أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

حين يضع مسعد بولس النقاط على حروف قضية الصحراء المغربية في عقر قصر المرادية.

حين يضع مسعد بولس النقاط على حروف قضية الصحراء المغربية في عقر قصر المرادية.

تتبعنا كما تتبع الكثيرون الحوار الذي أجرته صحيفة “الوطن” الجزائرية مع مسعد بولس، المستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. حوار لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الإقليمي والدولي الذي يطبع المرحلة، ولا عن طبيعة الزيارة التي أجراها المسؤول الأمريكي إلى الجزائر أواخر شهر يوليوز 2025. فبالرغم من اللغة الدبلوماسية التي اتسم بها الحوار، إلا أنه حمل رسائل مباشرة للجزائر، عبرت عن المواقف الصلبة للإدارة الأمريكية ،والتي تؤكد الخط الثابت الذي تتبناه إزاء قضية الصحراء المغربية.

إن التأكيد على تقدير الحوار مع الجزائر، والثناء على “الريادة الجزائرية في مكافحة الإرهاب”، وكما سطر عليه إعلام الجارة الشرقية بالبند العريض، لا يمكن النظر إليه إلا من خانة المجاملات البروتوكولية واللغة التي تقتضيها الأعراف الدبلوماسية، خاصة بعد لقاءات جمعت بولس بالرئيس تبون ووزير الخارجية عطاف. إلا أن هذه العبارات، التي قد تقرأ بإيجابية في الإعلام الجزائري، لا تغير من واقع جوهر الموقف الأمريكي والذي ظل ثابتا، بل وأعيد التشديد عليه بوضوح بدعم المخطط المغربي للحكم الذاتي وإعتباره الإطار الوحيد والأوحد المقبول للتفاوض. هذا التصريح المؤلم الوقع على حكام قصر المرادية و الذي نشر صراحة في صحيفة الوطن الجزائرية، يشكل صفعة دبلوماسية ناعمة، ويعد امتدادا لمواقف أمريكية سابقة تتجاوز ولاية ترامب نفسه، مما يجعل من الوهم الإعتقاد بإمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بخصوص ملف الصحراء المغربية.
أما حديث بولس عن الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على المنتجات الجزائرية، وتبريره إياها بأنها إستجابة للعجز التجاري الأمريكي، فيكشف البعد النفعي البارد الذي تحكمه العقيدة الإقتصادية لإدارة ترامب ، والتي لا تقيم وزنا كبيرا للصداقات أو الحساسيات الدبلوماسية عندما يتعلق الأمر بالمصالح التجارية. ورغم محاولة بولس إضفاء نوع من الليونة بالحديث عن “تعزيز العلاقات الاقتصادية بطريقة متوازنة”، فإن القرار بحد ذاته يعكس محدودية تأثير الجزائر في المعادلة الإقتصادية الأمريكية، ويوضح أن واشنطن ليست بصدد تقديم تنازلات مجانية على حساب حليفها الإستراتيجي المملكة المغربية.

إن هذا الحوار، ومن وجهة نظرنا المتواضعة، يقودنا إلى إستخلاص أن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس ترامب أو غيره، تتعامل مع ملف الصحراء المغربية من زاوية المصلحة الجيوسياسية والإستقرار الإقليمي، وهو ما جعلها تراهن على المقاربة المغربية التي تجمع بين الواقعية السياسية والحلول المؤسساتية. كما أن الإدارة الأمريكية تدرك جيدا محدودية الرؤية الجزائرية التي تراوح مكانها وتوظف القضية في صراعات داخلية وأجندات إقليمية، لا تفضي سوى إلى مزيد من العزلة. فرسالة مستشار ترامب التي حملها حواره مع صحيفة “الوطن” الجزائرية هي أن الحل الوحيد لإنهاء نزاع الصحراء المغربية هو الحكم الذاتي الذي يقدمه المغرب، رسالة كان لها وقع كبير على قادة الجزائر ،والتي تجد نفسها اليوم مضطرة إلى إعادة النظر في خطابها الدبلوماسي، وتجاوز منطق الإنكار، والقطع مع أوهام الحرب الباردة التي عفا عنها الزمن، إن هي أرادت فعلا أن يكون لصوتها وزن في المعادلات الدولية المقبلة.

ختاما، الحوارات الصحفية مع المسؤولين الحكوميين، من قبيل مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لا تقوم بجمال العبارات الدبلوماسية، بل بمدى إنسجامها مع التحولات العميقة في موازين القوة والشرعية. والمواقف الدولية لم تعد اليوم تتسامح مع الخطابات العدائية الجامدة.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
خبير في نزاع الصحراء المغربية.

زر الذهاب إلى الأعلى