الدين والحياة

أسماء المرابط.. التحرّر دون التنكر للهوية

دنيا هدني

بعدما قادت "مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام" بالمغرب، قررت الخبيرة في الأديان الاستقالة تحت ضغط المؤسسة الدينية المنزعجة من مواقفها فيما يخص المساواة في الإرث بين النساء والرجال. لكنها تخطط لمواصلة التزامها.

هي من المثقفات القليلات في العالم الإسلامي، المدافعات عن قضية المساواة في الإرث بين النساء والرجال في الإسلام. أسماء المرابط قررت في التاسع عشر من مارس المنصرم تقديم استقالتها من "مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام" في الرباط بعد حوالي عشر سنوات من ترأسه، وذلك بسبب ضغط المؤسسة الدينية والأوساط المحافظة. والسبب في ذلك موقفها العلني من المساواة في الإرث بين النساء والرجال.

وكان لاستقالة هذه المثقفة تأثير كبير على الإسلاميين الإصلاحيين. التقى بها فريق صحيفة "ليبيراسيون" الفرنسية في أحد أيام شهر دجنبر داخل مقر رابطة العلماء بالمغرب، في العاصمة الرباط. ويقع المقر بالقرب من أسوار المدينة القديمة، بقصر الباشا قديما المشيد على الطراز الإسباني الموريسكي والمتميز بسقفه الأخضر الإمبراطوري الصنعة، كما تزينه مجموعة من أشجار النخل الباسقات. وكان يسمع في هذا البناء البالغ طوله خمسة أمتار والمطرز بنقوش عربية بهية صوت كعب أسماء المرابط (57 سنة) الصغير. إنه أشبه بانطباع عودة في الزمن.
 

"العودة إلى المصادر"

الحجاب والمساواة في الإرث وتعدد الزوجات وغيرها. منذ عشر سنوات وهذه الخبيرة في الأديان التي تشتغل أيضا كطبيبة إحيائية تطرح تساؤلات ما فتئت تقسّم المجتمع المغربي موضوع يجمع الحداثة والتقليد لدرجة الانفصام من وجهة نظر نسوية. فما هدفها يا ترى؟ كشف التأويلات الذكورية للقرآن، انطلاقا من مبدأ كون الإسلام أمر محسوم فيه في المملكة المغربية.
 

"أنا لم أتابع أي دراسات دينية، وإنما اشتغلت في الميدان"، تقول وهي جالسة في مكتبها النقي محركة وشاحها الملون الذي يسمح بظهور خصلات شعر سوداء قانية. بدأت هذه الأخصائية الإحيائية أبحاثها الشخصية حول الهوية الدينية، مستوحية ذلك من النظرية الكاثوليكية للتحرير التي استوحتها منها في "منفاها" الذي امتد لحوالي عشر سنوات رفقة زوجها الدبلوماسي في أمريكا اللاتينية.
 

"خلافا لأي تأويل للقرآن يقود إلى قمع النساء في مجتمعنا [المغربي] المتميز بهيكليته الأبوية، أحسست بالحاجة إلى العودة إلى المصادر لمعرفة ما تقوله حقيقة. واكتشفت من أبحاثي أن المشكل يكمن في كوننا ننقل ما هو ديني على أنه مجموعة من الحقائق الدوغمائية تحوم حول ثنائية الحلال والحرام".
 

وتحاول بنظرتها الثاقبة تفكيك الأسباب العميقة لالتزامها. " هذا الأمر يعود تقريبا إلى الطفولة"، تصرح بعد لحظات من الصمت. "فعلى غرار ملايين المغاربة، عشت بعض التناقضات داخل منزلي. فأنا وليدة سنوات الستينيات. وكان والدي تقدميا انتمى إلى اليسار وسبق وحكم عليه الحسن الثاني بالإعدام واختار اللجوء السياسي. كان ليبراليا يحترم الإسلام دون أن يمارسه، باستثناء ما كان له علاقة بوضعية النساء". عرفت أسماء المرابط بعد ذلك أن سبب ذلك التناقض له علاقة بالتربية الدينية المعوجة التي يلقنها الشباب المغربي، وهي ظاهرة أصبحت أكثر حدة مع ظهور الإسلام السياسي اليوم.

وتبقى الباحثة أكثر حذرا حينما نطالبها بالتحدث عن منهجيتها في الاشتغال. فهي مقتنعة بعدم وجود طريقة واحدة لفعل ذلك، وعلى نفس المنوال "لا يوجد هناك حركة نسائية إسلامية يكون لها نفس الالتزام في المملكة العربية السعودية وإندونيسيا، مرورا بفرنسا".

