المواطنسلايدر

هل يعترف المعطي منجب بالطابع الانفصالي لمطالب معتقلي الحسيمة

هناك من يعتقد واهما بأن مفهوم حقوق الإنسان يشمل فقط حقوق وحريات المشتبه فيهم والمتهمين والمتجمهرين دون سواهم من بني البشر، وهناك أيضا من يُمعن في تعليب ثقافة حقوق الإنسان في خانة مسجلة حصريا بأسماء معتقلي جرائم الحسيمة دون سواهم من باقي أطراف الدعوى العمومية والدعوى المدنية التابعة، الناشئتين عن تلك القضايا الإجرامية.

وهذا لعمري، هو حال المعطي منجب الذي أطبق على جوارحه عندما كان المجلس الوطني لحقوق الإنسان يصرف من المال العام المتحصل من دافعي الضرائب على عائلات معتقلي جرائم الحسيمة، لتأمين تنقلاتهم الأسبوعية ذهابا وإيابا من منازلهم إلى مقر محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، قبل أن تأخذه الحماسة اليوم لانتقاد ذات المجلس، الذي كان كريما بالأمس، بدعوى الانحياز للدولة ومؤسساتها في مواجهة المعتقلين.

وهنا يحق لنا أن نتساءل بصوت مسموع، مع من يقدم نفسه فاعلا حقوقيا ومحللا سياسيا: هل حقوق الإنسان لا تمتد لتشمل ضحايا أعمال الشغب والعنف وإضرام النار التي عرفتها مدينة الحسيمة لأشهر عديدة؟ الجواب سيكون ترجيحا بالنفي بحسب المعطي منجب، لأن هؤلاء الضحايا ليسوا سوى نساء ورجال القوة العمومية الذين يعتبرهم التكفيريون “طواغيث”، ولا ندري أي صورة يتمثلها فيهم أو يسدلها عليهم “المؤرخ والأستاذ الجامعي” المعطي منجب؟

وحتى ولو افترضنا جدلا بأن نساء ورجال القوة العمومية، الذين عدّدهم تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمئات لا تشملهم الحماية الحقوقية من منظور المعطي منجب، فمن يا ترى من المدافعين عن حقوق الإنسان دافع عن أكثر من 140 بقالا وصاحب محل تجاري بالحسيمة ممن تقدموا بشكاياتهم ضد محرضي التجمهرات وممتهني الاحتجاجات التي تسببت في إفلاسهم وبور تجارتهم، وهي الشكايات التي وردت في صلب تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان نفسه. هل هؤلاء هم أيضا ليسوا بمواطنين مشمولين بالحماية والإنصاف؟ أم أن مجرد تجاسرهم على التشكي والتظلم يجردهم من صفة الإنسان ويحرمهم بالتبعية من مكرمات الدفاع عنهم.

وبصرف النظر عمن هو أجدر بالحماية، لأن ثقافة حقوق الإنسان هي عبارة عن منظومة حقوق وحريات كونية وشاملة، لا تقبل التجزيء ولا التشطير، ولا تخضع لإملاءات المعطي منجب ومن معه، ويتساوى فيها الجميع ضحايا ومتهمين وإن اختلفت مراكزهم القانونية، فإنه لا بد من إثارة بعض الملاحظات حول مسوغات المعطي منجب التي جعلته يسقط في نقيض قصده، ودفعت حججه الواهية للارتداد عليه عندما انبرى منتقدا تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

فالمؤرخ والأستاذ الجامعي حاول التمظهر بمظهر المدافع عن سلمية وبراءة معتقلي أحداث الحسيمة من الانفصال وجرائم الحق العام، بيد أن هو أول من دافع عن مفهومي “الحراك والريف” من منظور إثني وجغرافي وانتروبولوجي، فانساق لا إراديا نحو تكريس النزعات الانفصالية وتوطيد البعد الهوياتي خارج إطار الدولة كمكون عام ومشترك بين الجميع.

