أطفال إدلب الهاربون من الحرب والمسكونون بالخوف
كان مصطفى وإيناس يساعدان والدهما على توضيب حاجيات العائلة في سيارة ستقلهم مرة جديدة بعيداً عن هجوم قوات النظام غرب حلب، عندما تبدأ القذائف بالتساقط من حولهما، وينتابهما الذعر.
ترتجف شفتا إيناس (10 أعوام)، وتغلق أذنيها بيديها، تنتظر مترددة لثوان قبل أن تلحق بشقيقها مصطفى (12 عاماً) الذي ركض باتجاه الشاحنة ليكون أول الصاعدين اليها.
مصطفى وإيناس ليسوا سوى عينة من مئات آلاف الأطفال في محافظة إدلب وجوارها في شمال غرب البلاد المسكونين بالرعب الناتج عن القصف السوري والروسي الذي يحيط بهم والذي تسبب منذ شهرين بموجة نزوح غير مسبوقة حتى بالنسبة الى سوريا حيث يتواصل النزاع الدامي منذ ثماني سنوات.
ويقول والدهما أبو محمد (50 عاماً)،الذي لا يزال أربعة من أطفاله يعيشون معه، “حياتنا عبارة عن ضرب وخوف (..) لا يمكن تهدئة الأطفال كلما سمعوا صوت الطائرة أو القذيفة”.
ويضيف “ابنتي إيناس تتجمد تماماً جراء القصف (…) نحاول تهدئتها من دون جدوى. أغلق لها أذنيها وأقول لها: لا تخافي، إنها بعيدة عنا، لن تضرب. لكنها تصرخ وتبكي كل مرة، وحين تنام تضع مخدة فوق رأسها كي لا تسمع صوت الطائرة”.
ويقول بحسرة “سآخذها اليوم وأهرب بها” من بلدة دارة عزة في ريف حلب الغربي.
تنهمك العائلة بتوضيب حاجياتها في سيارة البيك آب الصغيرة التي تمتلىء بحقائب الملابس وصناديق الأغراض المنزلية والفرش والأغطية وفوقها سجادة كبيرة. ثم يغطيها أبو محمد بشادر بلاستيكي لحماية الأغراض من المطر.
حين تبدأ القذائف بالتساقط في منطقة قريبة، ينطلق أبو محمد مسرعاً بالسيارة بعد صعود زوجته وثلاثة من أطفاله. واضطر أقارب له الى الهرب ركضا على الأقدام، ثم ملاقاته في شارع آخر بعد توقف القصف ليصعدوا ويجلسوا فوق الحاجيات المتراكمة.
ليست هذه المرة الأولى التي تضطر فيها العائلة للنزوح، ولم يمر سوى شهر وأسبوع على انتقالها إلى دارة عزة قادمة من جنوب إدلب.
ويقول أبو محمد “لا أستطيع إحصاء عدد المرات التي نزحنا فيها”، مضيفاً “الخوف على الأطفال هو الذي يدفعنا إلى ذلك”.
في دارة عزة، اتخذت العائلة من بيت أشبه بمستودع خردة منزلاً لها. جدرانه سوداء اللون، ولا يفصل بين الغرفة الوحيدة فيه والباحة الخارجية سوى شادر بلاستيكي ممزق.
وإن كانت العائلة بقيت بمنأى عن القصف أسابيع عدة، إلا أن الحياة في تلك الظروف كانت مضنية، خصوصاً على الأطفال.
ويقول الرجل الذي طغى الشيب على شعره وذقنه، “المنزل عبارة عن خربة (…) مضى الوقت (ونحن نعالج الأطفال) من الأمراض، نزلات البرد والسعال وألف علة أخرى”.
في ديسمبر، بدأت قوات النظام بدعم روسي هجوماً واسعاً في مناطق في إدلب وجوارها تسيطر عليها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل أخرى معارضة للنظام. وتركزت العمليات بداية على ريف إدلب الجنوبي ثم على ريف حلب الغربي المجاور.
وأسفر الهجوم عن مقتل أكثر من 400 مدني، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان، كما دفع بحسب الأمم المتحدة بقرابة 900 ألف شخص إلى النزوح.
ويلجأ الجزء الأكبر من النازحين إلى مناطق مكتظة أساساً بالمخيمات قرب الحدود التركية في شمال إدلب. ولم يجد كثيرون منهم خيما تؤويهم أو منازل للإيجار، فاضطروا إلى البقاء في العراء أو في سياراتهم أو في أبنية مهجورة قيد الإنشاء وفي مدارس وجوامع.
وحذرت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية عدّة من تداعيات الوضع الكارثي خصوصاً على الأطفال في منطقة تؤوي أساساً ثلاثة ملايين شخص نحو نصفهم من النازحين.
وأفادت منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” أن التصعيد أسفر عن “تشرّد ما يزيد على 500 ألف طفل”.
وتوفي سبعة أطفال، بينهم طفل رضيع لم يتجاوز عمره سبعة أشهر، جراء درجات الحرارة المتدنية والأوضاع الإنسانية “المروعة” في المخيمات، وفق ما أفادت منظمة “سايف ذي شيلدرن” الثلاثاء.
في مكان آخر من دارة عزة، يُحضِّر نازح آخر يُعرف عنه نفسه باسم أبو أحمد (53 عاماً)، نفسه للفرار مجدداً مع عائلته المؤلفة من زوجته وأولاده الخمسة وأصغرهم في السابعة من العمر، فضلاً عن أحفاده وأقاربه.
لم يعد أبو أحمد يتحمل رؤية الأطفال يبكون على صوت القذائف.
ويروي “حين تبدأ الطائرات بإطلاق الصواريخ ليلاً، يجفل الأطفال، أصرخ فيهم ألا يخافوا ليهدأوا قليلاً”، مضيفاً “الواحد منهم يدخل لقضاء حاجته خائفاً ويخرج من الحمام مسرعاً أيضاً من شدة الخوف”.
ويتذكر أبو أحمد ليلة استهدف خلالها قصف عنيف المنطقة، قائلا “ركض الأولاد ليختبأوا في حضني وحضن والدتهم (..) لم نعد نعرف كيف نهدأهم”.
ووقعت ابنته هدى (12 عاماً) على الأرض قبل شهر حين كانت تركض فزعة جراء صوت انفجار ناجم عن صاروخ.
ويقول أبو أحمد “الأطفال مساكين، يخسرون من وزنهم وحالتهم النفسية تزداد سوءاً (…) أما بالنسبة للأمراض فحدث ولاحرج”.
المصدر: الدار ـ أ ف ب