الرأي

الثقافة و الفكر… طريق النهضة المغربية

بقلم : يونس التايب

عرف يوم أمس الأربعاء 8 يناير، افتتاح “كرسي عبد الله العروي للترجمة والتأويل”، المنظم من قبل جامعة محمد الخامس، بتعاون مع معهد العالم العربي بباريس، ضمن الدرس الافتتاحي لكلية الآداب والعلوم الانسانية بالرباط.
لن أقف عند مضامين ما قاله المفكر المغربي الكبير عبد الله العروي. فالتسجيل الكامل لمحاضرته متوفر، كما نشرته عدة مواقع إلكترونية. و بالإطلاع عليه سيتأكد أن ما يقوله الرجل يستحق دائما، بل ويستوجب الإنصات بتركيز، سواء اتفقنا مع مضمون القول كليا، أم لم نتفق جزئيا.
في محطة يوم أمس، لاشك أن بعض القول كان رصينا متميزا كالعادة، و مقبولا لا يناقش، وبعضه الآخر رصين و يستحق مزيدا من التوضيح، و ربما يستدعي شيئا من الجدل، وقد يجيز حتى عدم الاتفاق بشأنه. لكن، يبقى الأهم، هو أن السي عبد الله العروي سيظل، بدون مجاملة، هامة فكرية مغربية من العيار الثقيل، يحق لنا أن نفتخر بها، و يستحق منا كل التوقير لمقامه، و الاحترام لشخصه و لنزاهة ما ظل عليه من سلوك و أخلاق، وشجاعة في الدفاع عن مبادئه و أراءه لعدة عقود.
ما يهمني الوقوف عنده هنا، و ما أرغب في أن نتمعن في دلالاته هو ما حازته، بالأمس، تلك اللحظة الفكرية والثقافية والأكاديمية الراقية من اهتمام كبير، بدليل أعداد الحضور و فئاتهم و نوعياتهم. فقد هب الطلبة، و حضر الأساتذة، و أتى مفكرون مغاربة متميزون جلسوا بتواضع بين الصفوف، وجاءت أطر من إدارات عدة، والكل أنصت بإمعان و تقدير وشجن. و ظني أنه لو أمكن أن يكون المدرج بطاقة استيعابية مضاعفة، لكان عدد الحضور مضاعفا. و لو أمكن نقل المحاضرة في نفس اللحظة، على شاشات كبرى، بمدرجات كل جامعات وكليات ومعاهد المملكة، لغصت المدرجات بتلقائية استثنائية بشباب و أطر هذا الوطن.
في رأيي أن هذا “النفير” يدل على أن من المغاربة أعدادا كبيرة لا يزالون متمسكين بقناعة راسخة بأهمية الفكر والثقافة و الحوار العالم (بكسر اللام). و هم متشبثون برفض “الرداءة و التفاهة” التي هجم “أصحابها” على الإعلام الوطني، و استوطنوا الفضاء العام ليخوضوا داخله “معركة” الترويج للكراكيز و لأنواع من السفه والفراغ القيمي الذي لا إبداع فيه و لا طائل منه. فلا هم أسسوا منظومة ثقافية بديلة يمكن أن تستحق هذا التوصيف، و تفيد الوطن بذلك، ولا هم تركوا إعلامنا العمومي نستمع و نشاهد من خلاله نخبنا ومفكرينا، فنقبل منهم و نرفض، و نتجادل معهم و نتحاور، في أفق تجديد ثقافة وطنية قادرة على التعاطي مع مقومات أصالتنا باحترام وعقلانية، و الانفتاح على المعاصرة و الحداثة بهدوء ودون مزايدات ديماغوجية، و لا تهافت أو انسلاخ عن هوية الأمة المغربية و توابثها.
ما ظهر بالأمس في ذلك المدرج المجيد بكلية الآداب التابعة لجامعة محمد الخامس الشامخة، كان شيئا مفرحا و مبشرا بخير كبير قوامه استمرار تواجد قيم جميلة حية و صامدة في كينونة أبناء المجتمع المغربي، ضدا على التفاهة والتسفيه. و أتمنى أن تكون الرسالة قد وصلت و تم فهم دلالاتها، لعل الرشد يعود إلى من عليهم إطلاق طاقات الفكر و تشجيع التنوع، و الاستثمار في الثقافة المغربية لأنها الرافعة الأساسية و المحورية لنهضة المجتمع وتطوير بنيانه.
و سواء أردنا لهذا الوطن أفقا عصريا و حداثيا، أو أردناه محافظا غير حداثي، أو أردناه وطنيا معتزا بتمغربيت بكل روافدها، في إطار دولة وطنية مغربية قوية، فلا سبيل إلى ذلك سوى طريق الثقافة والفكر و احترام تنوع الرصيد اللامادي الوطني، حتى نجيد الانفتاح على الثقافات والحضارات الإنسانية الأخرى، و ننمي العمران. و من شك في هذا القول، ليسأل السي عبد الله العروي، إن لم يكن قد قرأ لابن خلدون بما فيه الكفاية و استوعب ثقل حقائق التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى