الأستاذ كروط.. يستعرض كرونولوجيا “الكذب” في مزاعم الزفزافي
أبدى الأستاذ محمد الحسيني كروط، المحامي بهيئة الرباط وعضو هيئة الدفاع عن عناصر القوة العمومية الذين تعرضوا لإصابات جسدية في أحداث الحسيمة وضواحيها، (أبدى) استغرابه الشديد مما اعتبره " إمعان المدان ناصر الزفزافي ومحيطه في الترويج لمزاعم واهية وكاذبة ثبت في جميع مراحل الدعوى العمومية، وفي كافة أطوار التقاضي، بأنها تضليلية ومتضاربة، وأن الهدف منها هو تحوير النقاش العمومي والالتفاف على الحقيقة".
وردًا على التسجيل الصوتي المنسوب لناصر الزفزافي، والذي تم تسريبه مؤخرا من سجن "رأس الماء" حيث يقضي المعتقل فترة محكوميته، والذي ادعى فيه تعرضه للتعذيب وهتك العرض خلال توقيفه، أكد الأستاذ محمد الحسيني كروط بأن الأمر يتعلق بمزاعم كاذبة تم اجترارها في أكثر من مناسبة، وأنها محاولة مجهضة للتنصل من المخالفات التي ارتكبها المعني بالأمر ضد قانون تسيير وتنظيم المؤسسات السجنية، محاولا بذلك إعادة تكرار سيناريو التعذيب لتحريف النقاش والخروج من دائرة النسيان التي دخلها هذا الملف بعد البت فيه ابتدائيا واستئنافيا.
وشدّد محامي عناصر القوة العمومية في ملف أحداث الحسيمة، على أن مزاعم التعذيب التي يدعيها ناصر الزفزافي باتت مكشوفة ولا تحتاج لمزيد من الدفاع أو التأكيد، مستعرضا كافة المحطات القضائية التي قال أنها كشفت " زيف تلك المزاعم الواهية والوهمية".
كرونولوجيا الأحداث.
أكد الأستاذ محمد كروط بأن ناصر الزفزافي تم توقيفه بمعية ثلاثة من مرافقيه بمدينة الحسيمة في 29 ماي 2017، بعدما كان قد لاذ بالفرار على خلفية صدور أوامر من النيابة العامة تقضي بتوقيفه. وقد شاركت في إجراءات التوقيف عناصر من الشرطة القضائية وفرقة الأبحاث والتدخل التي قاومها المعني بالأمر ومرافقيه، وأبدوا عصيانا وعدم الامتثال مقرونين بعنف ضد عناصر القوة العمومية، وهو ما نجم عنه تعرض المعتقل ناصر الزفزافي لكدمات وجروح طفيفة في مقدمة الرأس وأسفل العين وفي الورك من جهة الظهر، وهي الكدمات التي تم توثيقها في محضر التوقيف ووقّع عليها ضباط الشرطة القضائية كما ذيّلها ناصر الزفزافي بتوقيعه ودوّن عليها اسمه في جميع صفحات المحضر الأربعة.
واستطرد ذات المحامي تصريحه، بأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية استمعت لناصر الزفزافي في نفس اليوم، أي في 29 ماي 2019، وأكد في معرض أقواله بأن الكدمات والإصابات التي تبدو عليه ناجمة عن عملية الإيقاف، وأنه تلقى بشأنها العلاجات الضرورية، وهي التصريحات الموثقة والمضمنة في محضر أقواله، والتي أعاد تأكيدها في 5 يونيو 2017 عندما تم عرضه لأول مرة أمام الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء.
وحرصا على شفافية الإجراءات المسطرية، يؤكد الأستاذ كروط، فقد حضر مسطرة الاستنطاق الوكيل العام للملك شخصيا واثنين من نوابه، كما آزر ناصر الزفزافي وباقي المعتقلين عشرات المحامين، من بينهم محامين كملاحظين، وهو ما دفع بالنيابة العامة بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء إلى إجراء الاستنطاق-استثناءا- في قاعة الجلسات وليس في مكتب نواب الوكيل العام، وذلك حتى يتسنى استيعاب كافة الحضور من دفاع ونيابة عامة ومعتقلين. وعندما استفسر الوكيل العام للملك المعتقل ناصر الزفزافي عن الجروح والكدمات البادية عليه، أكد مرة أخرى أنها ناجمة عن التوقيف، وأنه تلقى بشأنها العلاج، وأنه تلقى معاملة حسنة أثناء فترة الوضع تحت الحراسة النظرية عند الفرقة الوطنية للشرطة القضائية. وكل هذه التصريحات، يضيف الأستاذ محمد كروط، موثقة في محاضر الاستنطاق، وكانت بحضور عشرات المحامين من هيئة دفاع المعتقلين، والذين لم يدفعوا نهائيا بأية مزاعم للتعذيب أو هتك للعرض.
