أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

صدام إيران وإسرائيل بعد التدخل الأمريكي و بداية تفكيك الشرق الأوسط.

صدام إيران وإسرائيل بعد التدخل الأمريكي و بداية تفكيك الشرق الأوسط.

لم يعد الصراع الإيراني الإسرائيلي مجرد تجل من تجليات التوتر الإقليمي، بل تحول إلى واجهة مركزية في صراع النظام الدولي على إعادة توزيع النفوذ والثروات والهويات. فما كان يدار عبر الوكلاء والضربات الموضعية، دخل اليوم منعطفا مفصليا مع تدخل الولايات المتحدة الأمريكية المباشر وإستهدافها مواقع إستراتيجية حساسة داخل إيران بإستخدام أسلحة دقيقة وعالية التطور، في سابقة تنذر بتحول تكتيكي قد يفتح الباب أمام حرب واسعة النطاق.

تدخل أمريكي لا يمكن عزله عن السياق العالمي المتغير، حيث أصبحت المنطقة ساحة إختبار بين القوى الصاعدة والقطبية الأمريكية المتراجعة التي تسعى جاهدة لتثبيت تفوقها عبر تفكيك كل بنية مقاومة أو مستقلة. ولم تعد إيران في هذا السياق تستهدف بسبب مشروعها النووي أو خطابها العقائدي، بل لأنها تمثل نواة محور يتحدى منطق الإنصهار الكامل في العولمة النيوليبرالية، ويرفض الإرتهان الكلي للمراكز الإمبريالية.
لكن هذا المخطط يبدو أكثر خطورة من مجرد تغيير نظام سياسي أو تصفية حسابات تاريخية، فـتفكيك إيران بما تحمله من تركيبة إثنية ومذهبية معقدة، وموقع جغرافي استراتيجي وامتدادات جيوسياسية نحو العراق وسوريا ولبنان واليمن وآسيا الوسطى، قد يطلق سلسلة إنعكاسات تهدد بتفجير المنطقة بأكملها، لا سيما وأن القوى المتصارعة لا تملك تصورا واضحا لما بعد الإنهيار.
أما إسرائيل، التي إعتادت إدارة صراعاتها ضمن منطق الردع التقليدي والثنائي، فقد تجد نفسها، في مواجهة تهديدات أكثر غموضا، تنبع من جماعات لا مركزية أو كيانات خارجة عن السيطرة، تستثمر في غياب الدولة وتنتج عنفا غير مسبوق لا يمكن إحتواؤه بمنظومات الدفاع المتطورة أو بالتفوق الجوي وحده.
وفي خضم هذه الفوضى، ستدرك بعض دول الخليج وآسيا الوسطى أن ضعف إيران ليس بالضرورة مكسبا إستراتيجيا، بل قد يكون مقدمة لإنفلات شامل لا يعترف بالحدود ولا يبقي على إستقرار مصطنع. ذلك أن الحريق حين يشعل في بلاد فارس، لا يتوقف عند بواباتها، بل سيبعثر ميزان القوى الإقليمي والعالمي خاصة بعد إغلاق مضيق هرمز.
فالشرق الأوسط لم يعد مجرد مسرح لصراعات محلية متقطعة، بل تحول إلى مختبر مركزي لإعادة تشكيل نظام العالمي جديد ، حيث تتقاطع رهانات مشروع “الحزام والطريق”، مع المساعي الغربية لعرقلة صعود الصين وروسيا، وتحجيم كل قوة إقليمية ترفض التموضع تحت العباءة الأمريكية. ويبدو أن استراتيجية “الإحتواء بالعنف المركز” التي تقودها واشنطن وتل أبيب، لم تعد تكتفي بالحروب بالوكالة، بل إنتقلت إلى منطق الإشتباك المباشر والمقنن.
ليبقى السؤال الجوهري يبقى، هل نحن أمام مناورة عسكرية مدروسة لإعادة ضبط قواعد اللعبة؟ أم أن طلقة أولى قد أطلقت في مسار لا يمكن التحكم بمآلاته؟ خاصة وأن الشرق حين يشتعل لا يحترق وحده، بل يسحب معه الأطراف جميعا إلى جحيم حرب عالمية ثالتة.

ختاما، لقد علمنا التاريخ أن الشرق الأوسط حين يتحول إلى بؤرة تفكيك، لا ينتج فقط أنقاض الدول، بل يفرز نظاما عالمياجديدا من رماد الحروب…

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى