لهذا لا ينبغي اعتقال عزيز غالي.. مغرب الحرية وحقوق الإنسان يتسع للجميع
الدار/ افتتاحية
في سياق النقاش الوطني حول قضية الصحراء المغربية، التي تشكل أحد الثوابت الأساسية للوحدة الوطنية، أثار الحقوقي عزيز غالي الجدل بتصريحاته التي أعرب فيها عن دعمه لما أسماه “حق تقرير المصير”. هذه التصريحات، التي يُنظر إليها على نطاق واسع باعتبارها مخالفة للإجماع الوطني، أحدثت صدمة لدى العديد من المغاربة، خاصة في ظل الإجماع الشعبي والسياسي حول مغربية الصحراء كقضية غير قابلة للتفاوض.
لا شك أن تصريحات عزيز غالي تُعد خطأ جسيمًا، إذ تعكس تجاهلًا لحساسية القضية وللإجماع الوطني الراسخ بشأنها. الصحراء المغربية ليست مجرد قضية سياسية أو جغرافية، بل هي رمز للوحدة الترابية وسيادة الوطن، والنقاش حولها يتطلب المسؤولية والحذر لتجنب أي إساءة لفهم السياق التاريخي والسياسي الذي يُحيط بها.
ومع ذلك، فإن الخطأ في الرأي، مهما كان حجمه، لا يُبرر التخوين أو الانتقاص من وطنية أي فرد. عزيز غالي، رغم تصريحاته المثيرة للجدل، يظل مواطنًا مغربيًا له حقوقه الدستورية في التعبير عن آرائه، حتى وإن كانت مخالفة للأغلبية. التعامل مع مثل هذه المواقف يتطلب الحكمة والنضج، حيث يكون النقاش الهادئ والإقناع بالحجج أقوى من اللجوء إلى التخوين أو الإقصاء.
إن تخوين شخص بسبب رأي مخالف يُهدد التماسك الوطني، ويُساهم في خلق جو من التوتر والانقسام الذي لا يخدم القضية الوطنية بأي شكل من الأشكال. فالمغرب، الذي بنى سمعته على احترام التعددية والانفتاح، يجب أن يُظهر تسامحًا تجاه الآراء المخالفة مع الحرص على ترسيخ الثوابت الوطنية من خلال الحوار والنقاش المفتوح.
عزيز غالي أخطأ بلا شك في تقديراته، لكن الرد عليه لا ينبغي أن يتجاوز حدود النقاش العقلاني والبناء. بل يمكن أن يكون هذا الموقف فرصة لتعزيز الوعي الوطني لدى جميع الأطراف، وإعادة التأكيد على أن مغربية الصحراء ليست مسألة قابلة للتفاوض أو النقاش، بل هي حقيقة تاريخية وقانونية.
المغرب الذي اختار طريق الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، لا ينبغي أن يُعامل أبناءه بروح التخوين والإقصاء، بل بروح التصحيح والتوجيه. الحفاظ على الوحدة الوطنية يتطلب مواجهة الآراء المخالفة بالحجج، وليس بإقصاء أصحابها، ليظل المغرب كما هو دائمًا: وطنًا يتسع للجميع، بمن فيهم من يخطئون.
رغم أن عزيز غالي لم يُعتقل بعد، فإن الحديث عن إمكانية اتخاذ مثل هذه الخطوة يُثير مخاوف في بلد طالما سعى إلى تعزيز صورته كدولة ديمقراطية تحترم التعددية والاختلاف.
إن المغرب، الذي نجح في بناء نموذج متميز في المنطقة يقوم على التوازن بين الاستقرار السياسي والانفتاح على الحريات، يجب أن يواصل السير على هذا النهج. مقارنة بما يحدث في دول مجاورة وهي الجزائر، حيث اعتقال الكاتب الجزائري بوعلام صنصال بسبب تصريحاته المتعلقة بالصحراء المغربية، فإن المغرب أمام فرصة لإظهار تفوقه الأخلاقي والحقوقي من خلال احتضان النقاش المفتوح بدلًا من معاقبة أصحابه.
تاريخ المغرب مليء بالشخصيات التي ساهمت بآرائها الناقدة في تطوير المجتمع وتحقيق إصلاحات جوهرية. عزيز غالي، كغيره من الناشطين، يُمكن أن يُنظر إليه كشريك في تعزيز الديمقراطية، وليس كخصم للدولة. إن معالجة الخلافات من خلال الحوار واحترام القانون هو ما يجعل المغرب متميزًا عن غيره من الدول التي تلجأ إلى القمع كوسيلة لإدارة الاختلاف.
لهذا، ينبغي أن تظل حرية التعبير مصونة في المغرب، وألا يتحول النقاش حول القضايا الوطنية أو الحقوقية إلى مبرر للحد من هذه الحرية. مواجهة الآراء الناقدة يجب أن تكون بالحجج، وليس بالقيود. فالمغرب الحرّ الذي يطمح لأن يكون نموذجًا إقليميًا وعالميًا في حقوق الإنسان عليه أن يتسع للجميع، بمن فيهم من يختلفون معه في الرأي.