المغرب يقترب من محطة أممية حاسمة في قضية الصحراء: دبلوماسية هادئة تؤسس لتحول استراتيجي وتضع الجزائر أمام عزلة متزايدة
المغرب يقترب من محطة أممية حاسمة في قضية الصحراء: دبلوماسية هادئة تؤسس لتحول استراتيجي وتضع الجزائر أمام عزلة متزايدة

الدار/ إيمان العلوي
مع اقتراب انعقاد جلسة مجلس الأمن المقررة في أكتوبر المقبل حول قضية الصحراء المغربية، يتضح أن الرباط باتت تسير بخطى ثابتة نحو لحظة مفصلية قد تعيد تشكيل ملامح الملف على المستوى الأممي. فالدبلوماسية المغربية، بقيادة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، تنسج خيوط حراك متوازن يجمع بين الهدوء والفعالية، مرتكزة على رؤية استراتيجية تعتبر الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الحل الواقعي والنهائي.
المعطيات المتوفرة تكشف عن مؤشرات قوية على احتمال تعديل مقاربة الأمم المتحدة تجاه مهمة بعثة المينورسو، بحيث تنتقل من دورها التقليدي في مراقبة وقف إطلاق النار إلى دور أكثر فاعلية، يتمثل في دعم المسار السياسي القائم على مقترح الحكم الذاتي. هذا التحول يجد صداه في المواقف الدولية المتنامية الداعمة لخيارات المغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة التي لا تكتفي بالتأكيد السياسي على مغربية الصحراء، بل تدفع شركاتها الكبرى للاستثمار في الأقاليم الجنوبية، ما يمنح القضية بعدًا اقتصاديًا يعزز شرعية الطرح المغربي.
على صعيد آخر، تمكنت الدبلوماسية المغربية، عبر شبكة واسعة من التفاهمات الثنائية والمتعددة الأطراف، من تحييد أي تهديد باستخدام “الفيتو” داخل مجلس الأمن. هذا النجاح يعكس ليس فقط نضج السياسة الخارجية المغربية، وإنما أيضًا قدرتها على فرض نفسها كشريك استراتيجي موثوق في القضايا الإقليمية والدولية.
لكن اللافت أن هذه التحولات لا تنعكس فقط على مستوى مجلس الأمن، بل تلقي بظلالها على الجزائر، التي تجد نفسها في عزلة دبلوماسية متزايدة. فقد تراجع الدعم لأطروحاتها بشكل ملحوظ، فيما لم تعد مواقفها الرافضة لمقترح الحكم الذاتي تجد نفس الصدى الذي كانت تحظى به سابقًا. ويرى مراقبون أن الضغوط الاقتصادية والسياسية، إلى جانب تراجع وزن التحالفات الإقليمية التي كانت تراهن عليها الجزائر، جعلت قدرتها على التأثير في مسار الملف محدودة أكثر من أي وقت مضى.
التحليل الأعمق يشير إلى أن الجزائر أمام معضلة استراتيجية: فهي من جهة لا تستطيع التراجع عن دعمها لجبهة البوليساريو دون أن يعتبر ذلك هزيمة سياسية، ومن جهة أخرى تواجه واقعًا دوليًا يميل تدريجيًا نحو الاعتراف بجدوى المقترح المغربي. هذا الوضع يضعها أمام عزلة دبلوماسية قد تزداد حدة مع أي قرار أممي يعزز دور الحكم الذاتي كحل نهائي.
وبذلك، فإن جلسة أكتوبر المقبلة قد لا تكون مجرد محطة شكلية في مسار نقاش أممي طويل الأمد، بل قد تتحول إلى لحظة فاصلة تُعيد صياغة توازنات المنطقة، وتكرّس موقع المغرب كفاعل إقليمي صاعد، فيما تضع الجزائر أمام تحديات غير مسبوقة في إعادة تقييم خياراتها الاستراتيجية.