التصادم الإيراني الإسرائيلي إختبار لتفوق التكنلوجيا العسكرية بين الشرق والغرب
التصادم الإيراني الإسرائيلي إختبار لتفوق التكنلوجيا العسكرية بين الشرق والغرب

لم يعد الصراع الإيراني الإسرائيلي مجرد مواجهة تقليدية محكومة باعتبارات جيوسياسية أو محمولة على رهانات أيديولوجية، بل تحول إلى منصة ميدانية لاختبار ما بلغته التكنولوجيا العسكرية من تطور، وما أنتجته عقول الشرق والغرب من منظومات تسليح متباينة في التصميم والرؤية والتكتيك. فكل صاروخ يطلق، وكل طائرة مسيرة تعبر الأجواء ، وكل نظام دفاعي يثم تفعيله، لا يمكن النظر إليه فقط كإعلان عن تصادم عسكري ، بل يعتبر تقريرا ميدانيا يرفع إلى غرف القيادة في تل أبيب و طهران، وفي واشنطن وموسكو و بكين، حول فعالية الأداء والقدرة على الرد، وحدود السيطرة.
إسرائيل التي يعتبرها العالم كقوة عسكرية متقدمة تقنيا،والتي تخوض مواجهة كوكيل مباشر للمنظومة الغربية، مستندة إلى ترسانة معقدة من الدفاعات الجوية التي تشمل القبة الحديدية، وآرو 3، ومنظومات باتريوت الأميركية، إلى جانب أسلحة سيبرانية لا تقل فتكا، والتي راكمت خبرتها منذ واقعة Stuxnet التي طالت البنية النووية الإيرانية قبل أكثر من عقد.
في المقابل ، تصر إيران على خوض حرب التكنولوجيا بشروطها، عبر ترسانة هجينة تجمع بين الصناعات المحلية ،والتي تعتمد إلى حد كبير على الهندسة العكسية، والدعم الخفي من حلفائها في موسكو وبيونغ يانغ وبكين. إنها معركة إثبات وجود داخل الإقليم، ولكن بأدوات مستمدة من خارجه.
في هذا التصادم ، لم تعد خطوط النار محصورة بين تل أبيب وطهران، بل امتدت إلى أراض عربية تحولت إلى ميادين مفتوحة لتجريب الأسلحة بدأ من سوريا ولبنان وإلى غزة والعراق ثم اليمن. حيث أختبرت المسيرات الإيرانية لتقابلها تكنولوجيا الرصد والإستهداف الدقيق الإسرائيلية، المعززة بخوارزميات الذكاء الإصطناعي. ساحة وغى تقاس فيها قدرة الصواريخ على اختراق الدفاعات الأرضية ، ويقوم فيها أداء القبة الحديدية في مواجهة الأسراب الهجومية الإيرانية ، ويعاد من خلالها رسم الخرائط التكتيكية بناء على نتائج ميدانية .
مع هذا التنافس الصارخ في المجال المادي، تفتح جبهة موازية لا تقل شراسة في الفضاء السيبراني، حيث تدور حرب برمجيات خفية تستهدف منشآت حيوية ومراكز قيادة، وأنظمة اتصالات ومرافق طاقة. فتبادل الهجمات الإلكترونية بين إيران وإسرائيل لم يعد مجرد تكتيك دعائي، بل أصبح جزءا عضويا من العقيدة القتالية لكلا الطرفين ، وهو ما يجعل من هذا التصادم ساحة مكتملة الأبعاد البرية والجوية والفضائية بثقنيات سيبرانية و دكاء إصطناعي .
إن المقلق في هذا المشهد المتسارع، هو أن هذه الحرب التكنولوجية لا تخاض في مختبرات معزولة أو حقول تجريبية صناعية، بل في عمق مدن مأهولة، وبين أطفال ونساء وشيوخ، تنتهك فيهم المعاهدات الدولية والأخلاقيات الإنسانية باسم “الردع” و”السيادة” و”أمن الدولة”. ولئن كان الغرب يتفاخر بقدراته الدفاعية، فإن الشرق يراهن على إستنزاف تلك القدرات بتكتيكات غير متماثلة وحروب عصابات وهجمات مباغتة، في إستعادة لمبدأ الحرب الذكية .
فالصراع بين إيران وإسرائيل، لا يمكن فصله عن الصراع الأكبر بين محورين متقابلين ، محور أميركي و إسرائيلي يستند إلى التفوق التقني والتنسيق الاستخباراتي العالي، ومحور إيراني و روسي و صيني يسعى إلى كسر هذا التفوق عبر إستراتيجيات الإنهاك والتشويش والمباغتة. وبين هذين المحورين تتحدد اليوم ملامح توازن قوى دولي جديد، لم تعد فيه التكنولوجيا مجرد أداة للهيمنة، بل ميدانا للفعل الإستراتيجي.
ختاما ، لقد تحول الشرق الأوسط إلى ساحة إمتحان مفتوح بين مدارس تكنولوجية متضادة، تتواجه فيها الدقة والسرعة مع الكم والتشويش، والهيمنة السيبرانية مع حرب العصابات الرقمية. وإن كانت إسرائيل تختبر مدى نجاعة منظوماتها الدفاعية، فإن إيران تختبر قدرتها على إختراق تلك المنظومات بأقل كلفة وأكبر أثر. وتبقى الحقيقة الموجعة أن الشعوب وحدها هي من تؤدي ثمن هذا الاصطدام التكنولوجي و العسكري، الذي لم يعد يسأل عن القانون الدولي ولا عن الإنسان .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.