
الرباط/ أحمد البوحساني
في توجه اعتُبر نقلة نوعية في مسار تسوية النزاع حول الصحراء المغربية، أعلنت المملكة المتحدة دعمها الصريح لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب، معتبرة إياها الحل “الأكثر مصداقية وواقعية وقابلية للتنفيذ”. هذا التحول البريطاني الجديد يندرج ضمن سلسلة مواقف داعمة من قوى دولية مؤثرة، بدأت بالموقف الأمريكي سنة 2020، ثم الإسباني في 2022، والفرنسي في 2024، ما يعكس اتساع دائرة التأييد الدولي للمقترح المغربي كخيار عملي لحل هذا النزاع المزمن.
ويؤكد محمد بودن، الخبير في الشؤون السياسية والدولية، في تصريح خص به موقع الدار، أن هذا الدعم البريطاني ليس مجرد موقف رمزي، بل هو مؤشر على تحوّل عميق في موازين التعامل مع قضية الصحراء، ويعكس إدراكًا متزايدًا لدى عواصم القرار العالمي بأن مبادرة الحكم الذاتي تمثل المخرج السياسي الأكثر اتزانًا لهذا النزاع الإقليمي المفتعل. ووفقًا لبودن، فإن هذا الموقف يحمل في طياته دلالات سياسية واستراتيجية، تعزز من موقع المغرب كشريك موثوق ومؤثر في محيطه الإقليمي والدولي.
ويرى بودن أن التحول البريطاني يعكس تطورًا نوعيًا في العلاقات الثنائية بين الرباط ولندن، ويكرّس شراكة متقدمة بين ملكيتين عريقتين، تقوم على أسس التفاهم والتقاطع الاستراتيجي في ملفات الأمن والتنمية والاستقرار. كما يؤشر إلى وجود رؤية مشتركة بين البلدين في ما يتعلق بتكريس حلول سياسية عملية للنزاعات، بدلًا من الاستمرار في منطق الجمود.
وأضاف بودن أن هذا الموقف يحمل أيضًا رسالة مضمَرة إلى الجزائر، التي باتت معزولة دبلوماسيًا في هذا الملف، خاصة مع اتساع دائرة الاعتراف الدولي بجدية المقترح المغربي. واعتبر أن أمام الجزائر فرصة لمراجعة حساباتها، والانخراط في دينامية سياسية جديدة أكثر عقلانية، تتماشى مع التحولات الجارية في مواقف العواصم المؤثرة.
وأوضح بودن أن هذا التطور يحمل عدة أبعاد، أبرزها الواقعية التي باتت تطبع السياسة الخارجية البريطانية، حيث يشير الموقف الجديد إلى وعي بضرورة الانخراط في الحلول الممكنة والفعالة بدلًا من الرهان على مقاربات متجاوزة. كما يعكس الموقف ثمرة لنجاح الدبلوماسية المغربية، التي جعلت من قضية الصحراء معيارًا لقياس صدقية الشراكات والتعاون الدولي.
وأشار إلى أن الثقل الجيوسياسي لبريطانيا، باعتبارها عضوًا دائمًا في مجلس الأمن، وفاعلة في منظومات دولية كالكومنولث والناتو ومجموعة الدول السبع، يُضفي على دعمها للمبادرة المغربية بعدًا استراتيجيًا مؤثرًا في موازين الملف داخل أروقة الأمم المتحدة. كما أن توقيت هذا الموقف، قبيل الذكرى الثمانين لتأسيس المنظمة الأممية، وفي ظل قيادة سياسية جديدة في بريطانيا، يعكس رغبة في المساهمة الجادة في تسوية هذا النزاع الممتد.
وبرأي بودن فإن هذا الموقف البريطاني يُعد محطة مفصلية في مسار الاعتراف الدولي المتنامي بمبادرة الحكم الذاتي، كما يمثل دعوة غير مباشرة إلى الأطراف الأخرى للانخراط في منطق الحلول الواقعية، بدلًا من البقاء رهينة حسابات إيديولوجية لم تعد تقنع القوى الفاعلة في النظام الدولي.