
أحمد البوحساني
افتتح رئيس مجلس النواب، السيد راشيد الطالبي العلمي، صباح اليوم، الدورة الثالثة للجمعية العامة لمؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية، بحضور رئيس برلمان غانا ورئيس المؤتمر، السيد ألبان باغبين، ورؤساء وممثلي البرلمانات الإفريقية المشاركة.
وأكد الطالبي العلمي، في كلمة وُصفت بالقوية والجامعة، أن انعقاد هذا اللقاء رفيع المستوى في المغرب يعكس إيمان المملكة العميق بأهمية الحوار الإفريقي-الإفريقي، وبضرورة بناء رؤية برلمانية مشتركة لمستقبل القارة في ظل ظرفية إقليمية ودولية دقيقة.

وشدد رئيس مجلس النواب على أن القارة الإفريقية تتحمل اليوم “العبء الأكبر” من النزاعات والأزمات، خصوصاً مع تصاعد الإرهاب واتخاذه أشكالاً أكثر فظاعة، من تهجير ملايين السكان، وتعطيل التنمية، وإغلاق المدارس، وتقويض الديمقراطية واستقرار الدول.
وأوضح أن الخطر يتضاعف عندما يتحالف الإرهاب مع النزعات الانفصالية الهادفة إلى تفكيك الدول وخلق بؤر دائمة لعدم الاستقرار، داعياً البرلمانات الإفريقية إلى اتخاذ مواقف صارمة وموحدة ضد هذا “التحالف التخريبي” وكل أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
وأكد أن رهان إفريقيا اليوم هو الأمن الجماعي والاستقرار، باعتبارهما شرطاً أساسياً لأي تنمية حقيقية.
وتوقف الطالبي العلمي عند المفارقة المناخية التي تعيشها القارة، إذ تُعدّ إفريقيا الأكثر تضرراً من آثار التغيرات المناخية—من تصحر، وزحف الرمال، وتدمير الغابات، وفيضانات—رغم مساهمتها بأقل من 4% من الانبعاثات المسببة للاحترار العالمي.
وأشار إلى أن هذه الظواهر تنعكس مباشرة على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وعلى جودة حياة ملايين الأفارقة.
وفي موضوع الهجرة، أكد رئيس مجلس النواب ما شدد عليه الملك محمد السادس، بصفته رائداً للاتحاد الإفريقي في مجال الهجرة، بأن 80% من الهجرة الإفريقية هي داخل القارة، مما يستوجب—برأيه—التصدي للصور النمطية المغلوطة التي تُشيطن المهاجر الإفريقي وتتجاهل حقيقة الظاهرة.
واعتبر الطالبي العلمي أن القارة تقف أيضاً أمام تحديات كبرى في الأمن الغذائي، رغم توفرها على 60% من الأراضي الصالحة للزراعة في العالم، مما يدفع الدول الإفريقية إلى إنفاق أكثر من 100 مليار دولار سنوياً لتأمين 80% من حاجاتها الغذائية.
كما كشف أن نصف سكان إفريقيا محرومون من الكهرباء رغم توفر موارد الطاقة التقليدية والمتجددة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على التعليم، والتكنولوجيا، وجودة الحياة.
ودعا رئيس مجلس النواب إلى التفكير في جوهر الأسئلة التي تعيق تقدم القارة: ما جذور هذه المعضلات؟ وكيف يمكن تحويل التحديات إلى فرص؟
وأكد أن إفريقيا تمتلك ثروات هائلة—سطحية وباطنية—ومعادن استراتيجية، وموارد مائية كبيرة، وسواحل واسعة، ومؤهلات تجعلها في قلب التنافس الدولي، “وقارة المستقبل دون منازع”.
وشدد على أن تحويل الإمكانيات إلى ثروات يتطلب إرادة سياسية جماعية، وتجاوز عقليات الانقسام، والالتزام الصارم باحترام سيادة الدول ووحدتها الترابية.
وأشار الطالبي العلمي إلى أهمية تفعيل منطقة التبادل الحر القارية، وإلى الدور الريادي للمغرب في إطلاق مبادرات استراتيجية كفيلة بتغيير مستقبل القارة، من بينها: مسلسل البلدان الإفريقية الأطلسية، و المبادرة الأطلسية لتمكين دول الساحل غير الساحلية من الولوج إلى المحيط الأطلسي، ومشروع أنبوب الغاز الأطلسي بين المغرب ونيجيريا. واعتبر أن هذه المشاريع تشكل رافعة حقيقية للاندماج القاري والازدهار المشترك.
ووجّه الطالبي العلمي رسالة واضحة مفادها أن القارة تحتاج إلى شبابها المتطلع إلى تنمية حقيقية داخل بلدانهم، بدل الهجرة نحو الشمال والغرب. ودعا إلى تحويل النمو الديمغرافي إلى قوة إنتاجية، عبر التعليم والتكوين والمشاريع الكبرى العابرة للحدود.
وأكد رئيس مجلس النواب أن إفريقيا قادرة على صعود قوي في عالم متعدد الأقطاب، بشرط الوحدة، واستثمار ثرواتها لصالح شعوبها، وترسيخ الديمقراطية ودولة المؤسسات.
واختتم بالدعوة إلى الانتقال من مرحلة التشخيص وتراكم الوثائق إلى مرحلة التفعيل والتطبيق العملي، انسجاماً مع الأدوار الدستورية والتشريعية للبرلمانات الإفريقية.






