الإعتداء الإسرائيلي على قطر بين مبدأ السيادة وقصور النظام القانوني الدولي
الإعتداء الإسرائيلي على قطر بين مبدأ السيادة وقصور النظام القانوني الدولي

شكل الاعتداء الإسرائيلي على سيادة دولة قطر خرقا سافرا لجوهر القانون الدولي العام، الذي أقام بنيانه منذ ميثاق الأمم المتحدة على مبدأ إحترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، ومنع التهديد أو إستعمال القوة في العلاقات الدولية. فقد نصت المادة الثانية من الميثاق بوضوح على حظر اللجوء إلى القوة إلا في حالتي الدفاع الشرعي عن النفس أو بناء على تفويض صريح من مجلس الأمن. وما سوى ذلك يدخل في خانة العدوان، بإعتباره الجريمة الدولية الأولى التي تتفرع عنها باقي جرائم القانون الدولي .
إن أي قراءة لهذا الإعتداء وفي ضوء السوابق القضائية الدولية ستبين لنا أن فعل الاعتداء على ذولة ذات سيادة كاملة وعضو بهيئة الأمم المتحدة، لا يستقيم مع أي تبرير قانوني. فقد قضت محكمة العدل الدولية في حكمها في قضية نيكاراغوا ضد الولايات المتحدة سنة 1986، بأن التدخل في شؤون الدول أو دعم أنشطة عسكرية على أراضيها يشكل انتهاكا لقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي (jus cogens). كما أقرت محاكم نورمبرغ وطوكيو أن جريمة العدوان هي الخطر الأكبر على السلم الدولي، لكونها تفتح الباب أمام جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ورغم أن المجتمع الدولي تمكن بعد عقود من تبني تعريف لجريمة العدوان ضمن النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وتعديلاته في كامبالا لسنة 2010، إلا أن هذا التعريف ما زال محدود الأثر بفعل غياب الإرادة السياسية والقيود الإجرائية التي تحيط به.
واقع مخاض النظام العالمي الجديد اليوم ، يكشف عن معضلة بنيوية في النظام القانوني الدولي المعاصر والذي ثم إقراره بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أن القواعد القانونية تبقى في الغالب حبرا على ورق ما لم تسندها آليات إلزامية محايدة للعمل على نفاذها وإلزام الدول بالعمل بها. فمجلس الأمن باعتباره الجهاز الرئيسي المكلف بحفظ السلم والأمن الدوليين، يعاني من عجز مزمن بفعل هيمنة الدول الخمس الدائمة العضوية وإستعمالها المتكرر لحق الفيتو، مما أفرغ مبدأ المساواة بين الدول من محتواه العملي. وهكذا تجد بعض الدول، وفي مقدمتها إسرائيل، نفسها في مأمن من المحاسبة، مهما بلغ حجم انتهاكاتها.
إن ما وقع من إعتداء على قطر يفرض إعادة التفكير في جدوى البنية الحالية للنظام الدولي. فالقانون الدولي لا يستمد مشروعيته من النصوص وحدها، وإنما من قدرته على حماية الضعيف كما القوي، وضمان إحترام السيادة دون تمييز أو انتقائية. وإذا لم يتم الانتقال من منطق “قانون القوة” إلى “قوة القانون”، ستظل السيادة العربية عرضة للإختراق، وستبقى جامعة الدول العربية أسيرة بيانات الشجب والإدانة، دون أي أثر عملي لصون الأمن القومي العربي.
ختاما، إن اللحظة التاريخية الحالية، تقتضي إرادة سياسية إقليمية و دولية لإعادة الاعتبار لقاعدة الشرعية الدولية، وإعادة النظر في فعالية قواعد القانون الدولي، وإلى إصلاح عميق لبنية المؤسسات الأممية وعلى رأسها مجلس الأمن، حتى يغدو إحترام السيادة كقاعدة فعلية لا مجرد شعار أممي، وتتحقق بذلك الغاية الأصلية من القانون الدولي المثمتلة في ردع المعتدي وصون السلم والأمن الدوليين.
ذ/ الحسين بكار السباعي
محامٍ وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان