الردع النووي بين الهند وباكستان، توازن هش في ظل تصعيد متجدد

ذ/ الحسين بكار السباعي*
في ظل تصاعد التوترات بين الهند وباكستان، يتجدد التساؤل حول فعالية الردع النووي في منع إندلاع نزاعات مسلحة بين الدولتين. ففي 22 أبريل الفارط من هذه السنة 2025، شهدت منطقة “بيساران فالي” في كشمير هجوما إرهابيا أودى بحياة 26 سائحا، مما أثار موجة من التصعيد بين الجارتين النوويتين.
الهند التي اتهمت جماعة “ذا ريزستنس فرونت”، المرتبطة بـتنظيم “لشكر طيبة” والتي مقرها باكستان، بالمسؤولية الكاملة عن الهجوم، الأمر الذي أدى إلى سلسلة من الإجراءات التصعيدية، بما في ذلك طرد الدبلوماسيين وتعليق الإتفاقيات الثنائية.
في 6 من هذا الشهر ، شنت الهند عملية عسكرية أطلقت عليها اسم “عملية سندور”،إستهدفت فيها تسعة مواقع داخل الأراضي الباكستانية، بما في ذلك مناطق في كشمير الباكستانية، مستخدمة صواريخ دقيقة التوجيه. الهند التي بررت الهجوم بأنه استهداف لمعسكرات إرهابية، بينما اعتبرت باكستان ذلك “عملا حربيا” وتوعدت بالرد في الوقت والمكان المناسبين.
ويعد إقليم كشمير أحد أكثر المناطق توترا ونزاعا في العالم منذ منتصف القرن العشرين، وهو محور صراع طويل بين الهند وباكستان، والذي إنضمت إليه الصين لاحقا من خلال سيطرتها على بعض الأجزاء منه .
ويعود تاريخ هذا الصراع عند تقسيم الهند البريطانية عام 1947، والتي أُعطيت الولايات الأميرية حرية الانضمام إلى الهند أو باكستان ، ومنها إقليم كشمير والذي إختار حاكمها حينها هاري سينغ، الهندوسي الديانة والذي كان يحكم إقليما أغلبيته مسلمة، إختار الإنضمام إلى الهند مقابل الدعم العسكري ضد المقاتلين المدعومين من باكستان.لتندلع بعهدها أول حرب بين البلدين انتهت بوقف إطلاق النار بوساطة أممية، حيث سيطرت الهند على نحو 55% من الإقليم، وأصبحت باكستان تسيطر على ما يُعرف بـ”آزاد كشمير” و”جلجت-بلتستان” أي بحوالي 30% من مجموع إقليم كاشمير .
في سنة 1965 سعت باكستان إلى إستغلال الاضطرابات في كشمير لإشعال انتفاضة ضد الحكم الهندي.
لتندلع الحرب الثانية بين البلدين، وانتهت بوقف إطلاق نار بوساطة الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة حسب اتفاق طشقند 1966، من دون تغيّر جوهري في الحدود بين البلدين .
سنة1971 اندلعت حربا ثالثة ، وعلى الرغم من أنها كانت في الأساس بسبب دعم الهند لاستقلال بنغلاديش، غير أن الصراع شمل الجبهة الكشميرية كذلك.أعقبت هذه الحرب اتفاقية “شملا” 1972، التي نصت على حل النزاع عبر المفاوضات الثنائية. غيرأن صعود الحركات المسلحة منذ 1989 زاد من عمليات التمرد المسلح، الذي تدعمه باكستان بحسب ادعاءات الهند ليصبح الإقليم ساحة لحرب منخفضة الحدة، تضم مواجهات بين القوات الهندية والجماعات الانفصالية والإسلامية.لم تسلم من طقة كشمير من إستمرار النزاعات المسلحة الحدودية مع الصين، والتي سيطرت في 1962 على منطقة أكساي تشين بنحو 15% من كشمير، التي تعتبرها الهند جزءا من إقليم لداخ.وفي سنة 2019 قامت الهند بإلغاء المادة 370 من دستورها ، و التي كانت تمنح كشمير وضعاخاصا ، إجراء أثار غضب باكستان، التي خفضت العلاقات الدبلوماسية مع نيودلهي. وليستمر النزاع لمرحل أخرى جاعلا من إقليم كشمير واحدة من أكثر النقاط الجيوسياسية حساسية، وذلك بالنظر لانخراط ثلاث قوى نووية في هذا الصراع الإقليمي، الهند و باكستان والصين .
صراع يعيد إلى الأذهان تساؤلات حول مدى فعالية الردع النووي في منع النزاعات بين الدولتين. فرغم امتلاك الهند وباكستان للسلاح النووي، فقد شهدت العلاقات بينهما عدة مواجهات محدودة، مثل نزاع كارغيل عام 1999.وذلك بالرهان على “نزاع محدود متحكم فيه”والذي يظل محفوفا بالمخاطر، خاصة مع وجود فواعل غير رسمية قد تؤدي إلى تصعيد غير متحكم فيه.
في هذا السياق، دعا مجلس الأمن الدولي إلى ضبط النفس وتجنب التصعيد، مؤكدا على أهمية الحوار والدبلوماسية كوسائل لحل النزاع. إلا أن المواقف المتشددة من كلا الجانبين تشير إلى أن الوضع لا يزال هشا، وأن أي خطأ في الحسابات قد يؤدي إلى تصعيد غير محسوب العواقب.
ختاما، يظهر أن الردع النووي، رغم أهميته، لا يكفي وحده لضمان الاستقرار بين الهند وباكستان. الحل يكمن في تعزيز قنوات الاتصال وبناء الثقة واللجوء إلى الدبلوماسية لحل الخلافات، بعيدا عن التصعيد العسكري الذي قد تكون عواقبه وخيمة على المنطقة بأسرها.
*محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.