الجماهير الجزائرية تحتفل في مدينة ليل الفرنسية بفوز “الخضر” على كولومبيا
عاشت مدينة ليل الفرنسية (شمال البلاد) أمس الثلاثاء يوما بهيجا غلبت عليه صور الفرحة والإثارة الرياضية بمناسبة المواجهة الودية بين المنتخب الجزائري لكرة القدم ونظيره الكولومبي، والتي أقيمت على ملعب "بيار موروا" بضاحية فيلناف داسك وانتهت بفوز كبير لـ "الخضر" (3-صفر). وفيما كانت المخاوف من وقوع أعمال شغب، تألقت الجماهير الجزائرية وأعطت مشهدا نظيفا ليتحول الكابوس إلى عرس رسمه نحو 40 ألف مشجع قدموا من مختلف فرنسا والجزائر على حد سواء.
احتفى الجمهور الجزائري الثلاثاء بمنتخب بلاده بأفضل الطرق وعلى أحسن ما يرام، واحتفل بحماس كبير وفرحة شديدة بـ "أبطاله" الفائزين بكأس الأمم الأفريقية قبل ثلاثة أشهر في القاهرة، فخصهم بتكريم شعبي غير مسبوق على الأراضي الفرنسية.
وكانت المناسبة مواجهة ودية بين زملاء رياض محرز ومنتخب كولومبيا على ملعب "بيار موروا" قرب مدينة ليل، شمالي فرنسا حيث تقطن جالية جزائرية كبيرة. وظهر المدرب جمال بلماضي، مهندس الفوز بكأس الأمم القارية، على شاشة الملعب العملاقة قبيل انطلاق المباراة، موجها رسالة تقدير لجمهوره الغفير الرائع، طالبا منه التحلي بالروح الرياضية، متخوفا مثل كثيرين من أن يتكرر سيناريو يوم تعيس وقع في أكتوبر 2001 على ملعب "استاد دو فرانس" بين الجزائر بقيادة الشاب المتألق.. بلماضي وأبطال العالم الفرنسيين بقيادة زين الدين زيدان.
ودخل بعدها البطل الجزائري الأولمبي والعالمي في سابق 1500م توفيق مخلوفي، صاحب الميدالية الفضية في بطولة العالم 2019 لألعاب القوى بالدوحة، ليعلن انطلاق المباراة وسط تصفيقات نحو 40 ألف حنجرة هتفت بمدرجات انحسر لونها على الأخضر والأبيض. وكانت تلك أول مباراة يخوضها الجزائريون في فرنسا منذ نونبر 2008 عندما تعادلوا في مدينة روان (شمال) أمام مالي 1-1، والثانية منذ المباراة "التاريخية" أمام فرنسا.
ولم تخف محافظة ليل، المدينة التي تقع على مسافة نحو 220 كيلومترا من العاصمة الفرنسية باريس، مخاوفها من وقوع أعمال شغب، وقالت في بيان نشرته عشية المباراة أن "حماس وشغف المشجعين الجزائريين بمنتخب بلادهم معروف لدى الجميع"، مشيرة إلى أن مشاغبين اخترقوا الاحتفالات بفوز أشبال المدرب جمال بلماضي بكأس الأمم الأفريقية في شهر يوليوز الماضي ما تسبب بإخلال بالأمن العام.
وفيما كانت السلطات الفرنسية تخشى وقوع أعمال شغب، حول الجزائريون الكابوس إلى عرس تنوعت فيه الأهازيج والأغاني، وتنوعت فيه المظاهر والوجوه بين صغار وكبار ونساء ورجال وأفراد وعائلات، واختلطت الشعارات بين رياضية موجهة وسياسية موجهة للنظام الجزائري، وكأنها رسالة شباب غاضب وشعب محبط من عجز مسؤوليه على النهوض بطموحات الجزائريين.
ودخل "محاربو الصحراء" بتشكيلتهم الأساسية بينهم يوسف عطال وإسماعيل بن ناصر وعيسى ماندي وسفيان فيغولي، فصمدوا في بداية مباراة قوية أمام فريق عنيد خاض ربع نهائي كأس العالم 2018 وخسر بركلات الترجيح أمام إنكلترا لكن غاب عن صفوفه أبرز لاعبين لديه هما فالكاو (غلطة سراي) ورودريغيز (ريال مدريد).
صمدوا واستعانوا في ذلك برزانة وسكينة اكتسبوها منذ تولي جمال بلماضي تدريباتهم في غشت 2018 وتسلحوا بثقوة تعززت بعد حصولهم على نجمة أفريقية ثانية غالية في 19 يوليوز الماضي. وبعد مرور 15 دقيقة، تفجر الملعب فرحة بعد أن سدد المهاجم بغداد بونجاح ضربة قوية جميلة أسكنها في زاوية دافيد أوسبينا، الحارس الكولومبي الذي ينشط بنادي نابولي الإيطالي.
واستفاقت الجزائر ساعتها لتفرض سيطرة شبه مطلقة على منافسها المصاب بالإرباك، متراجعا بسبب الهجمات الجزائرية الخطرة ليتلقى حارسه هدفا ثانيا في الدقيقة 19 عن طريق الكابتن محرز بتسديدة رائعة من خارج منطقة الجزاء إثر ضربة ركنية من بن ناصر.
وتفجر الملعب مرة ثانية وارتفعت الأهازيج من المدرجات وسط دهشة البرتغالي كارلوس كيروش، مدرب كولومبيا. وكاد الاستعراض الجزائري يتواصل في الدقيقة 27 عندما سدد بونجاح على العارضة لتخرج الكرة ضربة مرمى.
واستمر العرض في المدرجات في الشوط الثاني بالتصفيقات والهتافات على الرغم من أن المباراة ودية، لكنها كانت فرصة لتجمع الجزائريين بمختلف انتماءاتهم ومناطقهم، فرفعوا رأسهم عاليا بالرياضة عندما استاؤوا من كل شيء ويئسوا من ولي أمرهم.
استمر العرض على أرض الملعب أيضا، واستقر الحارس رايس مبولحي ورفاقه على التقدم في النتيجة وعلى السخاء في الأداء والدفاع عن الألوان. فأهداهم رياض محرز هدفا ثالثا في الدقيقة 65 على طريقة اللاعب الفنان المتواضع، مستعيدا الكرة من المنافس ومتقدما في خط دفاعه ليسدد في المرمى ويهز الشباك. أناقة وجمال، وحماس وألعاب نارية (ممنوعة أساسا) في المدرجات. شعب متضمر غمرته الفرحة…
وقد انتشر الجمهور الجزائري في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء في وسط ليل، كبرى مدن شمال فرنسا، ورفع أعلام بلاده عالية في السماء صانعا صور الفرحة والتقارب، معربا عن تضامنه مع الحراك الشعبي في أرض الوطن والمطالب برحيل رموز النظام.
وجلب إليه أنظار المارة، ضاحكا مبتسما، بعيدا عن جو المخاوف من أعمال الشغب، معلنا نيته في الاحتفال بالرياضة وأبطالها وعشاقها. وظهرت المدينة ملونة بروح البشاشة والتقارب، فلاقى تجاوبا مريحا مرحبا. فضحك الضيف وفرح المُضيف، فارتاح الشرطي واطمأن الزائر. وهتف الجميع "تحيا الرياضة والأخوة والتقارب".