أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

“منصة مراكش” هندسة أمنية جديدة لمكافحة الإرهاب في إفريقيا

"منصة مراكش" هندسة أمنية جديدة لمكافحة الإرهاب في إفريقيا

 

تشكل الدورة الرابعة للاجتماع رفيع المستوى لرؤساء وكالات مكافحة الإرهاب والأمن في إفريقيا، المعروفة بـ”منصة مراكش”، محطة محورية في مسار بناء منظومة أمن جماعي إفريقي متكاملة، تستجيب لتحولات التهديدات الإرهابية في القارة، وتعكس وعيا جماعيا بأن الخطر المتربص بأمن الدول لم يعد منحصرا بين حدودها الترابية، بل أصبح ظاهرة عابرة للدول والقارات، مما يفرض منطق الشراكة، ومنهج التآزر والتعاون .

إن احتضان آكادير وسط المملكة المغربية، لهذا الحدث تحت الرئاسة المشتركة مع مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، و بحضور أجهزة إستخباراتية وأمنية من مختلف الدول الإفريقية، وإلى جانب وفود من دول أوروبية و أمريكية وأسيوية ،أمر يكرس انخراط المملكة في إرساء عقل أمني جماعي، يؤمن بأن الأمن ليس مسألة قمعية أو تقنية فحسب، بل هو صناعة إستراتيجية معقدة، تنهض على المعرفةوالتعاون وبناء الثقة. فكما قال مونتسكيو: “الأمن لا يتحقق إلا حين يشعر الأفراد بأن القانون يحرسهم لا يطاردهم، وأن الدولة تقيهم لا تتجسس عليهم.”
ففي ظل واقع إقليمي يتسم بعودة التهديدات الإرهابية بوجوه جديدة، وإنبعاث تحالفات خفية بين التنظيمات المتطرفة وشبكات الجريمة المنظمة، تبدو الحاجة أكثر إلحاحا لبناء جبهة إفريقية موحدة، تتجاوز حدود التنسيق التقليدي إلى وضع معمار أمني مؤسساتي قار، يجعل من تقاسم المعلومات وتحليلها في الزمن الحقيقي ركيزة لصد المخاطر قبل وقوعها. وقد بين التاريخ الحديث أن غياب التعاون الإستخباراتي كان عاملا حاسما في فشل العديد من العمليات الإستباقية، بينما أنقذ التنسيق العابر للحدود أرواحا لا تحصى، كما وقع في تجارب دول الساحل التي إستفادت من التحذيرات المغربية في تفكيك شبكات تهريب السلاح والبشر.
إن الاهتمام الدولي البالغ بهذه المنصة، والمشاركة الواسعة لدول من خارج القارة ، يعكسان وعيا كونيا بأن إفريقيا لم تعد حيزا جغرافياً منسيا، بل صارت ساحة إستراتيجية يتقاطع فيها الأمن بالهجرة، والتنمية بالاستقرار، والتطرف بالهوية. فالمغرب، بقيادة ملكية حكيمة و رؤيته متبصرة، نجح في جعل المملكة المغربية منارة للسلام الإقليمي، ومنصة للحوار الأمني القائم على الاحترام والتكامل، لا على الإملاء أو الوصاية.
هذه الدينامية التي تدل على أن مفهوم الأمن الإفريقي دخل مرحلة جديدة، تقتضي التفكير في أدوات ذكية واستباقية ومرنة، لمجابهة عدو يتغير باستمرار. فكما قال الجنرال الفرنسي بيير دو فيلييه: “التهديد الجديد لا يرتدي زيا موحدا، ولا يحمل بندقية واحدة، إنه يتسلل في العقول قبل أن يظهر في الشوارع.” ومن هذا المنطلق، يصبح من الضروري دمج المقاربة الوقائية في صلب السياسات الأمنية، عبر برامج التأطير الديني، وتمكين الشباب، والتربية على المواطنة، وتجفيف منابع التطرف في محاضنه الثقافية والإجتماعية.

ختاما ، “منصة مراكش” ومن أكادير، ليست مجرد لقاء سنوي، بل هي لحظة تأسيسية لتكريس مبدأ “الأمن بالإعتماد المتبادل”، وتجسيد رؤية واقعية تعتبر أن زمن الحلول الأحادية قد ولى، وأن مستقبل إفريقيا رهين بقدرتها على إمتلاك مصيرها الأمني بعقولها وإرادتها ومؤسساتها. إنها شهادة أخرى على أن إفريقيا ، التي عانت طويلا من ويلات التدخلات الخارجية، قد بدأت تكتب فصول أمنها الجماعي بأقلامها، وتخطط لمستقبلها بوعي منفتح، وبدبلوماسية أمنية تعترف بأن القوة وحدها لا تصنع السلام، بل يصنعه الفهم والشراكة والإحترام المتبادل.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى