الدين والحياة

إصلاح الحقل الديني بالمغرب.. رهان محاربة التطرف على المحك

الدار/ المحجوب داسع

أعادت الجريمة البشعة التي هزت الرأي العام الوطني، والتي راح ضحيتها، سائحتين اسكندنافيتين، بمنطقة امليل، ضواحي مدينة مراكش، النقاش من جديد حول فعالية ونجاعة المقاربات التي نهجها المغرب في السنوات الأخيرة لاجتثاث كل منابع التطرف العنيف، وتعزيز التسامح والسلم.

فموازاة مع الإجراءات الأمنية الاحترازية التي تنافح بها الدولة عن استقرارنا وهويتنا، والتي أسهمت في تفكيك العديد من الخلايا الإرهابية النائمة، وافشال مخططاتها التخريبية الخطيرة، دشنت الدولة منذ الاحداث الإرهابية للدار البيضاء سنة 2003، هيكلة جديدة للمجال الديني بالمغرب، والذي يقوم على سارية العماد، ممثلة في امارة المؤمنين، كمؤسسة لها دور وظيفي وتنسيقي بين باقي المؤسسات الدينية.

ومن مظاهر حماية الدولة للوطن من انتشار الفكر المتطرف، ما قام به علماء مختلف المؤسسات الدينية من التصدي لدحض هذا الفكر، وتبيان زيفه من خلال قراءة النصوص الشرعية، وتحليل مفاهيمها العشرة، التي يستند اليها الإرهاب وهي: "الجاهلية" و"الخروج عن الإجماع" و"الحاكمية" و"اللامذهبية" و"السلفية" والولاء والبراء" و"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" و"التكفير" و"الشورى" و"الجهاد". فبينوا بالدليل الشرعي، أن الإرهاب ليس له دليل في الدين، وأن هذه المفاهيم قد جزئت من محاضنها الأصلية في الكتاب والسنة، و استغلت من طرف الحركات المتطرفة لتبرير جرائمها البشعة.

وفي هذا الإطار، أصدرت الرابطة المحمدية للعلماء، سلسة "الإسلام والسياق المعاصر"، في تفكيك خطاب التطرف، هي سلسة تضم شرحا وافيا لعدد من المفاهيم الدينية الواردة في الكتاب والسنة، والتي تستند اليها التيارات المارقة لايجاد مسوغ لجرائمها، وفكرها المتطرف.

وركزت المؤسسة الدينية، التي يترأسها الدكتور أحمد عبادي، أيضا على انشاء وحدات متخصصة في الشباب والطفولة والنشء، من أجل بناء قدرات الشباب، وتمليكهم كفايات ومهارات تسعفهم على انتاج خطاب بديل على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، يمتح من الثوابت الدينية والوطنية للامة، ومنفتح على روح العصر، ومقتضيات السياق المعاصر.

واعتبر الباحث في الدراسات السياسية والدينية بكلية الشريعة بأيت ملول، خالد أوخراز، أنه من الصعب الحكم بنجاح التجربة المغربية في محاربة التطرف العنيف، خصوصا على المستوى الديني، لكن رغم ذلك، يردف الباحث، هناك مجهودات مهمة يجب الوقوف عندها، خصوصا فيما يخص انشاء المجالس العلمية المحلية في مختلف المدن والأقاليم، وتعيين أسماء جديدة على رأسها، وكذا المجهود التفكيكي لخطاب التطرف العنيف الذي تقوم به الرابطة المحمدية للعلماء في تشبيك مع باقي المؤسسات الوطنية ذات الصلة".

وأضاف الخبير في تفكيك خطاب التطرف العنيف أن التجربة المغربية تمتاز اليوم، بإشراكها للمرأة من خلال تجربة المرشدات الدينية، والتي تستحق الإشادة لما تنطوي عليها من فهم عميق لرهانات الدولة والمجتمع، وما تنطوي عليه أيضا من تقريب للتدين من مختلف الشرائح المجتمعية المتعطشة للمعرفة الدينية الآمنة الخالية من ألغام التطرف، والغلو.

خالد أوخراز، أشار في هذا السياق الى ضرورة الاهتمام بالإعلام الديني، نظرا لقوة الخطاب الإعلامي في التأثير والتأثر، ولأهميته في السياق المعاصر خصوصا مع انتشار شبكات والتواصل الاجتماعي، حيث تتحرك الآلية الدعاية لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وما سير على ركبها في محاولة لاستقطاب الشباب، واغوائهم  بخطاب متطرف.

وشدد الباحث الجامعي بكلية الشريعة على ضرورة انتاج خطاب اعلامي بديل يمتح من أصول هويتنا الوطنية، ومنفتح في ذات الوقت على روح العصر، مع ضرورة تمهير العلماء، وتمليكهم مجموعة من الكفايات والمهارات فيما يخص التعامل مع المصفوفات الرقمية المعاصرة، وكيف انتاج خطاب بديل عبر هذه الشباب يلبي انتظارات مختلف الشرائح المجتمعية.

 

وأصدر الملك محمد السادس، رئيس المجلس العلمي الأعلى، ظهيراً شريفاً يوافق بموجبه على تعيين رؤساء مجالس علمية محلية بالمغرب؛ وذلك بعد الطلب الذي رفعته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إليه خلال احتفالات ليلة المولد النبوي الشريف.ويتعلق الأمر بـ16 رئيسا بمختلف أقاليم وعمالات البلاد.

وهي الخطوة التي اعتبرها الباحث خالد أوخراز، ذات دلالة عميقة، لكونها تجسد رغبة الدولة في قطع دابر كل من سولت له نفسه التطفل على المجال الديني، أو الزج به في أتون الصراعات السياسية"، مشيرا الى ضرورة أن تضع هذه المجالس نصب اعينها اجتثاث كل منابع التطرف، و توفير معرفة دينية آمنة لعموم المواطنين بشكل يجعلهم بمنأى عن التيارات الهدامة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

11 + عشرة =

زر الذهاب إلى الأعلى