والمحلل السياسي الذي حاول إبعاد السياسة عن المطالب الاجتماعية للمعتقلين، هو نفسه من طوّق عنق المتهمين بحبال السياسة دون أن يدري، أو جهلا منه بالتحليل وتركيب الأفكار. فالمعطي منجب دافع عن وسم أحداث الحسيمة ب”الحراك”، جازما بأن هذا الوصف له مدلولات ومقاصد سياسية مثلما جرى في سودان النيلين، واليمن السعيد، والجارة الجزائر، وكأن لسان حاله يتضارب مع كل هؤلاء “الرفاق” الذين كانوا يجزمون بأن المعتقلين هم شباب توّاقون للكرامة الإنسانية بعيدا عن براثن السياسة وآثون السياسيين.

لكن المثير للسخرية في كلام (السيد) المعطي منجب، حتى لا نستعمل لفظة (المدعو) التي يتأفف منها بدعوى أن لها خلفية قدحية، مع أن إيتيمولوجيا الكلمة لا تحتمل ما قاله، هو أنه حاول تدجين المغاربة وتطبيعهم من انطباعات سريالية. فالأستاذ الجامعي يناضل من أجل استبدال كلمة “اقتحام” ناصر الزفزافي للمسجد بكلمة “دخول”، والحال أن كل المصلين الذين دخلوا المسجد ذلك اليوم جلسوا آمنين منصتين إلا شخصا واحدا هو من حضر متأخرا مدفوعا بنزعة عرقلة حرية العبادة ومنع الإمام من الخطابة! فهل يستقيم الطرفان، الجميع وذاك الشخص، في حكم ولوج المسجد؟ مع أن الجميع ولجوا مكان العبادة بدافع الصلاة بينما الأخير داهم المسجد بوازع الانتفاضة ضد الإمام. إن كلمة “اقتحام” التي استعملها المجلس الوطني لحقوق الإنسان هي أقل من أن تستوعب لغويا ومفاهيميا تصرف ناصر الزفزافي في ذلك اليوم، خصوصا إذا انسلخنا من الخلفية الإيديولوجية التي يتدثّر بها المعطي منجب، واستحضرنا فقط البعد الديني لصلاة الجمعة، والأبعاد والتمثلات الأخلاقية لشخص الفقيه في المكون الثقافي المغربي.

ولعلّ أكثر الأمور مدعاة للأسف والخجل عند مطالعة استيهامات المعطي منجب حول تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، هو عندما يقفز بالقارئ من السخرية إلى “الاستعباط” والبلادة والسطحية.

فالمحلل السياسي والمؤرخ، كما يدعي، يزعم بأن الإمام وخطيب الجمعة، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وأجهزة الأمن، شكلوا جميعهم اتفاقا إجراميا لغرض دفع ساكنة حي ” سيد العابد” للانتفاضة والاحتجاج بغرض تسويغ استخدام القوة والعنف في حقها من طرف عناصر القوة العمومية!

أكثر من ذلك، زعم المعطي منجب بأن هذا الاتفاق الإجرامي المفترض والمزعوم استعان بمعدات وتجهيزات تدخل في جسم الجريمة، وهي عبارة عن “مكبرات للصوت” التي قال أن الخطيب استعملها بشكل مشوب بالتدليس لتمرير رسائله السياسية الملغومة لسكان حي سيد العابد، وكأن جميع المساجد المغربية لا تتوفر على مكبرات للصوت إلا المسجد المذكور، وكأن تلك المكبرات تم تنصيبها فقط عشية الصلاة الموعودة.. إنها فعلا أعراض “فصام أو حالة هلامية” يجعلان المرء يرى ويتوهم ما لا يدركه العقل ولا يقبله المنطق.. إنها بالفعل أعراض الدفاع المؤذلج والمسيّس والمؤدى عنه لثقافة حقوق الإنسان المفترى عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى