أخبار الدارأخبار دوليةالرأيسلايدر

الفلاحة المغربية: من مخطط المغرب الأخضر إلى الجيل الأخضر ..  مسار يتجدد باستمرار

الفلاحة المغربية: من مخطط المغرب الأخضر إلى الجيل الأخضر ..  مسار يتجدد باستمرار

في سياق عالمي مطبوع بالأزمات المتلاحقة، من اضطرابات مناخية، وتوترات جيوسياسية، وتقلبات في سلاسل التوريد، تُثبت الفلاحة المغربية أنها ليست فقط قطاعًا إنتاجيًا، بل هي عمود فقري للاقتصاد الوطني، ورافعة للتنمية البشرية، وعنوان للسيادة الغذائية. فبفضل الرؤية المتبصرة لجلالة الملك محمد السادس، أصبحت الفلاحة المغربية نموذجًا للصمود، والاستمرارية، والابتكار، في خدمة الوطن والمواطنين.
رؤية ملكية حولت الفلاحة إلى مشروع وطني :
منذ سنة 2008، شكّل إطلاق مخطط المغرب الأخضر نقطة تحوّل مفصلية في تاريخ الفلاحة المغربية. لم يعد يُنظر إلى هذا القطاع كمجرد نشاط تقليدي محدود الإنتاجية، بل كمجال استراتيجي يمكنه أن يسهم في تقليص الفوارق الاجتماعية، ومواجهة الفقر والهجرة القروية، وتعزيز الأمن الغذائي في ظرفية دولية معقدة.
هذا المخطط، الذي جاء بمبادرة ملكية، اعتمد مقاربة متكاملة، شملت تحديث البنيات التحتية الفلاحية، توسيع المساحات المسقية، تنويع الإنتاج، تثمين سلاسل القيمة، دعم الفلاحين الصغار، وتشجيع الاستثمار الخاص. وقد شكّل أرضية قوية مكنت المغرب من مراكمة مكتسبات ثمينة خلال أكثر من عقد.
الجيل الأخضر: فلاحة موجهة للإنسان وللمستقبل
امتدادًا لمكتسبات مخطط المغرب الأخضر، أُطلقت سنة 2020 استراتيجية جديدة حملت اسم “الجيل الأخضر 2020-2030″، واضعة العنصر البشري في صلب الأولويات. فالرهان لم يعد فقط على كم الإنتاج، بل على جودة الاستغلال، وعدالة التوزيع، وتحسين ظروف العيش داخل العالم القروي.
ترتكز هذه الرؤية الطموحة على عدة أهداف رئيسية، من أبرزها:
– إدماج 350 ألف شاب في القطاع الفلاحي عبر خلق فرص الشغل وتحفيز ريادة الأعمال.
 – تعبئة مليون هكتار من الأراضي الجماعية لفائدة المستثمرين الشباب والمهنيين.
 – تعزيز الفلاحة المستدامة من خلال اعتماد الرقمنة، والتكنولوجيا الحديثة، والابتكار البيئي.
 – إنشاء أقطاب فلاحية جهوية تسهم في التنمية المجالية وتكامل سلاسل الإنتاج والتسويق.
إنها فلاحة جديدة، موجهة للإنسان، تُراهن على المستقبل، وتسعى إلى جعل المجال القروي بيئة جذابة للعيش والعمل والابتكار.
صمود استثنائي أمام الأزمات :
من جائحة كوفيد-19 إلى سنوات الجفاف المتتالية، ثم تداعيات الحرب في أوكرانيا على الأسعار العالمية، واجهت الفلاحة المغربية تحديات معقدة ومتعددة الأبعاد. غير أن الإجراءات المتخذة أظهرت نجاعة ومرونة نموذجنا الفلاحي، وقدرته على التكيف.
ففي عزّ الجائحة، حافظت الأسواق الوطنية على تموين مستقر، دون تسجيل أي خصاص في المواد الأساسية. وتم تعزيز المخزون الاستراتيجي من الحبوب والمواد الغذائية، مع اتخاذ إجراءات عاجلة لدعم الفلاحين والمربين، شملت:
 – تخصيص 10 مليارات درهم كدعم مباشر للقطاع.
 – دعم الأعلاف وتسهيل استيراد المواشي.
 – تعليق الرسوم الجمركية والضرائب على القيمة المضافة بالنسبة للحوم الحمراء.
 – تسريع مشاريع تعبئة الموارد المائية (بناء السدود التلية، تحويل المياه بين الأحواض، محطات تحلية مياه البحر في أكادير، الداخلة، الدار البيضاء).
تُثبت هذه التدابير أن الدولة المغربية تملك رؤية استباقية، وإرادة قوية لحماية قطاعها الفلاحي ومواطنيها في وقت الأزمات.
