المواطن

مخيم “ولاد زيان”.. حياة مهاجرين بين الانتظار والحلم

الدار/ ترجمة: المحجوب داسع (عن الواشنطن بوست)

في الوقت الذي اختتم  فيه بمراكش، منتدى الهجرة الذي صادق على ميثاق الهجرة العالمية، يقبع المئات من المهاجرين في مخيم بالدار البيضاء في مواجهة الجوع والبؤس والقمل والقذارة.

إن هؤلاء الأفارقة من جنوب الصحراء الذين يراودهم حلم الذهاب إلى أوروبا، هم رمز للمشاكل التي يحاول كبار الشخصيات في العالم التعامل معها، وادراجها في ميثاق الهجرة الأول للأمم المتحدة، والذي تم وضعه في صورته النهائية في مؤتمر عقد في مراكش يومي الاثنين والثلاثاء.

تعيش أعداد متزايدة من المهاجرين في المخيم المؤقت الذي نشأ في ملعب لكرة القدم بالقرب من محطة حافلات مزدحمة في الدار البيضاء، حيث يئنون في معاناة حقيقية تحت الخيام أو الأكواخ المصنوعة من البلاستيك والخشب، وفي عز البرد القارس.

يعتبر الطعام الضئيل، والافتقار إلى الحرارة تقي أجساد هؤلاء المهاجرين من البرد القارس، وعدم وجود الصرف الصحي، أهم المخاوف الرئيسية في مخيم "أولاد زيان"، حيث أصبح القمل والتهابات الجهاز التنفسي متوطنة مع هؤلاء المهاجرين من افريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

يجسد المغرب معضلات متعددة مرتبطة بالهجرة، والتي تواجه البلدان التي اجتمعت في مراكش: إنه مصدر رئيسي للمهاجرين التواقين الى معانقة البلدان الأوروبيين، ولكنه أيضًا بلد عبو،  بالإضافة إلى كونه بلد استقبال لمهاجرين أفارقة آخرين فروا من الفقر والاضطهاد في أوطانهم.

تمت الموافقة رسميا على اتفاق الأمم المتحدة العالمي  للهجرة، المكون من 34 صفحة من أجل هجرة آمنة ونظامية في مراكش خلال المؤتمر المنعقد يومي 10 و 11 دجنبر، لكن الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبية، أبدت اعتراضا على الميثاق.

يضم مخيم أولاد زيان مهاجرين أفارقة يسعون إلى الوصول إلى أوروبا عبر طريق غرب البحر الأبيض المتوسط ​​إلى إسبانيا، بعد أن أدت حملات القمع التي قامت بها إيطاليا ومالطا إلى إبطاء حركة تهريب البضائع في شرق البحر الأبيض المتوسط. وقد حاول العديد من المهاجرين بالفعل التوجه شمالاً إلى الحدود المغربية مع إسبانيا.

في غضون ذلك يبحث هؤلاء المهاجرين عن عمل في الدار البيضاء، على أمل كسب ما يكفي من أموال لدفعها لمهربين من أجل محاولة أخرى لمعانقة حلم أوربا.

تجمع الوافدون الجدد في مخيم الدار البيضاء بعد اشتباكات عنيفة مع سلطات الحدود المغاربة أثناء محاولتهم توسيع نطاق السياج الذي يفصل المغرب عن مدينة سبتة (المحتلة).

"أنا هنا فقط للتعافي. يقول إبراهيم إبراهيم باه (19 عاما)، الذي وصل قبل أيام الى سبتة  مثخن بجروح مفتوحة على معصميه والذراعين والظهر.

وأضاف "لقد اعتقلتنا القوات المغربية وضربتنا. حطموا أحد أذرع صديقي، وربطوا أيدينا بالأصفاد وحشرونا في حافلة. هذه المرة رمونا في الدار البيضاء لكنهم عادوا من أجل شحننا إلى الجنوب".

