ماذا يعني توقيع الملك والرئيس الفرنسي شراكة استثنائية بين المغرب وفرنسا لتعزيز التعاون الاستراتيجي؟
الدار/ تحليل
في خطوة تعزز العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، وقّع جلالة الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إعلان الشراكة الاستثنائية الجديدة، وذلك خلال زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إلى الرباط والتي بدأت امس الاثنين. تعكس هذه الشراكة الطموحة عمق الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين، كما تمهد لمستقبل من التعاون الاستراتيجي لمواجهة التحديات المشتركة عبر تنمية الشراكات في مجالات حيوية تتعلق بالاقتصاد، والإنسان، والأمن، والبيئة.
يضع الإعلان الأسس لمرحلة جديدة تهدف إلى الارتقاء بالعلاقة بين البلدين نحو إطار استراتيجي شامل ومستدام، يتطلع نحو المستقبل، ويستند إلى مبادئ الثقة والشفافية واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. ويؤكد البلدان في هذه الشراكة على المساواة والسيادة المتبادلة، في وقت أصبح فيه العالم يشهد تطورات متسارعة تتطلب تعاونًا أكبر بين الدول. كما يهدف الإعلان إلى تقديم نموذج شراكة متين يواكب تطلعات الجيلين الحالي والمستقبلي في كلا البلدين.
تعد العلاقات السياسية المتينة بين المغرب وفرنسا ركيزة أساسية للشراكة الجديدة، إذ يتطلع البلدان إلى تطوير التنسيق السياسي وتبادل الرؤى حول القضايا الاستراتيجية المشتركة، خصوصًا في القضايا الدولية الكبرى، حيث أكدا التزامهما بالعمل جنبًا إلى جنب لمواجهة النزاعات وتأكيد دور القانون الدولي. يتماشى هذا البند مع رغبة المغرب وفرنسا في تعزيز استقرارهما السياسي وضمان تأثيرهما الإيجابي في الشؤون العالمية، بحيث يصبحان شريكين استراتيجيين متضامنين في القضايا ذات الأهمية الدولية، من خلال التعاون العسكري والأمني، وتحقيق الاستقلالية الاستراتيجية عن القوى الكبرى، على نحو يتلاءم مع التحديات المعاصرة.
يرتكز الإعلان على دفع الشراكة الاقتصادية بين المغرب وفرنسا إلى مستويات أعلى، حيث التزم البلدان بالاستثمار في القطاعات الاستراتيجية التي تعزز النمو الاقتصادي وتساهم في التنمية المستدامة. وتم تحديد مجموعة من المجالات التي ستلقى اهتمامًا خاصًا، منها الأمن الصحي وإنتاج اللقاحات، وإدارة الموارد المائية، والزراعة، والتنقل الحضري، والبنية التحتية للنقل، والانتقال إلى الطاقة المتجددة. يعكس هذا التعاون رغبة البلدين في تجاوز مجرد التعاون التجاري، إلى وضع برامج ومشاريع مبتكرة تُعزز الاعتماد على الموارد الذاتية وتضمن الأمن الغذائي وتحمي البيئة من خلال الاعتماد على الطاقات النظيفة، في خطوة تعكس توجهات البلدين نحو الاستدامة البيئية والاقتصادية.
تعتبر الروابط الإنسانية والثقافية بين المغرب وفرنسا عنصرًا هامًا في تقوية العلاقات بين الشعبين، وهو ما يظهر بوضوح في الاتفاقية. فالتعاون الثقافي، الذي يشمل المجالات التعليمية والفنية، يحتل أهمية خاصة؛ حيث تسعى الدولتان إلى تعزيز تعليم اللغة الفرنسية والفكر الفرانكوفوني في المغرب، وكذلك تشجيع الثقافة المغربية في فرنسا. تتناول الشراكة أيضًا تطوير الصناعات الثقافية والإبداعية، مع التركيز على التراث المشترك، بما يساهم في تعزيز التفاهم المتبادل وترسيخ قيم الانفتاح والاحترام بين الشعبين. ومن جانب آخر، ستستمر الدولتان في تشجيع مشاركة الأجيال الشابة، من خلال توسيع مجالات التبادل الأكاديمي والشراكات الجامعية، ما يسهم في تنمية رأس المال البشري وتعزيز الابتكار.
تؤكد الشراكة الجديدة على أهمية تطوير سياسات شاملة في مجال الهجرة، تتضمن تسهيل التنقل القانوني وتيسير حركة الأشخاص بين البلدين. كما تشمل أيضًا مكافحة الهجرة غير النظامية عبر التنسيق في برامج منع عمليات المغادرة غير القانونية، مع وضع إطار يعزز التعاون بين دول المنشأ وبلدان العبور ودول الإقامة. هذا التوجه يعكس الرغبة في وضع نهج متكامل يتعامل بإنسانية وفعالية مع ظاهرة الهجرة، على أساس المسؤولية المشتركة والالتزام بالقيم الإنسانية.
يولي الإعلان اهتمامًا خاصًا بالتعاون الإقليمي في إفريقيا، حيث يدعم البلدان رؤية مشتركة لإرساء أسس الاستقرار والتنمية في القارة الأفريقية، مع التركيز على تعزيز العلاقات الثنائية والثلاثية مع البلدان الإفريقية. أشاد ماكرون بالدور الرائد الذي يلعبه الملك محمد السادس في استقرار إفريقيا وتنميتها، والتزامه بالمساهمة في تطور القارة. كما تُشكل الشراكة الأورو-متوسطية نقطة محورية في رؤية البلدين، حيث تم الاتفاق على تكثيف المشاورات لتشجيع مبادرات تنموية واستراتيجية في المنطقة، بما يعزز السلام والاستقرار.
تلتزم الدولتان بتقديم إسهامات ملموسة على الصعيد الدولي لمواجهة التحديات البيئية، بما فيها حماية المناخ، والمحافظة على التنوع البيولوجي، وإدارة المحيطات، وهي قضايا تكتسب أهمية متزايدة، خاصة في إفريقيا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط. يعكس هذا الالتزام إدراك البلدين لأهمية حماية الموارد العالمية المشتركة وضمان استدامتها لصالح الأجيال المقبلة.
تشمل الشراكة آليات لضمان تحقيق أهدافها من خلال تشكيل لجنة مشتركة تتولى متابعة تنفيذ الاتفاقية وتحديد الأولويات وضمان الالتزام بالبرامج المتفق عليها. بالإضافة إلى ذلك، سيشرف قادة البلدين مباشرة على تقدم الشراكة، بما يتيح إمكانية إجراء تقييمات منتظمة لمراجعة مسار الشراكة وتطويرها وفقًا للمتغيرات الإقليمية والدولية.
تعد هذه الشراكة خطوة طموحة ومتكاملة تعكس التزام المغرب وفرنسا بتقوية روابطهما التاريخية وتعزيز شراكتهما الاقتصادية والسياسية والثقافية والإنسانية، بما يعود بالفائدة على الشعبين ويسهم في استقرار وازدهار المنطقة والعالم.