هل يستهدف الرد الإسرائيلي على إيران المشروع النووي؟
الدار/ تحليل
تتجه إسرائيل نحو توجيه ضربة مؤثرة إلى إيران ردا على الهجوم الذي تعرّضت إليه قبل أيام. الرد الإسرائيلي المنتظر يمكن أن يشمل مواقع استراتيجية مثل منشآت إنتاج النفط أو المحطات النووية. وتمثل هذه المرحلة من الصراع بين طهران وتل أبيب ذروة الحرب الدائرة منذ 7 أكتوبر الماضي، بعد أن تحوّلت رسميا إلى مواجهة إقليمية واسعة من المرجح أن تكون لها تبعات أمنية واقتصادية هائلة على الصعيد الدولي. فاستهداف منشآت إنتاج النفط في إيران لن يلحق الضرر بإيران وحدها بل من المحتمل أن يؤثر في الأسواق الدولية، وقد يؤدي إلى ارتفاع صاروخي في أسعار الطاقة.
صحيح أن النصائح التي قدمتها واشنطن إلى إسرائيل تقضي بتجنّب هذا السيناريو، لكن من المؤكد أنه أصبح وشيكا، لأنه ببساطة أخفّ ضرراً بكثير من الخيار الهجومي الثاني المتمثل في استهداف المشروع النووي الإيراني. قد يؤدي ضرب المحطات النووية إلى رد إيراني بالدرجة نفسها من القوة، وهذا يعني أن ما كان في البداية مجرد معركة محدودة النطاق بين إسرائيل وحركات المقاومة المسلحة في غزة ولبنان واليمن والعراق يمكن أن يتحول إلى حرب مفتوحة لا أحد يمكنه توقع مآلها ولا نهايتها. وأمام هذه السيناريوهات المتشائمة يقف العالم اليوم على شفا انفجار حقيقي في الشرق الأوسط، في ظل التوقف الكامل لقنوات التفاوض والحوار.
الرد الإسرائيلي المرتقب يمثل إعلانا عن بدء المواجهة المباشرة بين الطرفين، وتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء، وانهيار كامل لقواعد الاشتباك السابقة التي كان الطرفان يتصارعان وفقا لها. الرد والرد المضاد، ثم الرد الموالي، يعني دوامة متواصلة من الضربات العسكرية التي تختبر قدرة الطرفين على إنهاء المعركة لصالحهما. تريد إسرائيل أن تثبت قدرتها الردعية في المنطقة، وتدرك أن تجاهل الرد على الهجوم الإيراني، قد يعني بالنسبة إلى إيران والحركات المسلحة التابعة لها نوعا من الضعف والتردد، الذي قد تستغله لتوسيع دائرة المواجهة. لذلك، تؤكد مرارا وتكرارا أنها سترد وبقوة على هذا الهجوم للحفاظ على موقعها كقوة عسكرية جوية متفوقة في منطقة الشرق الأوسط.
وفي الوقت نفسه تدرك أيضا أن المبالغة في هذا الرد من خلال ضربات تستهدف منشآت حيوية أو مشروع الطاقة النووية قد يكون له ثمن باهظ. إذا استهدفت إسرائيل على سبيل المثال البرنامج النووي الإيراني فإن ذلك سيقدم لإيران مبررات مقنعة على الصعيد الدولي للقيام بهجوم مماثل. هل تتحمل إسرائيل إذا كلفة تعرض منشآتها النووية التي أضحت مكشوفة للهجوم بالصواريخ أو الطائرات المسيرة؟ نحن نعلم أن صراعا على هذا المستوى يحرص أطرافه على أن يكون الرد في مستوى الهجوم لتحقيق معادلة الردع والزجر المقصودة. لكننا ندرك في الوقت نفسه أن إسرائيل ترى في الحرب الدائرة اليوم فرصة لا تعوض لنسف المشروع النووي الإيراني.
بل هناك مِن الخبراء والمحللين من يرى أن أكبر مكسب استراتيجي يمكن أن تحققه إسرائيل من وراء حرب طوفان الأقصى هو تقويض قدرات إيران المستقبلية، ولا سيّما من خلال إعادة المشروع النووي إلى نقطة الصفر، من خلال ضربة جوية مركّزة. لن تزيد هذه الضربة حظوظ إسرائيل في كسب المعركة الدائرة حاليا فحسب، بل من الممكن أن تخول لها تحقيق انتصار استراتيجي في الحرب المفتوحة بين الطرفين، ومن من الممكن أن يكون ذلك مدخلا إلى قص أجنحة إيران في المنطقة، وتحجيم دورها وقدراتها على إعادة رسم خارطة الصراع. وإذا تأملنا جيدا شخصية رئيس الحكومة المتطرف بنيامين نتنياهو وطريقة إدارته للمواجهة في لبنان على الخصوص، ندرك أنه من غير المستبعد أن يميل إلى هذا المغامرة المرعبة، والواعدة في الوقت نفسه.
فمنذ أن قرر اغتيال قيادات الصف الأول في حزب الله، وعلى رأسهم حسن نصر الله، انفتحت شهية رئيس الحكومة الإسرائيلية لتحقيق مكاسب عسكرية أكبر، يمكن أن يوظفها في تعزيز شعبيته داخل إسرائيل، على غرار ما حدث بعد اغتيال نصر الله. فهل يكون المشروع النووي الإيراني قربانا لتعزيز شعبية نتنياهو؟