سلايدرمغرب

في ذكرى عيد العرش: الصحراء المغربية وثلاثة ملوك

بقلم: نورالدين زاوش

ما كنا لنعيش، يوما واحدا، نزاع الصحراء المفتعل لو لم يكن محمد الخامس، يتعامل بأخلاق “المدينة الفاضلة” التي تحدث عنها “الفارابي”، وما كنا لنعرف الجمهورية الصحراوية “الفنكوشية”، ولا كنا عرفنا أسماء قادتها الورقيين، لو لم يكن، رحمه الله تعالى، يتصرف بعاطفة جياشة وحماسة زائدة وكأنه واحد من الشعب؛ كثير من مشاعر الحب والود والتسامح والأثرة، وقليل من الحكمة والحنكة والكياسة والسياسة.

لو كان محمد الخامس، طيب الله ثراه، وافق على شَرْطَي فرنسا المتمثلين في إقامة التجارب النووية في الصحراء الشرقية المغربية، والتي أقيمت على كل حال، وشَرْط التوقف عن الدعم العسكري في معركة استقلال الجزائر، والتي لم تستقل على كل حال؛ لكانت جغرافيتنا اليوم تضم صحراءنا الشرقية، بدل أن نهدر نصف قرن في إثبات أننا أصحاب الصحراء الغربية، ومالكوها الشرعيون والتاريخيون.

حينما تولى العرش الحسن الثاني، رحمه الله، تبدلت قواعد اللعبة؛ وتغير منطق التعامل بالعفو والترفع والحُسنى إلى منطق التعامل بالمثل؛ ورغم أن مشاعر الود لم تتغير اتجاه الأشقاء الجزائريين؛ إلا أنها أصبحت أكثر نضجا وعقلانية، وهو ما أكدته المعارك التي أدَّب فيها الحسن الثاني الجيش الجزائري الباغي، ومِن بين مَن أدَّب فيها الجنرال “شنقريحة” شخصيا، والذي كان وقتها مجرد ضابط بالكاد بدأ باستعمال الحفاضات في الأسر.

هكذا أعاد الحسن الثاني، رحمه الله، قطار الصحراء إلى السكة الصحيحة، فأقام المسيرة الخضراء، ثم استرجع بعدها أقاليم واد الذهب والساقية الحمراء، وانتصر في الحرب على عصابات البوليساريو المدعومة من نصف حكومات العالم، وعلى رأسها المعسكر الشرقي، وأمريكا اللاتينية، وأنظمة الدول العربية الانقلابية كمصر وليبيا، فاستتب الأمن في ربوع صحرائنا المباركة، وانطلقت فيها مرحلة التعمير والتشييد والبناء، حتى عادت أيقونة تفوق جمال عواصم إفريقية، وتضاهي، في بعض الجوانب، رونق بعض المدن الأوروبية.

وإذ نخلد اليوم الذكرى 26 من تربع مولانا الإمام، جلالة الملك محمد السادس، حفظه الله تعالى وأدام له النصر والتمكين، عرش أسلافه الميامين، نُذَكِّر بأن في عهد جلالته عشنا أزهى عصرٍ فيما يخص قضيتنا المقدسة؛ فأصبحنا من يضع القواعد ويُملي الشروط، وصرنا من يزخر بروح المبادرة، ويملك أدوات المباغتة؛ ويُحْسِن الموازنة بين أخلاق القوة وقوة الأخلاق؛ فلا نميل، في لحظة من اللحظات الحماسية العابرة، التي يتقنها الشعب ولا يتقن غيرها، إلى المُثل العليا التي لا وجود لها سوى في بطون كتب الفلاسفة ودواوين الشعراء، ثم نضطر بعدها إلى أن ندفع ثمن تلك اللحظة “النبيلة” عقودا طويلة من الجهد والكد وإهدار الموارد والطاقات، تماما مثل ما دفعناه مِن مقابلَ جرّاء تلك الغلطة “النبيلة” التي سقط فيها، عن حسن نية وصفاء سريرة، محمد الخامس، رحمه الله تعالى وأدخله فسيح جناته.

إن لحظة اتفاق “أبراهام”، الذي ربطه الكثيرون بقضية الصحراء، والذي قررت عَقْدَه الدولة المغربية الطاعنة في التاريخ، العارفة بأسرار السياسة والدبلوماسية، والخبيرة في شؤون العلاقات الدولية، باعتراف دول المعمور، من الممكن أن لا تكون لحظة “نبيلة”؛ ولا يضيرنا في شيء أن لا تكون كذلك، مادامت العبرة بالمقاصد والغايات وليس بالشكل والمظاهر؛ وعلى أيٍّ، فعدم إبرام هذا الاتفاق لم يكن ليجعل ما يقع في غزة أفضل؛ بل بالعكس تماما، فكل ما يقع فيها اليوم من تقتيل وتهجير وإبادة وتجويع وتشريد، كان سيحدث على كل حال.

زر الذهاب إلى الأعلى