أخبار الدارسلايدر

لهذه الأسباب لجأ نظام الكابرانات إلى بلطجيته في فرنسا

الدار/ تحليل

تواصل الأجهزة الأمنية الفرنسية تتبّع عناصر البلطجية الجزائريين الذين توظفهم المخابرات الجزائرية في فرنسا لترهيب المعارضين لنظام الكابرانات. فبعد اعتقال المؤثر البلطجي يوسف زازو الذي دعا سعيد شنقريحة وقيادات النظام إلى قتل كل من يخرج إلى الشارع للاحتجاج، والاعتداء على المعارضين المقيمين في فرنسا، أضحت السلطات الفرنسية اليوم في حالة ترقّب شديد تّجاه كل ما يصدر عن خلايا البلطجة التابعة للنظام الجزائري، ولا سيّما أولئك الذين ينشطون في مواقع التواصل الاجتماعي. وبعد فترة طويلة من التساهل مع كل هؤلاء المجرمين المأجورين الذين اعتادوا على قمع المعارضين والمتظاهرين الجزائريين، يبدو أن السيل قد بلغ الزبى وأن عهد المحاسبة قد حلّ.

لكن ما دلالات لجوء النظام الجزائري إلى أساليب البلطجة في الوقت الحالي؟ هناك أولا محاولة واضحة للترهيب والقمع لأن هذا النظام اعتاد على مدار عقود طويلة على هذا النمط من المقاربات العنيفة في مواجهة أيّ حركة احتجاجية أو مطالبة مدنية بالحقوق والحريات في البلاد. ليست هذه هي المرة الأولى التي يخرج فيها هؤلاء البلطجية من أجل التهديد بالعنف أو القتل أو الاعتداء على المعارضين. لقد حدث ذلك غير ما مرة في ساحات الاحتجاج في فرنسا وبريطانيا وألمانيا عندما تعرّض نشطاء جزائريون للضرب أو السب أو الشتم من قِبل هؤلاء بسبب وقفاتهم الاحتجاجية ضد النظام الجزائري. ولم تُثر هذه الحوادث حينها الكثير من الانتباه بسبب عدم اهتمام الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بها.

ثانيا من الواضح أن هذه الخرجات التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي والدعوات التي صدرت عن زازو ومجموعة من المؤثرين الجزائريين ضد دعوات الاحتجاج تحت شعار “مانيش راضي” كانت عملية تنفيس عن الاحتقان الداخلي الذي تعيشه البلاد. فالأجهزة الأمنية الجزائرية تعيش تحت ضغط هائل بسبب أعباء المتابعة الأمنية والرقابة والترهيب التي تمارسها ضد المطالبين بالاحتجاج داخل البلاد. وهذه القبضة الأمنية الحديدية مرهقة ولها أثمان باهظة، وعلى الرغم من أن نظام الكابرانات مستعد لدفعها من أجل تكميم الأفواه، إلا أنه في حاجة إلى تصريفها إلى الخارج كما هي عادته دائما.

ثالثا هناك رغبة في نقل الأزمة من الأراضي الجزائرية إلى الأراضي الفرنسية بغرض ابتزاز باريس ودفعها إلى دعم النظام في مواجهة موجات الاحتجاج المتنامية. يدرك نظام الكابرانات حساسية السلطات الفرنسية الشديدة تّجاه كل ما هو جزائري، ولا سيّما عندما يتعلق الأمر بالجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا. إشعال نار الفتنة من خلال التهديد بارتكاب اعتداءات على التراب الفرنسي حيلة مكشوفة لدفع السلطات الفرنسية إلى التفاوض مع السلطات الجزائرية حول الحلول الأمنية الممكنة، ومن ثمّ محاولة فرض مطالب جديدة على فرنسا، لتجاوز القطيعة الحالية وإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين. ويعوّل نظام الكابرانات على أن إحياء هذه العلاقات يمكن أن يفضي إلى الحصول على دعم فرنسي سياسي وأمني لتطويق موجات الاحتجاج المتنامية في البلاد.

رابعا هناك رغبة في بعثرة الأوراق وتضليل الرأي العام الجزائري، وتشتيت انتباهه بعيدا عن الأزمة الحقيقية التي تعيشها البلاد. الدعوات التي رُفعت في إطار هاشتاغ “مانيش راضي” كانت واضحة ومركزة أساسا على ضرورة تلبية مطالب قديمة ومكرّرة تتعلق أساسا ببناء دولة مدنية وعادلة، والسماح بالمزيد من الحريات وإقرار عدالة اجتماعية وتحرير المواطن البسيط من ذلّ الطوابير. هذه المطالب المشروعة لا يستطيع النظام الجزائري تلبيتها، ليس لأنها مستحيلة أو صعبة، بل لأنه نظام عسكري يقوم على تكريس الثروة في يد مجموعة من الجنرالات المستفيدين من الاختلالات الاقتصادية التي تغرق فيها البلاد.

وفي ظل هذا العجز عن تقديم البديل والاستجابة لتوقعات المجتمع، من الطبيعي أن يلجأ النظام الجزائري الهشّ والضعيف إلى كل أشكال الترهيب والقمع والدعاية المضادة لمواجهة مشاعر الغضب المتنامية في الشارع الجزائري، ولا سيّما منذ انهيار النظام السوري وظهور آمال تجدد الحراك في الشارع العربي. يجب ألّا ننسى أن جلّ هؤلاء البلطجية من مؤثري مواقع التواصل الاجتماعي هم جنود سابقون في جيش الكابرانات وقد تلقوا فيه تداريب على أساليب القمع والترهيب التي تستخدمها عادة جيوش الأنظمة الشمولية. وهذا غير مستغرب بالنسبة إلى جيش سبق له أن درّب مجرمي الحرب في سوريا على تقنيات التصدّي للمعارضين وسحقهم.

زر الذهاب إلى الأعلى