبوقة لنسبة تعميم وثائق التعمير، حيث أنه خلال الفترة الممتدة بين أكتوبر 2021 إلى يونيو 2024، تمت المصادقة على:
- 275 وثيقة تعميرية، منها مخطط التهيئة العمرانية لسهل “كرت” بإقليم الدريوش،
- و195 تصميم تهيئة منها 37 خاصة بالمدن الكبرى و79 تصميم خاص بنمو التكتلات القروية.
إضافة إلى إصدار ضوابط تهيئة جديدة، نتوخى من خلالها بلوغ تغطية ما مجموعه 1.289 جماعة ترابية من أصل 1.503 (إجمالي عدد الجماعات بالمغرب).
وهي مقاربة متكاملة، تتوخى من خلالها الحكومة جعل العقار بوابة ملائمة لتعزيز حكامة الاستثمار العمومي والنهوض بمردوديته، ورافعة محورية تحرص على تحسين التوزيع الجغرافي للتدخلات العمومية وتطوير فعاليتها القطاعية.
في المقابل، يرتقب أن يشكل التدبير الأمثل للأنظمة العقارية ببلادنا، ورفع مختلف التحديات المتعلقة بدينامية إعداد التراب، مداخل حاسمة لمواكبة سياسة الدولة في مجال الاستثمار الخاص وتحسين ريادة الأعمال.
حيث أن تنزيل ميثاق الاستثمار الجديد، بامتداداته الترابية والقطاعية الواعدة، التي تشمل كل جهات المملكة. يبقى رهينا بقدرة المجالات الترابية المستهدفة على توطين فعلي ومندمج لهذا التحول التنموي الكبير، من أجل كسب رهاناته التنموية وآثاره الاقتصادية.
وفي سياق يتسم بتزايد تنافسية المجالات وقدرتها على استقطاب الاستثمارات، وفي ظل التحديات المستقبلية المرتبطة بالاستجابة للحاجيات المتزايدة التي تفرضها التنمية والتحولات الراهنة، تبذل بلادنا جهودا حثيثة لجعل بيئتها الاستثمارية أكثر جاذبية من خلال توحيد الإجراءات وتبسيط المساطر، واتخاذ تدابير تحفيزية لفائدة المستثمرين وتقديم المزيد من الدعم لهم.
وفي هذا الصدد، واعتبارا للدور الحاسم الذي يضطلع به التعمير في هذا الورش الكبير، أطلقت الحكومة عملية إصلاح كبيرة تروم تشجيع الاستثمار وتحسين مناخ الأعمال من خلال:
- حل إشكالات الملفات الاستثمارية وإعادة دراسة أزيد من 16.000 من المشاريع التي لم تحض بالرأي الموافق، مما مكن من الموافقة على ما يناهز 5.140 منها بمبلغ استثماري يقارب 34,5 مليار درهم، ستمكن من خلق أزيد من 62.000 منصب شغل؛
- وتوفيرالمواكبةالتقنيةللفاعلينالاقتصاديينوالمهنيينعبروضعنافذةخاصةبالمستثمرينوتعميمالنشرالإلكترونيللعروضالترابيةالموجهةللاستثمارحسبطبيعتها.
حضرات السيدات والسادة،
إن مختلف الأدوار الطلائعية التي تكتسيها منظومة التعمير ببلادنا، جعلتها في مقدمة أولويات الحكومة، بالنظر لما تكتسيه من إمكانيات مهمة للتأهيل الاقتصادي ولكونها منطلقا للمبادرات والسياسات الاجتماعية الطموحة.
فالمكانة المتميزة التي يشغلها العقار والتخطيط الترابي المحكم، من شأنها أن تؤهله ليكون قاطرة حقيقية لمواجهة الإشكالات الظرفية الراهنة والمستقبلية، وفي مقدمتها قضايا السيادة الوطنية، لاسيما تلك المرتبطة بتحقيق الأمن الغذائي والمائي والصناعي.
