ما دلالات توظيف النظام الجزائري لمحتجزي تندوف في الانتخابات الرئاسية الجزائرية؟
الدار/ تحليل
ما الذي يعنيه تصويت جزء كبير من سكان مخيمات تندوف في الانتخابات الرئاسية الجزائرية؟ وفقاً لتصريح أدلى به المسؤول الأمني السابق في البوليساريو مصطفى ولد سيدي مولود لموقع إخباري فإن ثلثي سكان المخيمات يحملون الجنسية الجزائرية، ويشاركون في الانتخابات المحلية. هذا يعني أننا أمام اعتراف جزائري صريح بأن منطقة تندوف التي تقع في الصحراء الشرقية جزء لا يتجزأ في الحقيقة من المغرب وأنها اقتطعت بفعل تدخل الاستعمار الفرنسي وتواطئ بعض القوى الأخرى، كي تصبح جزء من الأراضي الجزائرية ظلما وعدوانا. جانب كبير من هؤلاء السكان الذي يحملون الجنسية الجزائرية هم في الأصل من قبيلة الركيبات الرئيسية في أقاليمنا الجنوبية.
يعيد هذا التصريح في الواقع التذكير بالظلم التاريخي الذي تعرّضت إليه بلادنا من الاستعمار والجيران على حد سواء. عندما كان المغرب يتفاوض من أجل استقلاله في إكس ليبان تعمدت القوة الاستعمارية الفرنسية ترك مسألة الحدود الشرقية مبهمة وخارج نطاق المفاوضات، وثمة رواية تاريخية أخرى تدعي أن الوفد المغربي فضل عدم مناقشة هذا الموضوع إيمانا منه بأن المسألة الحدودية ستحل لاحقا بين السلطات المغربية والجزائرية وفقاً لقواعد الأخوة والتضامن والارتباط بين البلدين. لكن للأسف لم تتأخر السلطات الفرنسية عن تنفيذ أكبر عملية سطو في القرن العشرين على أراضي مملكة كانت تصل إلى حدود السنغال جنوبا ومنتصف الأراضي الجزائرية شرقا. ولم يظهر النظام الجزائري الذي ظهر بعد الاستقلال سنة 1962 أيّ عرفان أو امتنان للدعم الذي حظي من المغرب وكشف بسرعة عن عدائه وحقده.
منح السلطات الجزائرية الجنسية لهؤلاء المواطنين المحتجزين وتمتيعهم بحق التصويت ينطوي على محاولة واضحة لتزييف الحقيقة وتضليل الرأي العام. لكنها تكشف في الحقيقة إشارة لا واعية من هذا النظام إلى أن سكان مناطق تندوف يمثلون في الحقيقة حالة شاذة داخل التراب الجزائري. من جهة يحاول النظام العسكري الترويج إلى أنهم مجرد لاجئين ينتظرون حقهم في العودة إلى أراضيهم في الصحراء المغربية، ويوهمهم بمشروع كاذب حول دويلة وهمية. ومن جهة ثانية يمنح غالبيتهم حق التصويت في الانتخابات ويعطيهم جوازات سفر جزائرية. تثير هذه المفارقة الصارخة في سلوك النظام الجزائري السؤال التالي: هل يعتبر هذا النظام المواطنين المحتجزين في تندوف صحراويين يجب أن يعودوا إلى أراضيهم أم جزائريين يعيشون في أراضي اقتطعتها فرنسا من المغرب؟
إذا كان هؤلاء المواطنون صحراويين لا علاقة لهم بالجزائر، فلماذا يمنحهم هذا النظام الجنسية والجواز وحق التصويت؟ من المفروض ألّا يتمتعوا بهذه المزايا التي يتمتع بها المواطن الجزائري وفقا لما تنص عليه القوانين والدستور، إذا كان هناك قانون أو دستور فعلي في البلاد. وإذا كان يعتبرهم جزائريين فلماذا يوظفهم كورقة سياسية في مشروع انفصالي بعيد عنهم؟ لا يستطيع النظام الجزائري ولا سيّما في المرحلة الحالية الإجابة عن هذه المفارقات، وتقديم المبررات للشعب الجزائري، لأنه يعيش حالة ارتباك واضحة في تدبير هذه المعضلة. أولا يدرك النظام العسكري في الجزائر الوضع الشاذ لمنطقة تندوف وما حولها من أقاليم الصحراء الشرقية، التي من المفترض أن تعود إلى المغرب. وهذا ما يدفعه إلى تجنيس بعض من المواطنين المنتمين إلى القبائل الصحراوية.
ثانيا يصر النظام الجزائري على ترك فئة أخرى من المحتجزين دون جنسية جزائرية ليتاجر بأوضاعهم باعتبارهم لاجئين أمام هيئة الأمم المتحدة. وهؤلاء هم الذين يقدمهم لبعض المنظمات والشخصيات التي يتم استقدامها إلى المخيمات باعتبارهم المطالبين بوهم الدويلة الصحراوية. ثالثا يوظف النظام الجزائري الصحراويين الحاصلين على الجنسية الجزائرية كخزان أصوات يستخدمه في المواعيد الانتخابية المختلفة، على غرار الانتخابات الرئاسية الأخيرة. هؤلاء الصحراويون الذين يحملون جواز السفر الجزائري جاهزون باستمرار للتصويت على من يمثلون النظام العسكري ودعمه لإضفاء جانب من الشرعية المشروخة على هؤلاء المنتخبين. وهنا مربط الفرس: فقضية الصحراء المغربية مثلت وما زالت ورقة سياسية يوظفها النظام محليا لإحكام سيطرته واستدامة حالة الطوارئ.
نحن إذاً أمام ورطة حقيقية يواجهها نظام الكابرانات في إدارة مناطق تدخل ضمن الصحراء الشرقية المقتطعة من المغرب. ولعلّ الإمعان في معاكسة الوحدة الترابية للمملكة ودعم المشروع الانفصالي الفاشل والإصرار على وهم استنبات دويلة صحراوية نابع بالأساس من خوف هذا النظام من عودة الحق إلى أصحابه، ومطالبة بلادنا رسميا وشعبيا باسترجاع أراضٍ واسعة ضمّتها فرنسا إلى الجزائر، ولا يزال سكانها مرتبطين ارتباطا وثيقا بالمغرب وثقافته وتاريخه وعاداته.