"سبيل ثالث"

إذا كانت الحركة النسوية الإسلامية ظهرت في أوروبا، وبالضبط في فرنسا، ابتداء من العقد الأول من الألفية الثالثة، فقد سبق وسجلت حضورها في المنطقة المغاربية والعالم الأنجلوسكسونية سنوات التسعينيات. "أغلب أخصائيات الأديان المسلمات ممن قمن بالتفسير هن في الغالبية ناطقات بالإنجليزية"، تؤكد الباحثة الفرنكوفونية التي تكافح من أجل فتح "سبيل ثالث" للولوج إلى الحقوق الكونية عن طريق قراءة جديدة ضمن السياق ومن دون التحيز لأي جنس.

وتؤكد "على أن المسلمين ليسوا مجبرين عن التخلي عن جزء من هويتهم [الإسلامية] لكي يتحرروا". ولنأخذ قضية الإرث التي تركز عليها الباحثة في الأديان بصورة خاصة في كتاباتها وكذا في خرجاتها الإعلامية. فالآية القرآنية المرتبطة بالإرث –والتي تنص على أن المرأة ترث نصف ما يرثه الرجل– تُدَّرس على أنها حقيقة مطلقة دون أدنى تعليل أو تراجع. "وفجأة، يخرج الفتى بفكرة يدعمها الإسلام حسب رأيه، أنه أسمى، بينما ترى الفتاة نفسها مظلومة.

لكن يكفي وضعها في إطار سياقها التاريخي، خلال 'نزول' النص في القرن السابع لتغيير المعطى. فإذا ما كان هذا الأمر له معنى في حقبة كان الأخ يتحمل فيها أعباء أخته ماليا، فقد اختلف ذلك في مجتمع تشتغل فيه النساء وينفقن على أنفسهن ماليا". هل يتعلق الأمر بنظرة معوجة من جهتها بحكم أن لها توجيها جيدا؟ لا تترد أسماء المرابط في التمسك برأيها. "بطبيعة الحال لا. الأمر له علاقة بالحس الجيد"، تؤكد. فبالنسبة لهذه المثقفة، تمثل الآية نموذجا صارخا لهدف الإسلام: ألا وهو "العدل".

نظرة "أبوية"

عادت أسماء المرابط إلى المغرب سنة 2003 وشاركت في تأسيس "المجموعة الدولية للأبحاث والتفكير حول المرأة في الإسلام" وهي مقتنعة بأن لها دورا تلعبه في هذه القضية التي تراها مهمة. وألفت هذه المرأة العصامية كتبا باللغة الفرنسية، سيما "الإسلام والمرأة" و"القضايا المقلقة". 

وللحديث عن الحركة النسائية في أوربا، سيما في فرنسا، فهي تختار كل كلمة تقولها بعناية. ويبقى هاجسها الأكبر عدم التحدث إلا بعد معرفة السياق السوسيوثقافي. ومع ذلك فهي تتهم هذه النظرة "الأبوية": "ما إن تظهر حركة نسائية في بلدان الجنوب حتى تتحد الحركة النسائية الغربية ضدها"، تقول بنبرة حانقة تعلو صوتها.

وتضيف: "في الولايات المتحدة الأمريكية، كل شيء مركز في قضية الحركة النسائية السوداء الأمريكية. فأولئك النساء لم يشككن يوما في القيم الكونية للحركة النسائية، لكن الحركة النسائية التي أطلقوا عليها "بيضاء"، وذلك بسبب جهلهن بإشكاليات النساء السود. وهو عين ما تطالب به الحركات النسائية الإسلامية في الغرب. أجل، هناك مبادئ كونية (الحرية والمساواة والعدالة والتحرر)، لكن كل سياق ينتج نماذجه الخاصة به".

وتنتقد كون أقل نقاش حول الحركة النسائية في فرنسا يغلق عليه في وضعية استقطاب قابلة للاشتعال: "ينتابني انطباع أنه ليس هناك سبيل وسط". وإذا ما كانت الإسلاموفوبيا بالنسبة إليها حقيقة لا غبار عليها في فرنسا، فـ "هناك عمل مهم يجب القيام به في مجتمعنا"، تقول بثقة متواضعة تبدو أنها عادة لها. ومع أنها ترفض التحدث باسم المسلمين ممن يعيشون في أوربا، فهي تدعم مناضلات جمعية "لالاب" التي ترى أنها تحركها شامل…

وفي المقابل من ذلك، تبقى جد متحفظة فيما يتعلق بالاجتماعات غير المختلطة: "ربما بدا ذلك ساذجا من جهتي، لكن من الصعب بالنسبة لي، وأنا أدعو إلى بعض الروحانية والتدين وأطمح في النهاية إلى الاختلاط". هل سبق وفكرت في دخول العمل السياسي؟ "لا، إطلاقا!". فللمثقفة مشاريع أخرى في رأسها منها تعميق أبحاثها حول الأخلاق الإسلامية. وقالت إن إعفاءها من مركز من "مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام" لن يمنعها مواصلة "التزامها بصورة هادئة وحرة". وخلفتها على رأس المؤسسة السيدة فريدة زمرد، دكتورة في الدراسات الإسلامية وفي التفسير وعلوم القرآن. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 − خمسة =

زر الذهاب إلى الأعلى