الشراكة الاستثنائية الوطيدة.. إعلان يضع السيادة الوطنية فوق كل اعتبار
الدار/تحليل
الإعلان المتعلق بالشراكة الاستثنائية الوطيدة بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية الذي وقعه الملك محمد السادس ورئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون يوم الاثنين بالديوان الملكي في الرباط يمثل إيذانا رسميا بانطلاق مرحلة جديدة في تاريخ الشراكة بين البلدين، ومسار علاقاتهما التاريخية الراسخة. يبدأ الإعلان بديباجة تظهر أهميته التاريخية وتشير إلى أن جلالة الملك والرئيس الفرنسي قررا أن يدشنا “مرحلة جديدة من التاريخ الطويل المشترك بين فرنسا والمغرب من خلال الارتقاء بالعلاقة بين البلدين إلى مستوى شراكة استثنائية وطيدة”. انتقاء الكلمات الدالة على هذا الاتفاق التاريخي بعناية بالغة له دلالاته القوية في السياق السياسي والدولي الحالي.
“الشراكة الاستثنائية الوطيدة” مصطلح دقيق يشير إلى العلاقات الثنائية التي ترتكز أساساً على الثقة والاحترام المتبادل بين الطرفين. بعبارة أوضح هذه الشراكة الجديدة هي تكريس للمبادئ التي سبق أن نصّ عليها جلالة الملك محمد السادس في خطاب الذكرى 69 لثورة الملك والشعب، وهو خطاب أسس مرحلة جديدة من العلاقات الخارجية للمغرب، قوامها الاحترام المتبادل والندية والتكافؤ، والانطلاق من منظار القضية الوطنية لتقييم مصالح المملكة ومواقفها. وقد بدا نص الإعلان الخاص بهذه الشراكة الاستثنائية واضحا ودقيقا في رسم المبادئ الأساسية التي ستحكم المرحلة الجديدة من العلاقات بين البلدين، ومن أهمها وضع “إطار استراتيجي شامل ومستقر ودائم، من خلال شراكة متينة تتطلع إلى المستقبل، وتحظى بالدعم على أعلى المستويات في كلا البلدين”.
الإطار الاستراتيجي المستقر والثابت إشارة مهمة إلى أن ما تم الاتفاق عليه بين البلدين، بما في ذلك موقف فرنسا الشجاع تّجاه دعم السيادة الوطنية على الصحراء المغربية، يجب أن يشكل موقفا نهائيا لا رجعة فيه، وأن يحرص الطرفان على تفعيل مقتضياته في شتى مجالات التعاون بينهما. ويمثل البند الثالث للإعلان شرحا وافياً لمضامين هذه المبادئ إذ ينص على قيم “العلاقة بين دولة ودولة، والمساواة في السيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وفي اختيارات السياسة الخارجية، واحترام الالتزامات المبرمة، والثقة، والشفافية، والتشاور المسبق، وتضامن ومسؤولية كل طرف تجاه الطرف الآخر”. نحن إذاً أمام وثيقة تعكس نضجا دبلوماسيا كبيرا لبلادنا، ووعيا ومسؤولية واضحة من الدولة الفرنسية.
لم يخل هذا الإعلان أيضاً من إشارة مباشرة وواضحة إلى شمولية هذا الاتفاق لكافة أراضي المملكة المغربية، بما في ذلك أقاليمها الجنوبية، حيث أكد قائدا البلدين أن مجال تطبيق “الشراكة الاستثنائية الوطيدة” بين المغرب وفرنسا يشمل أوسع نطاق ترابي ممكن، وذلك على ضوء الموقف الفرنسي المعبر عنه بمناسبة الذكرى الـ 25 لعيد العرش، والذي أكد فيه رئيس الجمهورية ما يلي: “أعتبر أن حاضر ومستقبل الصحراء الغربية يندرجان في إطار السيادة المغربية”. وخلال التوقيع على هذا الإعلان أشرف الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على التوقيع على 22 مذكرة تفاهم تشمل التعاون في شتى المجالات، وتؤكد هي أيضا هذا البعد المعزز للسيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية.
تنص المذكرة الثامنة التي تتعلق ببروتوكول تعاون على خلق إطار مسرّع للاستثمارات بين المغرب وفرنسا، وقد وقعها كل من مدير صندوق محمد السادس للاستثمار محمد بنشعبون والمدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية ريمي ريو. وقد أشارت هذه المذكرة إلى تعبئة غلاف مالي يصل إلى 3 مليارات درهم لإنشاء هذا الإطار المسرّع للاستثمارات في مختلف مناطق المملكة، بما في ذلك الأقاليم الجنوبية. كما تشمل المذكرة الـ 11 التي وقعها وزير التجهيز والماء نزار البركة والمدير العام للوكالة الفرنسية للتنمية بروتوكول تعاون مع الوكالة الوطنية لموانئ المغرب. وفي مضامين هذا البروتوكول إشارة واضحة إلى العمل على مشاريع الانتقال الأخضر للموانئ وتعزيز مرونتها في مواجهة التغيرات المناخية ودعم الاقتصاد الأزرق والابتكار، وهي أهداف تشمل كامل التراب الوطني بما في ذلك الأقاليم الجنوبية ولا سيّما إقليمي العيون والداخلة. وفي هذا السياق تلتزم الوكالة الفرنسية للتنمية بتخصيص غلاف مالي يصل إلى 100 مليون يورو لدعم هذا البرنامج التنموي.
من الواضح إذاً أن الاعتراف الفرنسي الأخير بالسيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية، قد تحول من إعلان دبلوماسي إلى تفعيل عملي على مستوى وثائق الشراكات والتعاون الرسمية والمعلنة بين البلدين. لا مجال إذاً لأيّ تأويل أو تأخير أو اجتهاد يمكن أن يبعد هذا الاعتراف عن مسار الدينامية الإيجابية التي تشهدها القضية الوطنية عامة، والعلاقات المغربية الفرنسية خاصة.