فلاحة إنسانية، متضامنة، ومرتبطة بالهوية :
بعيدًا عن الأرقام والمؤشرات، تظل الفلاحة المغربية قصة إنسانية قبل كل شيء. نساء ورجال، شباب وشيوخ، يشتغلون بتفانٍ في مختلف ربوع الوطن، يُحيون الأرض، ويصونون التقاليد، وينقلون المعارف الزراعية من جيل إلى جيل.
وقد أولت الاستراتيجيات الفلاحية المغربية اهتمامًا خاصًا بالفلاح الصغير، والتعاونيات النسائية، والاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وتم تثمين المنتجات المحلية مثل زيت الأركان، الزعفران، التمور، الأعشاب العطرية، وغيرها، في أفق الرفع من دخل المنتجين الصغار، وتحسين تنافسية “العلامات الترابية” للمنتجات المغربية.
كما سعت الدولة إلى حفظ التراث الفلاحي، ودعم الحرف التقليدية المرتبطة بالأرض، من تقنيات الغرس والحصاد إلى الصناعات التحويلية ذات الطابع المحلي.
إشعاع دولي متزايد وثقة المؤسسات العالمية :
نجاح النموذج المغربي لم يمر دون انتباه المؤسسات الدولية. فقد أشادت كل من:
 – البنك الدولي
 – البنك الإفريقي للتنمية
 – الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (FIDA)
 – منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)
بجهود المغرب في تطوير فلاحة مستدامة، مدمجة، ومنفتحة على التكنولوجيا. كما أصبح المغرب شريكًا رئيسيًا في عدة مبادرات إفريقية، في إطار الرؤية الملكية للتعاون جنوب–جنوب.
تُقدّم الفلاحة المغربية اليوم نموذجًا للدول الإفريقية الباحثة عن حلول لتحديات الأمن الغذائي، التشغيل، والتنمية القروية.
عزيز أخنوش من وزارة الفلاحة إلى رئاسة الحكومة:
لا يمكن الحديث عن النجاحات التي تحققت في القطاع الفلاحي دون التوقف عند دور عزيز أخنوش، الذي تولّى مسؤولية وزارة الفلاحة لأزيد من 15 عامًا، قبل أن يُنتخب رئيسًا للحكومة.
أظهر أخنوش  و كما هو الشأن بالنسبة للذين ترأسوا القطاع من بعده ، قيادة ميدانية عملية قائمة على الوفاء للتوجيهات الملكية، والانخراط المباشر في تنزيل المشاريع، واتخاذ القرارات المناسبة في أوقات الأزمات. وقد واصل في رئاسة الحكومة نفس الروح: دعم مباشر للفلاحين، تسريع مشاريع الماء، دعم القدرة الشرائية، وربط الفلاحة بالتعليم والتكوين والبحث العلمي.
فلاحة مغربية للمستقبل :
تُثبت الفلاحة المغربية اليوم أنها ليست قطاعًا تقليديًا أو موسميًا، بل مشروع وطني استراتيجي، قابل للتطور، وفاعل أساسي في النموذج التنموي الجديد للمغرب.
فمن خلال دمج الرقمنة، والابتكار البيئي، وتشجيع الشباب، والربط بين الإنتاج والتسويق والتصنيع، أصبحت الفلاحة المغربية منصة ديناميكية لصناعة المستقبل، ومجالًا واعدًا للاستثمار، ومحورًا لتكامل السياسات العمومية في التعليم، الماء، البيئة، والتشغيل.
الفلاحة في المغرب لم تعد فقط زراعة، بل أصبحت سياسة عمومية ذات أبعاد اقتصادية، اجتماعية، بيئية، وثقافية. بفضل الرؤية الملكية والتخطيط الاستراتيجي، أصبح للمغرب نموذج فلاحي مرن، متجدد، وإنساني. ومع تضافر الجهود بين الدولة، الفاعلين الاقتصاديين، والمجتمع المدني، فإن المستقبل يُبشر بفلاحة وطنية قادرة على مواجهة التحديات، وبناء مغرب مزدهر وشامل للجميع.
عبد الرحيم شطبي
نائب برلماني عن إقليم بني ملال
النائب الأول لرئيس جهة بني ملال – خنيفرة
عن حزب التجمع الوطني للأحرار
زر الذهاب إلى الأعلى