وبعد انتهاء مسطرة الاستنطاق، أحال الوكيل العام للملك المعتقل ناصر الزفزافي ومن معه على السيد قاضي التحقيق ملتمسا الأمر بإجراء خبرة طبية طبقا للمادة 134 من قانون المسطرة الجنائية، وبالفعل-يضيف الأستاذ محمد الحسيني كروط-شرع السيد قاضي التحقيق في استنطاق المتهم ناصر الزفزافي ابتدائيا، والذي جدد مرة أخرى التأكيد على أنه تلقى معاملة حسنة خلال فترة الوضع تحت الحراسة النظرية وأنه لم يتعرض للتعذيب، مكتفيا بالقول " أن أحد العناصر المشاركة في التوقيف حاول إدخال قضيب خشبي في دبره نتيجة الاحتكاك خلال عملية المداهمة والتوقيف"، وهو ما دفع قاضـي التحقيق إلى الأمر بإجراء خبرة طبية على المتهـم، للتحقق من هذه الادعاءات والمزاعم.
وبالموازاة مع جلسة الاستنطاق الأولي هذه، أدلى دفاع ناصر الزفزافي ممثلا وقتها في النقيب محمد زيان، الذي كان مرفوقا بالمحامي عبد العزيز النويضي وأب ناصر الزفزافي، بتصريحات إعلامية داخل محكمة الاستئناف بالدار البيضاء قال فيها بالحرف "ناصر الزفزافي في حالة جيدة، تكلم بطلاقة لدى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية وعومل معاملة حسنة وتلقى التغذية (سندويتش الكفتة)".
وبخصوص الخبرة الطبية التي أمر بها قاضي التحقيق، أكد الأستاذ كروط، بأنه عهد بها للطبيب الشرعي جمال العباسي، الذي تلقى كأي طبيب إفادات المعتقل ناصر الزفزافي وأجرى عليه الفحوصات اللازمة طبقا لقواعد بروتوكول اسطنبول وذلك بتاريخ 8 يونيو 2017، قبل أن يخلص في تقريره الطبي إلى انتفاء أية أثار للتعذيب وأن الكدمات التي تظهر عليه، والتي بدأت تندمل، تعود لعشر أيام تقريبا، وهو ما يوافق تاريخ التوقيف الذي كان في 29 ماي 2017.
وأردف الأستاذ كروط بأنه بعد انصرام بضعة أشهر تقريبا من واقعة التقديم أمام النيابة العامة ، قدم الأستاذان إسحاق شارية وعبد الرحيم الجامعي شكاية بالعنف وهتك العرض ضد جميع ضباط الشرطة القضائية الذين شاركوا في إيقاف ناصر الزفزافي، وهي الشكاية التي قررت النيابة العامة حفظها بعدما تبين لها بأن التوقيف كان مبررا وشرعيا طبقا للمادة 124 من القانون الجنائي، وبعدما أكدت الخبرة الطبية التي أنجزها الطبيب الشرعي بأن الجروح والكدمات التي تمت معاينتها تعود لساعة التوقيف، وأنه تم توثيقها والإشهاد عليها في محضر الإيقاف، وكذا الجواب عليها في محاضر الاستماع والاستنطاق أمام الشرطة القضائية والنيابة العامة.
مزاعم التعذيب.. كدفوعات أمام المحكمة
أكد الأستاذ محمد الحسيني كروط بأن ناصر الزفزافي وهيئة دفاعه اختارا، في مرحلة من مراحل المحاكمة، الدفع بالتعذيب لبطلان المحاضر، بدعوى أنها مشوبة بالإكراه، وهي الدفوعات التي رفضتها المحكمة سواء في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية، معللة قرارها بأن العنف كان مبررا لشلّ حركة المتهم، وأن الإجراءات الملازمة له كانت شرعية بسبب تنفيذ أوامر سلطة قضائية، وأن تسجيل هذا العنف كان نتيجة مقاومة المتهم ومرافقيه لعناصر القوة العمومية ولضباط الشرطة القضائية، وهو ما يرفع عنه صفة التعذيب ويدخله في خانة الأعمال المبررة طبقا للمادة 124 من القانون الجنائي.
وأضافت هيئة المحكمة في معرض جوابها على هذه الدفوعات، بأن العبرة بالتعذيب هو أن يقع الألم الجسدي أو النفسي خلال مرحلة الاستماع للمتهم وأثناء سريان الإجراءات بغرض انتزاع أقوال ضده أو ضد الغير، وهي المعطيات التي فندها المتهم نفسه عندما أكد أمام المحكمة وأمام قاضي التحقيق والنيابة العامة أنه تلقى معاملة حسنة أمام الفرقة الوطنية للشرطة القضائية باعتبارها الجهة التي أشرفت على مسطرة البحث التمهيدي.
