سعوديون يواجهون التقشف بعد سنوات من الازدهار
كان عبدالله يعمل في أماكن عدة لتسديد قرضين مصرفيين أملا في تحقيق حلمه ببناء منزله الخاص، لكن تداعيات الإجراءات المتخذة في السعودية لاحتواء فيروس كورونا المستجد تكاد تقضي على كل طموحاته.
أعلنت المملكة العربية السعودية زيادة الضريبة على القيمة المضافة بمقدار ثلاثة أضعاف ابتداء من يوليو، وأوقفت علاوة شهرية لموظفي الدولة اعتبارا من الشهر المقبل مع انهيار أسعار النفط، بينما تتجه في نفس الوقت إلى شراء أصول خارجية بما في ذلك ناد انكليزي لكرة القدم.
وتؤكد هذه الخطوة المفاجئة على استراتيجية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان المحفوفة بالمخاطر للحد من نظام الرفاهية الاجتماعية السخي سابقا ، تاركا معظم الشباب في مواجهة واقع جديد يتصف بدخل أكثر انخفاضا وفرص التوظيف أقل مع ما يتبعه من تراجع في أسلوب العيش.
وقد تغذي هذه التغييرات شعورا بالاستياء العام وتشدد الضغوط على عقد اجتماعي معتمد منذ عقود حين كان المواطنون ينعمون بالإعانات والمساعدات المعفاة من الضرائب في مقابل الولاء للحكم القائم.
وكان لما حدث وقع قاس على عبد الله البالغ من العمر 40 عاما والأب لثلاثة أطفال، بدءا من اعتماد ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% في عام 2018، والإلغاء التدريجي الواضح لسياسة حكومية طويلة الأمد لتقديم قروض إسكان بدون فوائد، من بين العديد من الإعانات التي تلاشت شيئا فشيئا في السنوات الأخيرة.
وأمام عدم كفاية راتبه الحكومي، اتجه عبدالله لأداء أعمال صغيرة بما في ذلك تقديم خدمات السباكة والعمل كسائق سيارة أجرة عبر تطبيق هاتفي بعد أن حصل على قرض عقاري ثان لبناء منزل في ضواحي الرياض.
وحاليا ، ستؤدي زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى زيادة تكلفة جميع مكونات البناء من الأسمنت إلى الطوب وحديد التسليح، وفرض أعباء إضافية على عبدالله الذي فضل الاكتفاء بذكر اسمه الأول.
وقال عبد الله الذي لا يعرف إن كان سيتمكن من إتمام بناء منزله، “لقد ارتفعت كلفة مواد البناء الباهظة الثمن مع مضاعفة ضريبة القيمة المضافة”.
ومن المتوقع أن يتحدث قلة من السعوديين علانية عن الأمر وسط تنامي النزعة القومية وحملة قاسية على المعارضة.
لكن العديد من المواطنين يشعرون بالحنين لما تسميه الخبيرة بالشؤون السعودية كارين يانغ “العقد السحري” بين عامي 2003 و2014، عندما راكمت المملكة ثروة نفطية مذهلة انعكست في زيادة رفاهية مواطنيها.
ومن المرجح أن يؤدي تقليص سخاء الدولة إلى تقليل الاستهلاك، إذ تتوقع الشركات انخفاض مبيعات كل شيء، من السيارات إلى مستحضرات التجميل والأجهزة المنزلية.
وقالت يانغ الباحثة في معهد أميركان إنتربرايز: “إن تكلفة المعيشة ارتفعت أكثر بكثير بالنسبة للأسرة السعودية المتوسطة. إن الآثار غير المباشرة … (ستلحق الضرر) بنمو أعمال القطاع الخاص”.
وأضافت أن “ضريبة القيمة المضافة ستزيد نفقات الأسرة، من الغذاء إلى السكن والمياه والكهرباء وفواتير المطاعم والنقل والتعليم والصحة”.
كما تخاطر المملكة بأن تصبح أقل قدرة على المنافسة مقارنة بدول الخليج الأخرى التي اعتمدت ضريبة القيمة المضافة في الوقت نفسه لكنها امتنعت حتى الآن عن رفعها إلى أكثر من 5%.
ومع ذلك، فإن لدى المملكة العربية السعودية خيارات محدودة إذ تعاني ميزانية الدولة كثيرا من جراء انخفاض عائدات النفط بالإضافة إلى أزمة فيروس كورونا المستجد التي شلت عمليا الاقتصاد المحلي.
وسجلت شركة النفط العملاقة أرامكو التي توفر السيولة للمملكة انخفاضا بنسبة 25% في أرباح الربع الأول، فيما يتوقع أن تكون بقية عام 2020 أصعب.
وإجراءات التقشف التي تبلغ قيمتها 27 مليار دولار لن تحل سوى جزء من العجز الكبير في الميزانية المتوقع أن يرتفع إلى مستوى قياسي يبلغ 112 مليار دولار هذا العام.
لكن الحكومة حريصة على عدم خفض الوظائف العامة والرواتب وسط ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب بالفعل.
يعمل ما يقرب من ثلثي السعوديين في مؤسسات حكومية، وتشكل فاتورة أجور القطاع العام ما يقرب من نصف النفقات الحكومية ككل.
وفي حين أن الحكومة خفضت بدل “تكلفة المعيشة” الذي كان يحصل عليه موظفو الدولة، فقد حافظت على بدل شهري آخر ي عرف باسم “حساب المواطن” يستفيد منه نحو 12 مليون سعودي ويكلف سنويا مليارات الدولارات.
وقال كوينتن دو بيمودان من معهد أبحاث الدراسات الأوروبية والأميركية: “إن قطع الإعانات في الوقت الذي يعاني فيه الناس من شح اقتصادي خطوة محفوفة بالمخاطر. … لتجنب حدوث رد فعل عنيف، فإن السعودية تلغي بدلا فيما تحافظ على الآخر على الرغم من أنها لا تستطيع تحمل تكاليف أي منهما”.
وقالت صحيفة عكاظ الموالية للحكومة إن إجراءات التقشف تشمل خفض 8 مليارات دولار من برنامج “رؤية 2030″، وهي خطة طموحة طرحها الأمير محمد لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط. ولكن ما زال من غير الواضح ما إذا كان ذلك سيشمل مشروع مدينة “نيوم” الضخم بقيمة 500 مليار دولار والذي يحلم بإقامته على الساحل الغربي للمملكة.
ودفعت إجراءات التقشف البعض مثل عبد الله إلى طرح أسئلة بشأن الإنفاق الحكومي الطائل على الترفيه والفعاليات الرياضية المذهلة، وهي جزء من تنويع اقتصادي بطيء لكنه م كلف.
كما تثير تساؤلات فورة الإنفاق الأخيرة التي أعلن عنها صندوق الاستثمار العام السعودي. ويشمل ذلك مبلغا مقترحا بقيمة 372 مليون دولار لشراء نادي نيوكاسل يونايتد لكرة القدم، وحصة بقيمة 775 مليون دولار في مشغل الرحلات البحرية كرنفال واستثمار بقيمة 450 مليون دولار في شركة “لايف نيشن” المنظمة للفعاليات في هوليوود.
لم يتسن الحصول على تعليق من صندوق الاستثمار السعودي.
وقال دو بيمودان إن “شراء الأصول المتعثرة بأسعار متهاودة قد يكون له معنى استراتيجي بالنسبة لصندوق الاستثمار السعودي. … ولكن في أوقات الاقتطاعات المؤلمة، قد يميلون إلى التكتم على مشترياتهم”.