أخبار دولية

تحليل إخباري: الجزائر.. صراعٌ على نظام مشلول

الدار/ سعيد المرابط

مرة أخرى، مثل ما حدث منذ 30 عاما، في أكتوبر من عام 1988، يضرب النظام الجزائري في القاع؛ إذ لا يمكن حل التناقضات الخاصة به في ظل  زيادة التوتر. 

لقد تبع البرلمان أزمة رئيسه الذي لا رأس له؛ بأزمة في قيادة جبهة التحرير الوطني؛ التي تستخدم عادة في مثل هذه الحالات حيلاً ليست جديدة، ولكنها هذه المرة، تمثل الدخان الذي يغطي فوهة البركان. 

أزمات داخلية

إذ يرى متتبعون للشأن الجزائري، أنها قد تنفجر، وينهار النظام السياسي، كما حدث في عام 1988، عندما انهت الثورات الشعبية عصر الحزب الواحد والاقتصاد الاشتراكي، فالصورة الثابتة للرئيس المريض، وظهوره القليل في الأماكن العامة لم يعد يطمئن الشعب، الذي تعطلت أنظمة سقيه بما يسكته، وبدأ تشغيل الإنذارات.

وضع كوميدي 

وتعيش الجزائر في وضع كوميدي تقريبا، حيث يرفض البرلمان الذي لا يكاد يكون له نشاط، تمرد نواب من أحزاب الأغلبية في مجلس النواب، بعد أن نجحت في عرقلة مكتب البرلمان، والإطاحة برئيسه، سعيد بوحاية، وطرح رئيس آخر، أما بالنسبة لمنصب الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، ولد عباس، والإجازة المرضية، التي تطورت لاستقالة، رغم الارتباك في تصريحات من يعتبر الرجل القوي والجديد، معاذ بوشارب، الذي تولى الرئاسة المؤقتة.

والحقيقة هي أن التواصل بين العصابة، التي تدير الرئيس المريض، وأعلى السلطات في البلاد، إتصال ضيق، حيث يعمل النظام السياسي الجزائري الغريب؛ بطريقة تسمح لمجموعة صغيرة من بينها شقيق الرئيس سعيد بوتفليقة؛ بتنظيم وتسيير البلاد  باسم الرئيس، تعتبر تلك العصابة ذات العلاقات التجارية القوية هم “رأسماليون الدولة”، هي التي تعطي تعليمات لبقية السلطات الرسمية للنظام، مما يجعله يعمل بمنطق ضمني للعشائر.

ومع ذلك، يبدو أن اللعبة انتهت، ولم تعد تعليمات قصر الرئاسة صريحة؛ البعض ينسبها إليه، والبعض الآخر ينكرها، وقد صار الرجال الموالون للرئيس، يتعرضون للهجوم أو للتنحية بسبب ما سمي قضاياالفساد. 

صراع الأجنحة وتحنيط السلطة

والأسوأ من ذلك هو أن الصراع بين الأجنحة في الجزائر، حول تقسيم كعكة النفط – من خلال الأشخاص المتداخلين – وذلك ما أصبح مرئياً وواضحا أكثر فأكثر؛ والسبب هو أن حجم الكعكة انخفض، في السنوات الأخيرة، حيث اضطر انخفاض عائدات النفط إلى فرض قيود جدية على الواردات، التي تعد تراخيصها من أكثر الأعمال المربحة في الجزائر.
لا مخرج لهذه الحالة، إلا بالرجوع إلى المادة 88 من الدستور، التي من شأنها أن تسمح للبرلمان الإعلان عن عدم قدرة الرئيس، المغيبة، حتى في النقاش الدائر حاليا. 
حيث لا يزال المحافظون يناشدون ولاية خامسة لبوتفليقة، في الانتخابات المقبلة، المقررة في أبريل 2019. 

ولكن تقنية “تحنيط السلطة”، لم تعد تنتج الإجماع بينهم والطبقة السياسية، وهناك الكثير من العوائق، بدءا من الجيش في الاحتياط، أولئك الذين يطالبون بالخروج من وضع لا يمكن الدفاع عنه بوضوح.

إنهاء المسرح

ولطالما طالب المجتمع المدني الجزائري، الذي أضعفه الافتقار إلى الحرية والقمع واستيعاب النظام، بإنهاء هذا النظام الذي يعيش في الظل. 
لكن الخوف من المواجهة، كما حدث في التسعينيات، والسلم الاجتماعي الذي اشتراه النظام من خلال الإنفاق العام يبقي السكان “شبه معوقين”. ويبدوا أن الانزعاج ينمو ولا يتطلب الكثير من الغضب، بينما يتم فصل المجتمع المدني عن الطبقة السياسية، ولن يكون من السهل نشر انتقال منتظم، لأن الانقسام الاجتماعي العنيف أكثر احتمالا.

ويرى باحثون في العلوم السياسية، أن الأنظمة الاستبدادية يمكن أن تستمر لفترة طويلة، حتى عندما يفتقرون إلى الدعم الاجتماعي، طالما لا تزال قوات الأمن موحدة في أياديهم، ولكن في غيابها يمكن أن تسقط تلك الأنظمة بين عشية وضحاها مثل بيت من ورق. 
وقد بدأت الخلافات بين أجهزة الاستخبارات الجزائرية (DRS) ورئيس القوات المسلحة منذ فترة، حول إدارة الهجوم على محطة الغاز في إن أميناس، أو إعطاء إذن التحليق لطائرة فرنسية في جنوب الجزائر، للتدخل في مالي في عام 2013.

تبدوا الجزائر مشوهة المعالم السياسية، مختنقة داخلياً، مع نفاد صبر خارجي؛ أظهره شركاء الجزائر مثل ألمانيا أو فرنسا، في علامات واضحة للإرهاق، ثم إن فوضى هذا العملاق الإفريقي، المشلول كرئيسه، تمنعه ​​من متابعة الأجندات الدولية، ولكن من أجل الاستقرار في المنطقة، والتخوف من الوضع الإقليمي، يبدوا الوضع الدبلوماسي غير مبالي بما يجري في الجزائر، لكن من وقت لآخر يتجلى وضعها للعالم، رغم جدار الصمت الذي تضربه دولة العسكر، والتعتيم الإعلامي الذي تعرفه الجزائر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8 − 2 =

زر الذهاب إلى الأعلى