الإفراج بالإكراه: كيف أرغمت ألمانيا النظام الجزائري على إطلاق سراح بوعلام صنصال
الإفراج بالإكراه: كيف أرغمت ألمانيا النظام الجزائري على إطلاق سراح بوعلام صنصال

الدار/ سارة الوكيلي
لم يكن الإفراج المفاجئ عن الكاتب الجزائري الشهير بوعلام صنصال حدثًا عابرًا في المشهد السياسي الجزائري، بل محطة كاشفة عن عمق التناقضات داخل نظام الرئيس عبد المجيد تبون، وعن حجم الضغوط الدولية التي بدأت تُقيد هوامش تحرك السلطة في الجزائر، خصوصًا في الملفات المرتبطة بحرية التعبير وحقوق الإنسان.
فبعد اشهر من اعتقال صنصال بطريقة أثارت استنكار الأوساط الثقافية والحقوقية داخل الجزائر وخارجها، جاء تدخل مباشر من ألمانيا ليقلب الموازين. مصادر دبلوماسية غربية أكدت أن برلين مارست ضغطًا شديدًا على السلطات الجزائرية، سواء عبر القنوات الرسمية أو من خلال البرلمان الأوروبي، للمطالبة بإطلاق سراح الكاتب الذي يحمل تقديرًا كبيرًا في الأوساط الفكرية الأوروبية.
ويُعد بوعلام صنصال من أبرز الأصوات الجزائرية المعارضة لهيمنة المؤسسة العسكرية على الحياة السياسية، وقد عرف بكتاباته الجريئة التي تنتقد الاستبداد والفساد، وتدعو إلى مصالحة الجزائر مع قيم الحداثة والديمقراطية. غير أن هذه المواقف جعلته هدفًا للرقابة والمضايقات المستمرة من قبل النظام الذي لا يتسامح مع الرأي المخالف.
الإفراج عنه لم يكن إذن “عفوًا رئاسيًا إنسانيًا” كما حاولت الرئاسة الجزائرية تصويره، بل رضوخًا واضحًا للضغوط الألمانية، في وقت تحاول فيه الجزائر الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع برلين التي تُعتبر أحد أهم شركائها في مجال الطاقة والمعدات الصناعية.
هذا التطور يأتي أيضًا في سياق تزايد عزلة النظام الجزائري على المستوى الأوروبي، بعد سلسلة من التوترات مع فرنسا وإسبانيا، ومحاولاته الفاشلة في تحسين صورته الحقوقية أمام المؤسسات الأوروبية. ويُظهر هذا الحدث أن الخطاب الرسمي الذي يتغنى بـ”السيادة الوطنية” سرعان ما يتبخر عندما تُرفع العصا الدبلوماسية الأوروبية.
من جانب آخر، أثار هذا الإفراج موجة من التساؤلات داخل الجزائر حول مدى قدرة النظام على الصمود أمام ضغوط مماثلة في قضايا أخرى، خصوصًا مع تزايد الاعتقالات التي تطال الصحفيين والنشطاء.
قضية صنصال قد تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من المواجهة الناعمة بين النظام والمثقفين الجزائريين الذين بدأوا يستعيدون جرأتهم في فضح ممارسات السلطة.
يُمكن القول إن قضية بوعلام صنصال تحولت إلى مرآة عاكسة لضعف النظام الجزائري أمام المجتمع الدولي، وكشفت أن منطق “التحدي والممانعة” الذي يتبجح به النظام لا يصمد أمام أي ضغط دبلوماسي جاد. وبينما يحاول تبون حفظ ماء الوجه عبر تبريرات واهية، يبقى الأكيد أن الجزائر الرسمية خسرت جولة جديدة في معركة الصورة والمصداقية أمام العالم.






