الجيش يفتح طرقا قطعها متظاهرون غداة تهجم لمناصري حزب الله على المحتجين في بيروت
فتح الجيش اللبناني وقوى الأمن بالقوة طرقا أغلقها المتظاهرون صباح الاثنين غداة اعتداءات نفذها مئات الشبان من أنصار حزب الله على تجمعات من المحتجين في بيروت، استخدموا فيها الحجارة وتخللتها عمليات تخريب طالت ممتلكات وسيارات.
ودخلت الاحتجاجات غير المسبوقة في لبنان الإثنين يومها الأربعين، فيما ترواح الأزمة السياسية مكانها وسط كباش بين القوى الرئيسية على وقع انهيار اقتصادي ومالي، رغم تحذيرات المجتمع الدولي ودعوته للإسراع بتشكيل حكومة تحظى بثقة اللبنانيين.
وسبق لأنصار حزب الله أن هاجموا خلال الأسابيع الماضية المتظاهرين في وسط العاصمة، لكنها المرة الأولى التي تحصل فيها مواجهة بهذا الحجم. وبدا واضحا أن الحوادث الليلية تركت أثرها على حركة التظاهر اليوم التي بدت خجولة رغم الدعوة لإضراب عام، وعلى رد فعل الأجهزة الأمنية التي بدت مصممة على فتح الطرق.
وكان داني عياش (21 عاما) في عداد المتظاهرين الذين قطعوا جسر الرينغ المؤدي إلى وسط بيروت ليلا لدى تعرض المتظاهرين لهجوم. وعاد صباح الاثنين ليقطع مع عشرات الشبان المدخل الرئيسي لمنطقة الحمرا في غرب بيروت، قبل أن تفرقهم قوات الأمن.
وقال داني لوكالة فرانس برس إن هدف هجوم أمس كان "إخافتنا كأشخاص لمنعنا من المضي قدما والبقاء في منازلنا"، مشيرا الى أن "هذا ما حصل. إذ ثمة أشخاص لازموا منازلهم اليوم".
ووصل قبل منتصف الليلة الماضية عشرات الشبان الى جسر الرينغ حيث كان متظاهرون يقطعون الطريق، وأطلقوا هتافات مؤيدة للأمين العام للحزب حسن نصرالله وحليفه رئيس حركة أمل ورئيس البرلمان نبيه بري. فرد المتظاهرون بهتافاتهم المعتادة "ثورة" و"سلمية"، وأنشدوا النشيد الوطني. لكن التوتر تصاعد عندما بدأ القادمون يطلقون الشتائم ويهددون المتظاهرين أمام كاميرات محطات تلفزيونية محلية بقيت في بث مباشر على مدى أكثر من ثلاث ساعات.
وتعر ضت عشرات السيارات والمحال التجارية للتكسير والتخريب، وفق ما أظهرت تقارير اعلامية، متحدثة عن أن المهاجمين حطموها.
وعلى الأثر، شكلت وحدات من الجيش وقوى الأمن درعا بشريا للفصل بين الطرفين، لكن الاستفزازات من الجانبين تصاعدت. وألقى المهاجمون الحجارة على العسكريين والمتظاهرين والإعلاميين في المكان. وأفاد الدفاع المدني عن نقل عشرة جرحى إلى مستشفيات المنطقة.
عند الساعة الثالثة والنصف (01,30 ت غ) فجرا ، تم تفريق المتجمعين بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع.
باشرت الأجهزة القضائية والأمنية الإثنين تحقيقاتها، بعدما كلفها النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات "الاستماع إلى إفادات المصابين من مدنيين وعسكريين" و"ضبط كاميرات المراقبة" المثبتة في المباني القريبة "للاطلاع عليها وتحديد هويات المعتدين وتوقيفهم".
وقطع متظاهرون الإثنين طرقا عدة خصوصا في منطقتي البقاع (شرق) وفي طرابلس وعكار شمالا ، وفي بيروت ومناطق شرقها، قبل أن يعيد الجيش فتح عدد منها.
وأعلن الجيش توقيف 13 شخصا في منطقتي جل الديب والذوق شرق بيروت لقطعهم الطرق وقيامهم بأعمال شغب، قبل أن يتم اخلاء سبيل 12 منهم.
وانتقد متظاهرون عدم تدخل قوات الأمن والجيش بشكل حاسم لوقف المظاهر الاستفزازية لمناصري حزب الله وحركة أمل. ولم يصدر أي تعليق رسمي عن حزب الله بينما دعا بري القوى الأمنية والجيش الى "التشدد بإبقاء أوصال الوطن سالكة أمام اللبنانيين".
وقال متظاهر يدعى إيلي "لفرانس برس "عندما كانوا يرمون الحجارة علينا ويشتمون الأمن، لم يواجههم أحد".
وكتبت وزيرة الداخلية ريا الحسن للعسكريين ورجال الأمن على تويتر "مهما قالوا أو عاتبوا (…) تبقون الضمانة الحقيقية لحماية البلد".
وحض المنسق الخاص للأمم المتحدة يان كوبيتش عبر تويتر "كافة القوى السياسية على السيطرة على مؤيديها لتجنب استخدام التظاهرات الوطنية لتحقيق أجنداتها السياسية".
ويشهد لبنان منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر تظاهرات غير مسبوقة بدأت على خلفية مطالب معيشية. ويتمسك المحتجون بمطلب رحيل الطبقة السياسية بلا استثناء، لاتهامها بالفساد ونهب الأموال العامة، ويفخرون بأن حراكهم سلمي وعابر للطوائف والمناطق.
وتحت ضغط الشارع، قدم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته في 29 تشرين الأول/أكتوبر. لكن لم يحدد الرئيس اللبناني ميشال عون حتى الآن موعدا للاستشارات النيابية لتسمية رئيس حكومة جديد.
ويثير هذا التأخير غضب المتظاهرين الذين يحملون على القوى السياسية محاولتها الالتفاف على مطالبهم وإضاعة الوقت في ظل انهيار اقتصادي ومالي، وصل معه سعر صرف الدولار الى ألفي ليرة لدى محال الصيرفة بعدما كان مثبتا منذ عقود على 1507 ليرات. وتفرض المصارف قيودا على سحب الأموال خصوصا بالدولار، بينما تعجز مؤسسات وشركات عن دفع مستحقاتها ورواتب موظفيها.
كما يثير التأخير مخاوف المجتمع الدولي والجهات المانحة التي كررت في الأسابيع الأخيرة دعوة القادة السياسيين إلى تشكيل حكومة سريعا تحظى بثقة الشارع.
وأكد المدير العام للشؤون السياسية في وزارة الخارجية البريطانية ريتشارد مور في بيان وزعته السفارة البريطانية على هامش زيارة بدأها في بيروت بلقاء عون في القصر الرئاسي، "الحاجة الملحة" لتشكيل حكومة "بسرعة لتتمكن من تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي ستساعد لبنان على استعادة الاستقرار على المدى الطويل وتحقيق نمو أكثر شمولا ".
وأبدى استعداد بلاده وشركائها في المجتمع الدولي "لمواصلة دعم" لبنان، موضحا في الوقت ذاته أن "مسألة اختيار القادة والحكومة هي مسألة داخلية للبنانيين".
وهي الزيارة الثانية لمسؤول أوروبي إلى بيروت منذ انطلاق الاحتجاجات، بعد زيارة أجراها مدير دائرة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو قبل نحو أسبوعين.