في مرافعة تاريخية.. عمر هلال يفضح تناقضات النظام الجزائري
الدار/ تحليل
الردّ الذي قدمه عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، في مواجهة ادعاءات المندوب الجزائري يمثل درسا حقيقيا في الترافع والتواصل الدبلوماسي الراقي والفعّال. هذه المداخلة التي قدمها السفير المغربي خلال ختام أشغال الدورة العادية الـ 49 للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك مرافعة تاريخية وقانونية ودبلوماسية شاملة يجب أن تدرَّس في المعاهد المختصة في تكوين السفراء والمسؤولين في قطاعات الشؤون الخارجية. لأنها كانت ببساطة ردا شاملا ومقنعا أفحم تماما السفير الجزائري الذي تجرأ مرة أخرى على تزوير الحقائق ومعاكسة الوحدة الترابية للمغرب قبل أن يتلقى الرد الصاعق من عمر هلال.
لقد أطلق عمر هلال 3 رصاصات قاتلة على خطاب السفير الجزائري المحرّض والعدائي ضد بلادنا. كان لا بد أن تنطلق مرافعة عمر هلال من التذكير بالمعطيات التاريخية التي لا غُبار عليها. إنها حقيقة استمرار الجزائر في الارتباط بمرحلة الحرب الباردة وأوهامها التي انتهت منذ زمن. لذلك، كان لا بد أن يذكر عمر هلال بأن الصحراء التي تطالب الجزائر اليوم بتحريرها، قد استقلّت فعلا منذ نصف قرن عندما وقّع المغرب وموريتانيا وإسبانيا اتفاق مدريد الشهير. بل إن هذا الاستعمار قد انتهى وفقاً لما جاء في كلمة عمر هلال أمام أعين ممثل الجزائر عندما أقرت الأمم المتحدة نتائج هذا الاتفاق الشهير في قرار الجمعية العامة رقم 345B..
يبدو عمر هلال في هذا المدخل الأولي من رده وكأنه يتعامل مع الوزير الجزائري باعتباره شخصاً فقد الذاكرة، علما أنه يمثل فعلا نظاما يتظاهر باستمرار بأنه فاقد للذاكرة، ولا يريد أن يسمع الحقائق الصارخة التي أقرها المنتظم الدولي، وفرضتها التطورات التاريخية خلال العقود الخمس الأخيرة. لذلك كان هذا الدرس التاريخي ضروريا في هذا السياق لإفحام المندوب الجزائري الذي اعتاد ترديد أسطوانة مشروخة ومسجلة منذ عصر الحرب الباردة. ولعلّ الرصاصة الثانية التي أطلقها عمر هلال على مخاطبه لم تكن بعيدة عن هذا الهدف التواصلي الدقيق. لا يتعلق الأمر إذاً بقراءة للتاريخ فحسب، بل لقد كان من الضروري أن تشمل مداخلة عمر هلال التطورات الحالية وموقف الجزائر منها.
لذلك سرعان ما عاد السفير المغربي إلى الرد على ادعاءات الجزائر بشأن دعم المسلسل الأممي في ملف الصحراء. وفي هذا السياق قال عمر هلال: “كل هذا أمر غير صحيح بتاتا، والعالم بأسره يعلم أن المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، تم تعيينه قبل 3 سنوات، فلماذا لم تنعقد طاولة المفاوضات طوال هذا الوقت؟”. ينطوي هذا التساؤل الاستنكاري على اتهام مباشر للجزائر وتحميلها مسؤولية عرقلة المسار التفاوضي، وهو أمر يُظهر للمنتظم الدولي أننا أمام عصابة تدّعي دفاعها عن تقرير المصير ومناصرة الشعوب المقهورة بينما ترفض تماما تسهيل عملية التفاوض أو المشاركة فيها. إذا كانت الجزائر محايدة حقا وتتدخل بنوايا حسنة فمن المفروض أن تستجيب إلى دعوات المشاركة في المفاوضات وهو الأمر الذي ترفضه وتعرقله باستمرار. لذلك ختم عمر هلال هذه الحقيقة بقوله: “هذا البلد يرفض الحل السياسي، ويدعي دعم الجهود الأممية، وفي الوقت نفسه يضع العراقيل بعدم حضوره إلى طاولة المفاوضات”.
انتقل عمر هلال من الحقائق التاريخية إلى الواقع الحالي لإحراج المندوب الجزائري، وإظهار ضعف حجته وسوء نواياه. وكان لا بد أن يعمّق هذا الإحراج والمساءلة أمام أنظار المندوبين والسفراء المشاركين في هذا اللقاء. وبالإضافة إلى الحجج التاريخية والواقعية استعان عمر هلال بحجج تنموية لفضح تناقضات النظام الجزائري. وفي هذا السياق كان ردّ السفير المغربي على تهمة تشويه الحقائق رداً صادما بالنسبة إلى المسؤول الجزائري. فعلى الرغم من التغافل عن هذه الحقيقة فإن مقترح الحكم الذاتي الذي قدّمه المغرب أصبح يحظى بدعم 199 دولة عضوا في الأمم المتحدة، كما أن “اللائحة تتوسع” وفقا لعمر هلال. كما ترفض الجزائر قبول حقيقة أخرى وهي افتتاح “29 قنصلية بمدينتي العيون والداخلة بالأقاليم الجنوبية المغربية، في انتظار افتتاح القنصلية رقم 30 قريباً”. وقد كان عمر هلال حريصا على إرسال إشارة مؤلمة لوزير الخارجية الجزائري عندما ذكّره بأن معظم هذه البلدان أوربية، مع التأكيد على موقفي دولتين تثيران انزعاج نظام الكابرانات وهما فرنسا وإسبانيا.
وليس هناك حجج أكثر إقناعاً من تذكير المسؤول الجزائري بأن الأقاليم الجنوبية تشهد ثورة تنموية واسعة النطاق، وعرفت تدشين مشاريع رائدة على الصعيد الإقليمي والقاري. لذلك فإن تقديم عمر هلال بعض الأمثلة مثل بناء أكبر جسر وميناء في إفريقيا، وتدشين المستشفيات الجامعية والمعاهد العليا المتخصصة وغيرها من المنشآت إشارة ذكية جدا إلى الفرق بين الأنظمة السياسية التي تسعى إلى البناء والتعمير وتلك التي تسعى فقط إلى زعزعة الاستقرار وإثارة القلاقل، على غرار المحاولة الفاشلة التي شهدتها منطقة الكركرات قبل بضع سنوات قبل التدخل الحاسم للقوات المسلحة الملكية. وهذه المنطقة هي التي تشهد اليوم وفقاً لمداخلة عمر هلال “عبور أكثر من 4,000 شاحنة كل يوم” لربط المغرب بعمقه الإفريقي.
لقد كانت هذه المداخلة التاريخية درسا حقيقيا لنظام الكابرانات ومواجهة صريحة ومباشرة مع تناقضات هذا النظام دون أيّ مداهنة أو محاباة أو توقّي للاعتبارات الدبلوماسية. لذلك كان من الضروري أن يختم عمر هلال كلامه بإثارة الانتباه إلى الدور الذي أضحت تلعبه الجزائر في تفريخ موجات الإرهاب وإيواء الإرهابيين وتوفير الظروف الملائمة لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ومن هنا فإن دعوته إلى توقف الجزائر عن التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة كانت إشارة موفقة للغاية في مواجهة مندوب نظام عدواني ومستفز.