لم يستجب المسؤولون الحكوميون لطلبات التعليق على المعاملة غير الإنسانية للمهاجرين أو مخيم الدار البيضاء، لكن الحكومة المغربية تصف سياسة الهجرة في البلاد بأنها "مثالية". وهذا يشير في معظمه إلى الإصلاحات التي تم إطلاقها في سنة 2014، والتي تم تمويلها بشكل كبير من قبل الاتحاد الأوروبي، لتشجيع المهاجرين على البقاء في المغرب. تم منح أزيد من 23،096 مهاجر افريقي ترخيص الإقامة في المغرب منذ سنة 2014، كما تقوم السلطات حاليًا بمعالجة حوالي 25،000 طلب آخر.

ومع ذلك، فقد تم اعتقال أزيد من 6500 مهاجر، ولاجئ من جنوب الصحراء الكبرى، وتمت إعادتهم على متن حافلات إلى جنوب المغرب أو إلى الجزائر بين يوليوز، وسبتمبر 2018، وفقاً لمجموعة "جاديم" المناهضة للعنصرية. في غضون ذلك، سار مهاجرون آخرون في مخيم "أولاد زيان"  على بعد أكثر من 100 ساعة من مدينة تزنيت، وهي مدينة تقع في أقصى جنوب المغرب حيث تم ترحيلهم إليها.

"إن الرحلة المحفوفة بالمخاطر لم تنته أبدا. إنه الخوف المستمر. أنت تمشي في الشارع، يتم القبض عليك. تذهب إلى المسجد، يتم القبض عليك"، تقول جيان جبراهيما، البالغة من العمر 22 عاما من السنغال، مضيفة " نشعر بأننا مجرمون".

عاشت جبراهيما خمس سنوات في طنجة قبل أن يتم ترحيلها، إلى جانب آلاف المهاجرين، وهو ما تصفه منظمة العفو الدولية بأنه "حملة واسعة النطاق تشنها السلطات المغربية، على الآلاف من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى وطالبي اللجوء واللاجئين".

يحتجز المهاجرون الموقوفون في الشمال في بعض الأحيان لعدة أيام في مركزين للشرطة في طنجة قبل أن تعيدهم الحافلات إلى الجنوب. "هذه الاعتقالات هي" تعسفية كلية وغير مدعومة من الناحية القانونية، كما انه يمثل أحد أمام قاضٍ في أي مرحلة "، يقول جاد.

من جهتها، تقول ناشطة إسبانية تعمل في المغرب، وتدعى "هيلينا مالينو"، إن سياسة السلطات المغربية التي يدعمها الاتحاد الأوروبي ستنجح إذا أحدثت تغييراً حقيقياً فيما يتعلق بتوفير العمل للمهاجرين، واحاطتهم بالرعاية الصحية.

وأضافت  "إن المبادرة جيدة في حد ذاتها، لكنها لا تفعل سوى القليل لتغيير الواقع المرير للمهاجرين، ويرجع ذلك في الغالب إلى صعوبة تقديم المساعدة لهم، كما أن المغرب يحرص فقط على إرضاء الاتحاد الأوروبي، وعدم السماح للمهاجرين بالوصول إلى أوروبا".

تحولت أعداد متزايدة من المهاجرين الذين يستقلون طريق المغرب-أسبانيا إلى أوروبا إلى المغرب، كمدخل رئيسي للمهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء، مما يفرض ضغوطات على الحدود بين إسبانيا والمملكة الواقعة في شمال إفريقيا.

وافق الاتحاد الأوروبي هذا الصيف على منح المغرب 275 مليون دولار لوقف تدفق المهاجرين غير القانونيين. " هذا أمر يدفع البلاد إلى اتباع نهج أكثر عنفاً في منع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا"، تقول مالينو.

خلال هذه السنة، أحبطت السلطات المغربية،  68000 محاولة للهجرة غير القانونية، وفقا للمتحدث باسم الحكومة مصطفى الخلفي.

وإذ يساورهم القلق حول حملة ترحيل وشيكة، يقضي المهاجرون في مخيم  الدار البيضاء معظم وقتهم في خيامهم المخيفة، يدخنون الحشيش، ويتحدثون عن النوبات النفسية التي تعرضوا لها منذ سنوات.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 17 =

زر الذهاب إلى الأعلى