ورغم أن المتهم ناصر الزفزافي حاول-مرة أخرى- إثارة مزاعم التعذيب خلال مناولته الكلمة الأخيرة أمام هيئة الحكم، فقد اعتبرت هذه الأخيرة عدم ثبوت التعذيب طبقا للنصوص الوطنية والدولية ذات الصلة، وقررت على ضوء ذلك رفض هذه الدفوعات والمزاعم وإدانته ابتدائيا في 26 غشت 2018 وتأييد الحكم استئنافيا في 25 أبريل 2019
التعذيب في القانون الوطني والدولي
استشهد الأستاذ كروط، في معرض توضيحه للمفهوم القانوني للتعذيب، بأحكام الفصل 231-1 من القانون الجنائي المغربي الذي يشترط ضرورة توافر عناصر أساسية ومتلازمة،قال أنها غير متوفرة في حالة ناصر الزفزافي، وهي وجوب ارتكاب فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدي أو معنوي (أولا)؛ وأن يرتكبه عمدا موظف عمومي أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه (ثانيا)؛ وأن يرتكب الفعل في حق شخص بغرض تخويفه أو إرغامه أو إرغام شخص آخر على الإدلاء بمعلومات أو بيانات أو اعتراف بهدف معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص آخر ، أو عندما يكون هذا الألم ناتجا عن التمييز أيا كان نوعه (رابعا)، مع عدم اعتبار الألم أو العذاب الناتج عن عقوبات قانونية أو المترتب عنها أو الملازم لها تعذيبا (خامسا).
وأضاف المحامي الذي ناب عن عناصر القوة العمومية في هذا الملف، بأن ناصر الزفزافي ومحيطه يعتدان بالمفهوم اللغوي للتعذيب لا بمدلوله القانوني، وأنهما لا يميزان بين العنف المشروع والمبرر أثناء التوقيف وبين التعذيب كجناية يرتكبها الموظفون العموميون، وهو ما يجعلهم يستخدمون مزاعم التعذيب بمناسبة أو بدونها، عن جهل أحيانا وعن قصد أحيانا أخرى، وذلك بغرض تحوير النقاش والطعن في سلامة الإجراءات المسطرية.
وبخصوص هذه النقطة الأخيرة، يضيف المحامي كروط، فإن ناصر الزفزافي اختار بعد مرور أكثر من 28 شهرا تقريبا عن توقيفه الإدلاء بمزاعم جديدة حول تعذيبه، والحال أن السياق الزمني الحالي يتحدث عن وقائع مستجدة ومغايرة تتعلق بارتكابه لمخالفات لقانون تسيير وتنظيم المؤسسات السجنية. فناصر الزفزافي، حسب المحامي ذاته، اختار الالتفاف حول جرائم العصيان التي ارتكبها داخل المؤسسة السجنية عبر تكرار سيناريو مزاعم التعذيب، كما أنه آثر الهروب من مسؤوليته عن تلك الأفعال الإجرامية من خلال تعويم النقاش وإعادته إلى نقطة الصفر في جانبه المتعلق بمزاعم التعذيب.
وإمعانا في التوضيح، أكد الأستاذ محمد الحسيني كروط بأن المادة 55 من القانون المنظم للمؤسسات السجنية تنص على إمكانية إصدار تدابير تأديبية في حق أحد المعتقلين لضمان الأمن داخل هذه المؤسسات، ومن بين هذه التدابير الوضع في زنزانة انفرادية (الكاشو) لمدة أقصاها 45 يوما وفق ما هو محدد في المادة 61 من نفس القانون، وهي تدابير معمول بها في المغرب مند عشرات السنين، وفي معظم دول العالم، ولا تنطوي على أي تعذيب أو ممارسة حاطة من الكرامة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الفقرة الأخيرة من الفصل 231-1 من القانون الجنائي، التي لا تعتبر تعذيبا "الألم أو العذاب الناتج عن عقوبات قانونية أو المترتب عنها أو الملازم لها".
وختم الأستاذ محمد الحسيني كروط تعقيبه على مزاعم التعذيب التي أدلى بها ناصر الزفزافي، بأن هذا الأخير كان حريا به أن يلجأ لإمكانية الطعن في القرارات المتخذة ضده أمام لجنة التأديب داخل السجون، لا أن ينبري مرة أخرى يتحدث عن مزاعم ثبت في كل مراحل المحاكمة بأنها ادعاءات كاذبة فاقدة للصحة، ومجانبة للواقع، وأكثر من ذلك سبق للقضاء أن قال كلمته بشأنها ورفضها في عدة محطات قضائية.