حيث عملنا على توسيع وإعادة تأهيل مناطق التسريع الصناعي والمناطق الصناعية ومناطق الأنشطة الاقتصادية والتجارية، عبر تعبئة أوعية عقارية مهمة ستسهم في تدفق اتفاقيات الاستثمار الصناعي.
كما استطعنا ولله الحمد توفير رصيد عقاري مهم لإنجاز مجموعة من المشاريع المائية الكبرى كمحطات تحلية مياه البحر والربط بين الأحواض المائية، فضلا عن توسيع شبكات الدوائر السقوية ومياه الشرب.
أما بخصوص تغيير النموذج الطاقي الوطني، وتفعيل “عرض المغرب” المتعلق بتطوير الهيدروجين الأخضر وفق الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة نصره الله، فقد جعلت الحكومة من العقار المدخل الرئيسي لتنمية هذا المجال.
حيث تمت تعبئة ما يناهز مليون هكتار من الأوعية العقارية ذات المؤهلات العالية، لاستقبال ومواكبة مختلف المشاريع المندرجة ضمن هذا الورش الملكي الذي سيعزز من تنافسية بلادنا في هذا المجال الحيوي.
ومن المتوقع أن يستفيد النسيج المقاولاتي في قطاع البناء والإنعاش العقاري، من مختلف الإجراءات التحفيزية المتخذة في مجال الإسكان والتعمير ببلادنا، ويحقق بالتالي تحسنا ملحوظا. بفعل مجموع البرامج الطموحة التي وضعتها الحكومة.
وهو ما سيمكن المقاولة العقارية من استرجاع جاذبيتها وخلق فرص عمل جديدة. مع تذليل العقبات أمام المستثمرين والمنعشين العقاريين تشجيعا للاستثمار وتسريع المشاريع السكنية.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة باشرت مجموعة من الإجراءات الاستباقية لتحفيز المستثمرين. حيث تمكنت من تبسيط 22 مسطرة الأكثر تداولا، عبر تقليص عدد الوثائق المطلوبة في عمليات الاستثمار بنسبة 45% منها:
- منها 50 % تهم تعبئة العقار.
- 33% تخص رخص البناء.
- و45% من الوثائق المطلوبة في إطار تراخيص الاستغلال.
- الأمر الذي انعكس إيجابا على تسريع عقود ومسارات الاستثمار.
وتنفيذا للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تبسيط المساطر، وتمكين المواطنين في الاستفادة من المرفق العام بالسرعة والفعالية المطلوبة، عملنا على إصدار قرار مشترك بين وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب والتعمير والإسكان وسياسة المدينة.
والذي بموجبه، تم تحديد الآجال اللازمة لمعالجة ملفات الحصول على رخص التعمير وتسليمها، حيث تم تحديد آجال 30 يوما لمعالجة ملفات رخص التجزئات العقارية والمجموعات السكنية وتقسيم العقارات، كما تم تحديد آجال 15 يوما لرخص البناء المتعلقة بالمشاريع الصغرى.
والتأكيد على أن سكوت الإدارة فيما يتعلق بملفات ورخص التعمير التي تسلمها الجماعات الترابية يعتبر بمثابة موافقة رسمية، وذلك بعد انقضاء الآجال المحددة.
السيد الرئيس المحترم،
حضرات السيدات والسادة،
نظرا لما يشكله البعد التشريعي والتنظيمي في تعضيد لبنات هذا القطاع، فقد أولت الحكومة للمواكبة القانونية والمؤسساتية أهميتها المستحقة.
فتفعيلا لجلسة العمل المخصصة للإسكان والتعمير التي ترأسها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، بالقصر الملكي بالرباط يوم 17 أكتوبر 2023، تتجه الحكومة نحو إحداث وكالات جهوية للتعمير والإسكان، كمؤسسات فاعلة لمواكبة الجهوية المتقدمة في مجالي التخطيط والتدبير على المستوى الجهوي.
حيث نتوخى من خلال هذا المشروع ضمان تناسق مختلف مستويات التخطيط الترابي والارتقاء بالوكالات الحضرية لجعلها قطبا للخبرات والإسهام في إنعاش قطاع التعمير والإسكان.
وعلى صعيد أخر، فإن الإكراهات والتحولات المتلاحقة التي يعرفها الوسط القروي في مجال تدبير العقار ورخص البناء، فرضت على الحكومة اتخاذ جملة من الإجراءات والتدابير، في مقدمتها إصدار الدورية المشتركة بين وزارة الداخلية ووزارة إعداد التراب والتعمير والإسكان وسياسة المدينة.
حيث ستمكن هذه الوثيقة من تبسيط مسطرة الترخيص بالبناء في العالم القروي، وإحداث لجان إقليمية تحت إشراف السادة الولاة والعمال لتحديد المدارات والدواوير.
وفي نفس الوقت الالتزام بالمقتضيات القانونية المتعلقة بتبسيط المساطر الإدارية، والاكتفاء بالوثائق الضرورية لملفات الرخص، والتعامل مع طلبات البناء في العالم القروي بالمرونة الكافية وتقديم كافة التسهيلات للمواطنين.
وقد مكنت هذه الدورية، من تحديد مدار 1.341 دوار يغطي مساحة 21.161 هكتار لفائدة 559.198 نسمة في ظرف سنة واحدة، مقارنة مع 975 دوار تم تحديده طيلة المدة الجارية قبل استصدار الدورية. إضافة إلى الشروع في تحديد ما يناهز 439 دوار بمساحة 7.796 هكتار لفائدة 235.448 نسمة.
كما أنه خلال الست أشهر الأولى لسنة 2024 تم عقد 259 اجتماعا للجنة الإدارية تم خلالها دراسة 700 مشروع حاز منها 393 مشروع على الرأي الموافق.
وإذا كانت حصيلة قطاع الإسكان والتعمير قد حققت خلال السنتين الماضيتين نتائج إيجابية تبعث على الارتياح، فإنه لابد من الإشادة بالعمل المتكامل والاستشرافي الذي أنجزته كافة القطاعات المعنية، وفي مقدمتها العمل الجبار لوزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة التي تقودها كفاءة وطنية عالية، بمعية خيرة الأطر الإدارية على المستوى المركزي والترابي.
كما لا يفوتني التنويه بالمجهودات المتميزة التي يبذلها كل الفاعلين المجاليين، من إدارة ترابية ومجالس جهوية ومحلية ومنتخبين، وبانخراطهم الفعال في إنجاح مختلف جوانب هذا الورش الوطني ذي الأبعاد الاستراتيجية.
السيد الرئيس المحترم،
السيدات والسادة النواب المحترمون،
أود في ختام هذه المداخلة، أن أؤكد أمامكم على أن مباشرة الإصلاح العميق لقطاع التعمير والإسكان وسياسة المدينة، نريد من خلاله تجاوز مظاهر القصور التدبيرية السابقة.
كما جعلنا من الرؤية الحكومية لمنظومة التعمير والإسكان، محطة مفصلية لكسب رهانات الدولة الاجتماعية في شموليتها بما يضمن تكافؤ الفرص وتحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية في الولوج إلى سكن يليق بالمغاربة ويحفظ كرامتهم.
وإذا كانت بلادنا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك نصره الله، قطعت أشواطا مهمة في مسار دعم السكن ومحاربة كل أشكال السكن غير اللائق في المدن والقرى المغربية، فإننا اليوم مطالبون أكثر من أي وقت مضى، بمضاعفة الجهود وتوحيد الرؤى لكسب الرهانات المستقبلية التي تنتظرنا جميعا على غرار كأس إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030.
ما يجعل المملكة مثالا يحتذى به ضمن الأقطاب الدولية والإقليمية التي تنتقل إلى مصاف الدول المتقدمة، وهو طموح مغربي مشروع مستعدون للوصول إليه وتكريسه خلال هذه الولاية الحكومية تحت القيادة الرشيدة للملك محمد السادس نصره الله وأيده.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته